سياسيونا والسلطة – سامي الزبيدي
في كل الدول الديمقراطية وعندما يخول الشعب أحزاب معينة لقيادة البلاد بعد فوزها بالانتخابات فانه يخولها سلطة قيادة الدولة والشعب تحت عباءة الدستور والقانون فالسلطة التي تمنح للأحزاب وللسياسيين لإدارة الدولة وخدمة الشعب وتحقيق أهدافه وتطلعاتها وتامين العيش الأمن الكريم له وحفظ حقوقه وتحقيق العدالة بتطبيق القانون والنظام والحفاظ على السلم المجتمعي وحماية أبناء الشعب والمحافظة على ممتلكاتهم وصيانة حرياتهم فالسلطة لا تمنح للسياسيين لتحقيق أهداف شخصية وحزبية وفئوية ضيقة على حساب حقوق الشعب ومصالحه وعلى حساب مصالح الوطن , لقد ندم الشعب العراقي كثيرا بعد اختيار أحزاب همها السلطة والنفوذ والمال والمناصب خدعته بشعارات كاذبة ووعود وردية لم يتحقق منها أي شيء طيلة العشرين سنة الماضية التي تسلطت فيها هذه الأحزاب والكتل التي تدعي أنها تؤمن بالديمقراطية وبحقوق الإنسان وبالعدالة وتطبيق القانون والنظام كثوابت لخدمة البلاد والعباد وكانت هذه الأحزاب قد روجت الى العراق الجديد كما وصفه الأمريكان ومن جاء معهم وانه سيكون مثالاً للأنظمة الديمقراطية في المنطقة لكن وللأسف الشديد لا شيء من هذا تحقق بل على العكس فقد تسلطت على العراق سياسيون وأحزابهم الطائفية التي أثارت الصراع الطائفي بين مكونات الشعب المتآخية فكانت حربا طائفية راح ضحيتها الآلاف من أبناء شعبنا الأبرياء ضحايا لعقلية طائفية انتقامية هدفها السلطة والنفوذ والمال الحرام والانتقام فتقاسمت هذه الأحزاب المناصب والمكاسب في كل الحكومات وفي كل مؤسسات الدولة وفق المحاصصة الحزبية والطائفية ومارست الفساد وسرقة المال العام ونهب ثروات الوطن حتى أصبح قادة هذه الأحزاب والكتل في ليلة وضحاها من أصحاب المليارات من الدولارات ومن أصحاب العقارات والشركات وقد استشرى الفساد في كل وزارات ومؤسسات الدولة واصبحت الوزارات مصدر مالي مهم من مصادر تمويل الأحزاب والكتل التي شكلت لها مكاتب اقتصادية تدير من خلالها عمليات سرقت أموال الوزارات وتخصيصاتها وأهملت البناء والأعمار وتقديم ابسط الخدمات للشعب العراقي وتامين ابسط الحقوق له في العيش بحرية وكرامة في وطنه ومن أمواله الكبيرة فسرقت هذه الأحزاب والكتل وقادتها مئات المليارات من الدولارات كانت تكفي لبناء بلد يضاهي دول الخليج المتطورة وبسبب الفساد والسرقات وسوء الإدارة انحدرت كل الخدمات الى الحضيض وفي المقدمة منها الصحية والتعليمية والبلدية وخدمة الكهرباء التي أصبحت مشكلة أزلية بعد أن سرقت أحزاب السلطة الفاشلة الأموال الكبيرة التي خصصت لهذا القطاع ناهيك عن عدم تامين المياه الصالحة للشرب وخدمات المجاري وبناء المدارس والمستشفيات والجسور والطرق والبنى التحتية للمدن وتامين مناطق للطمر الصحي أو لتدوير النفايات حتى أصبحت النفايات ظاهرة بارزة في كل المدن ومنها العاصمة بغداد ومصدر للتلوث البيئي كما انتشرت العشوائيات والحواسم في كل محافظات العراق لتشوه المدن وفوق كل هذا فقد غاب القانون والنظام وجير القضاء وخضع لسلطة الأحزاب المتنفذة وكثرت الجرائم بازدياد الميليشيات المسلحة الخارجة عن سيطرت الدولة وعصابات الجريمة المنظمة وازدادت النزاعات العشائرية وعمليات الاغتيالات والخطف للحصول على الفدية وعمليات القتل والتسليب والتهجير والتغييب القسري الطائفي وعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات وبحماية جهات سياسية متنفذة فانتشرت المخدرات سريعا لتدمر الشباب العراق وأصبح العراق من الدول المستهلكة والمنتجة للمخدرات بعد ان كان العراق خالياً منها .
احزاب السلطة
بعد كل هذا الفساد والفشل فقد عم الخراب والدمار كل مدن العراق خصوصا محافظات الجنوب والفرات الأوسط بعد ان سيطرت أحزاب السلطة على الحكومات المحلية لهذه المحافظات فسرقت كل الأموال المخصصة للبناء والأعمار وتقاسمتها بينها وبقيت هذه المحافظات تعاني من الإهمال وسوء الخدمات في كل النواحي مع تزايد مطرد في نسب البطالة لعدم توفر فرص العمل ولعم وجود مشاريع حقيقة لحل مشكلة البطالة بشكل عام وبطالة خريجو الجامعات الذين وجدوا أنفسهم في الشارع بعد سنين طويلة من الدراسة والمعاناة كما أغلق ساسة الفشل كل المصانع وأصبح العراق سوقا للسلع الإيرانية الرديئة وأهملت الزراعة وتوقف تقديم الدعم للفلاحين ليستورد العراق حتى الخضروات من دول الجوار أما المحافظات الغربية فقد ادخلوا إليها داعش بعد ان انسحبت قواتهم العسكرية التي صرفوا عليها مئات المليارات من الدولارات تاركة أسلحتها والياتها ومعداتها هدية لداعش في مؤامرة قذرة لتدمير هذه المحافظات وبناها التحتية ولقتل أهلها وتهجرهم فتم تدمير نينوى والانبار وصلاح الدين ومناطق من ديالى تدميراً شبه كامل وباختصار فقد عمت الفوضى كل مدن العراق بسبب إساءة استخدام السلطة وبسبب الفساد والسرقات الكبرى وسوء الإدارة وانتهاك حقوق الإنسان والبطالة والأمية والمخدرات والسلاح المنفلت وتزايد أعداد الميليشيات المنفلتة وبسبب هذه الماسي والكوارث التي حلت بالوطن والشعب خرج المواطنون في تظاهرات شعبية سلمية مطالبين بأبسط حقوقهم المسلوبة وبوطنهم الذي ضاع ومطالبين بأبسط الخدمات وتحولت التظاهرات الى انتفاضة كبرى في تشرين الثاني 2019 لكن أحزاب السلطة واجهت الشعب بالرصاص الحي وقنابل الغاز والقناصات والأسلحة الأخرى لتوقع القوات الأمنية وميليشيات أحزاب السلطة خسائر كبيرة في شباب الانتفاضة وتجاوزت أعداد الشهداء الألف شهيد وعشرات آلاف الجرحى ناهيك عن عمليات الخطف والاغتيالات التي استمرت لتشمل الناشطين في التظاهرات والناشطات والإعلاميين وكل من يعارض أحزاب السلطة الفاشلة والفاسدة , وبعد كل هذا الخراب والدمار الذي ألحقته أحزاب الفشل والفساد والسرقات والقتل وبعد الظلم والجور الذي حل بالعراق وشعبه وإساءة هذه الأحزاب استخدام السلطة طيلة العشرين سنة الماضية وفشلها في تأمين ابسط الخدمات وتحقيق ابسط الحقوق لهذا الشعب الذي اكتوى بنيران فسادها وسرقاتها وقتلها وكذبها وخداعها وفشلها واستغلالها البشع للسلطة لتحقيق أهداف شخصية وحزبية وطائفية و بعد ان تعرض الشعب لمآسي وكوارث لا توصف وبعد أن عجز المتسلطون الفاشلون والفاسدون عن حفظ امن العراق وسيادته وفرطوا بأرضه ومياهه الإقليمية وبعد كل هذا الخراب والدمار الذي تسببت به أحزاب السلطة الفاسدة وقادتها الذين يسمون أنفسهم ساسة واعتراف هؤلاء الساسة بفشلهم في إدارة الدولة طيلة السنين العجاف الماضية وبعظمة لسانهم وعلى الملأ وأمام الفضائيات وقالوا إنهم يجب ان لا يكونوا جزءا من أية عملية سياسية مستقبلا لكنهم كذبوا على الشعب وها هم اليوم يقبضون على السلطة بكل قواهم وتناسوا اعترافاتهم بفشلهم وتناسوا فسادهم الذي ازكم أنوف كل العراقيين وسرقاتهم الكبرى لأموال الشعب والدولة ولثروات الوطن وما سببوه من ماسي وكوارث وجرائم قتل وحشية وحرب طائفية وانتهاكهم الصارخ لحقوق الإنسان وباعتراف منظمات دولية حتى تم تدمير كل شيء في هذا في هذا البلد واهم ما دمروه ساسة الفشل الروح الوطنية للإنسان العراقي وتدمير النسيج الاجتماعي للشعب وأعرافه وقيمه الاجتماعية والدينية التي يمتاز بها مجتمعنا , والمشكلة ان هذه الأحزاب وقادتها السياسيون لازالوا يسيئون استخدام السلطة ولا زالوا يمسكون بها بكل قوة لتحقق مآربهم وأهدافهم ومكاسبهم ومصالحهم على حساب مصالح الشعب والوطن.