زمان جديد أوتار ووكورنيش ووجوه
عبد الله البدراني
1
الدواسة قلب الموصل وقبلة المثقفين والفنانين والادباء والشعراء لم يعد يخفق قلبها حين تسمع وقع خطى احبابها لأن كل شيء تغير فيها حتى نبضات القلب وتدفق الدم في الشرايين ربما أصبحت عجوزاً شمطاء عفا عليها الزمن من جراء الاحذية المختلفة والبساطيل التي تدوسها تباعا او من جراء ما تراكم في أزقتها من قمامات او من جراء المصدات الكونكريتية التي اوصدت كل شرايينها عن استلام ضخ الدم من القلب فاضطرت ان تركن الى ركن بعيد او ان تختار الكهولة وقاراً وخوفاً من الاّتي وما خفي كانه اعظم.
2
المرأة التي كانت بجواري في احدى سيارات الأجرة المتنقلة بين مراّب ومراّب في ضواحي الموصل. كانت متبترقعة وترتدي الخمار الاسود من اخمص رأسها حتى اسفل قدميها علمتني لغة الصمت والذهول حينئذٍ وعندما غادرتني وترجلت لتصل الى مراّبها الأخير ومن ثم الى بيتها سمعت سمعاً بطيئاً او ثقيلاً وهي تتمتم بكليمات يصعب فهمها. اضطررت الى الترجل خلفها وبلحظة رجولية شجاعة استطعت ان استنطقها واسأل عن ماذا تقول فاجابتني بان تغيير مراكز المربات الكراجات جعل من اهل القرى والارياف ان يدفعوا ثمنا باهظاً.
3
يتوافد الى بابي والى هاتفي المصابون بامراض الكلى زرافات ووحدانا وهم يشتكون من ان نظام الغسل الكلوي يكلفهم اثماناً باهضة وقد وعدتهم الحكومة المحلية بمساعدتهم بالطرق المادية والانسانية فمنهم من يغسل كليته اربع مرات في الشهر والاّ سيقترب شبح الموت منه ومنهم من يغسلها ثلاثاً. او اثنتين لافرق فالكل قد عجزت كليتاه عن العمل وتنظيف الادرار وهذه كارثة تلحق بهم ان لم يكن بمقدورهم تنظيف الادرار. فالذي يأتي من خارج حدود المدينة يكون ضحية لمصاريف النقل فبل الدواء باضعاف مضاعفة. هل سمعتم بان عشرات المرضى بالكلى المزمنة والبالغ عددهم 500 مريض او اكثر يدفعون مبلغاً قدره 250,000 مئتان وخمسون الف دينار لتنظيف كلاهم وترك عوائلهم ضحايا للفاقة والفقر.
4
الكورنيشات الجميلة في الموصل اصبحت عصية على اهلها وشبابها والغابات التي هي منتجع سياحي جميل اصبح هو الاّخر بعيداً عن اهله ومحبيه وكذلك الشلالات التي اصبح عدد افراد العسكر اكثر من عدد الاشجار ويلحقها بالتتابع وأن شط المزار شارع ابي نؤاس في بغداد الذي تعجز الاقلام عن وصف تاريخه اما العشار وشط العرب فلم يبق من شموخهما الا تمثال الشاعر العراقي الخالد السياب الكبير كما اراه سنوياً عندما ادعى لمهرجان المربد….
وعندما سألت احد الجنود عن اسباب هذا الاختناق الذي حول دجلة والكورنيشات الى اطلال قال لي باننا ندافع عن انفسنا… والمواطن هوالاّخر الاّخر يدافع عن نفسه. اسأل بالله عليكم فمن هو العدو؟
5
جامعة الموصل اسدلت ستارها عن أخر امتحان اجتازه طلبتها على مختلف المراحل فمنهم من استطاع تجاوز العقد النفسية والعلمية ومنهم من لم يستطع وكل بيكي لليلاه وبغض النظر عن اسباب الاخفاق واسباب النجاح يجتمع كل الطلبة على انهم ذاقوا الامرين من الجو المحتقن في قاعات الامتحان فلا تكييف طبيعي او علمي يوصل الهواء النقي الى الطلبة الممتحنين والاداريات الاخرى فقدت رونقها ولهذا فقد خرج عشرات الطلبة وهم يعانون من الكأبة وعدم الاجابة والاهمال وكلهم يتابط منديلاً ساهم في اسعافه من حرارة جو القاعات رغم ان الموصل في ربيعها الثاني.
6
باب السراي الذي كان ولم يزل قبلة المتبضعين من الموصليين من داخل حدود الموصل واطرافها واقضيتها ينتظره الباعة والشاريون من كل فجاج ارض الموصل فترى القادمين بمختلف ازياءهم من العرب والايزيديين والمسيحيين والشبك وكل يرتدي لباس الرسمي نساءاً ورجالاً فالنساء يرتدين ملافعهن المتصلةبعصابة الراس ولاننا لسنا بصدد موضوع الازياء او الرداءات ولكننا بصدد باب السراي فقد احكمت السلطات الحكومية قبضتها على كل الدروب المؤدية منه اليه هذه الدروب التي كانت كالجداول النهرية كل يغذي بعضه بالامواج فكلما مشت قافلة الزوار دقائق تصطدم بمشبكات حديدية مقفلة فيرجع الزوار ادراجهم ترى ماهي الخطة الامنية من جراء هذه الحواجز؟
والمواطن الموصلي فقد آخر امتياز من الحرية التي كان يتمتع بها منذ مئات السنين في نينوى أم الحضارات والخبز والربيعين؟
AZP20