سيرة ذاتية للجوع

سيرة ذاتية للجوع محفوظ داود سلمان يا أيها الخبّاز : أين الخبز يا ملكاً ويا تاج الأمارة انت يا رمز الجلالة والسيادة يا أمير… أنا جائعٌ يا سيدي: ألديكَ للجوعان خبزٌ من شعير… قد كنتُ أعمل في سباخ آلملح يثمر في يديَّ زنابقاً حمراً ، وفي ارض السواد انا أجير… متأكداً قد كنتُ من موتي ، ومن نزف الضرائب ، ليس غير سلاسلي كانتْ معي ، فإذا خسرتُ كبول أغلالي فكيف هي الحياه لو أنّ هاتيكَ الظواهر قد خلَت منا وليس بها جياعٌ أو عراه… يا أيها الخباز ياملكي رأيتُ الخبز ملء سلالكم ، ورايت أقماراً مدوّرةً تضيء كأنّ أرغفة تدوّر ، كان نزف الجاز ينضح من نوافذ حانةٍ هذا المساء … ورايتُ كيف الخمر تُسْكب في الطريق وكانت الأشجار تزهر في الخريف وكانت الأوراق تنطف من دماء … وسمعتُ إيقاعاً من القصب الجميل كأنّ موسيقى تئنُّ ، كأنّ قرعاً من طبولٍ ـ كنتُ مبتلاً بأمطار الشتاء … تنثال في سعف النخيل ، تدق أجراس العبيد هناك ـ حيث القمح يدْرَس تحت أكداس الغناء … أصواتهم كصدى مجاذيفٍ تذر الماء ، كان الأفق أفضى والسماء … مرسومة حمراء مثل قطيع خرفانٍ تسافر في الغَمام… وأنا أضم الارض ـ رائحة الامومة في دمي ـ ودخان أهلي ، ليس من خبزٍ سوى حطب الظلام… أنا أيها الخباز حطّاب الرؤى ، مازلتُ أجمع خبز أحلامي من الغابات ، أو ليل القتام… وأنا حصدتُ الريح ، تعول في الدروب ، جمعتُ أزهار الشقاء … نضدّت منها باقةً حمراء ، لم تفهم ورودي ، آهِ لم تسمعْ خطابي أيها الملكُ الجليل… أنا جائعٌ يا سيدي ، لم يبق في هذا الصحاف سوى القليل… جسدي الذي لو تأكلون كأنه خبز الدماء… ودمي الذي لو تشربون كأنه خمرٌ وماء… أنا أيها الخّباز : كنتُ أحب أرضي ، عاشقاً للشمس ، لكني فقير … وأحبُّ اشيائي الصغيرة ، كوخيَ القصبيَّ و المشحوف يعبرني شريد… وأنام في جسدي وآكل من دمي ، وأغيبُ اياماً أسافر داخلي ، وأكاد أسمع رجعَ تصهالٍ بعيد… ولديّ بعض الحلم : طقسٌ من شموعٍ أو فوانيسٍ مؤرقةٍ اغادرها إلى جزرٍ ، واحمل جمرها و أظل محترقاً ، وأبعث من رماد … أنا جائعٌ يا سيدي ـ لكنّ لي هذي المفاوز والمغاور والفيافي والوهاد… أنا جائع يا سيدي لكنني لست الشيوعي الاخير… أنا ايها الخباز كنت احب أرضي عاشقا للشمس لكني فقير … ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ { كان الشعب الفرنسي الثائر يخاطب الملك لويس السادس عشر قائلاً: هو ذا الخباز وامراته ماري انطوانيت بالخبازة مطالباً بالخبز