عالم متهتك وجاهل متنسّك

عالم متهتك وجاهل متنسّك
سعد عباس … ليس في مقدور الطائفيّ الاتساق مع القواعد الأصيلة لدينه القائمة على العدل والتسامح في العلاقات الإنسانية، العدل مع أتباع الديانات والمذاهب الأخرى، بل العدل حتى مع العدوّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى . والتسامح مع المسيء، والمجادلة بالحسنى، وإقامة الحجة ابتغاء مرضاة الله لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيّ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ .
علة الطائفي تكمن في أنه يتعصب لمذهبه، والتعصّب توأم الجهل، فإذا اجتمعا في شخص عميت بصيرته، ولا يستقيم تديّن مع عمى البصيرة، وهذا ما يفسّر ارتهان الطائفي لـ الغاية تبرر الوسيلة ، وهو مفهوم يتعارض مع الشرائع السماوية كلها التي تشترط نزاهة الغاية والوسيلة في آن معاً، مثلما يفسّر تمترس الطائفي بالانغلاق على الذات والجماعة الطائفية بينما الدين انفتاح على الإنسانية وتعارف وتوادّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ، ويفسّر انحياز الطائفي للاستبداد والتزمت فيما يعلي الدين شأن الحرية، ولقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأنها أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى هو العقل الحر. بل إن الله تعالى قال لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ ، وفي نفي الإكراه في الدين هنا وهو أعزّ شيء يملكه الإنسان دلالة بليغة على نفي الإكراه على الإطلاق وفي كل شأن، وأن الإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه لا يفرض أحد سيطرته عليه، بل يأتي شؤونه الدينية والدنيوية راضياً غير مجبر، مختاراً غير مكره.
لا يمتثل الطائفي في ممارسته الطائفية لهذه الأحكام الربانية وسواها، لأن تعصبّه الطائفي يجعله طوع بنان فهمه هو للدين ظنّاً منه أن هذا الفهم حقّ وأنه هو الدين. وإذا كان الإسلام مثلاً يقوم على القرآن الكريم وصحيح السنّة ، فإن الطائفية في المطلق تقوم على عالِم متهتِّك وجاهل متنسِّك، يصدّر الأول فهمه للدين ويرتهن الثاني لهذا الفهم المنحرف بنية سليمة لكن عن غير وعي وإدراك وتمحيص، فيصبح فرداً مسلوب العقل في قطيع مسلوب الإرادة بالتلازم، فهو يسمع في الغالب الأعمّ ولا يقرأ، في تناقض صريح مع أولّ أمر ربانيّ إقرأ . ويستميت أمراء الطائفية في كل عصر ومصر في أفشاء الجهل لأن الطائفية تلزمها بيئة من الجهل كي تنتعش. والجهل بالدين يستوي فيه شخص أميّ وأستاذ جامعي. وللحديث صلة.

سؤال بريء
ــ ما أبلغ من قول ابن المقفع عمل الرجل بما يعلم أنه خطأ هوى، والهوى آفة العفاف، وتركه العمل بما يعلم أنه صواب تهاون، والتهاون آفة الدين، وإقدامه على ما لا يعلم أصواب هو أم خطأ لجاج، واللجاج آفة الرأي؟
جواب جريء
ــ قول ابن خلدون إن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر، أعطته حقه من التمحيص والنظر، حتى تتبين صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيّع لرأي أو نحلة، قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة.
/4/2013 Issue 4491 – Date 30 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4491 التاريخ 30»4»2013
AZP02
SAAB

مشاركة