
في المرمى
رياضة أرباب السوابق – عمار طاهر
قضت الرياضة العراقية نحبها، وحملت على اعواد المنية، يلفها كفن الفشل الى أعماق الياس السحيق، حيث اللحد القاسي، والحفرة الرهيبة، فهي اليوم جثة هامدة، يغمرها الشحوب البارد، والظلام الدامس، لم تتحمل الطعنات، ونزفت من كل الخواصر، لتسقط مضرجة بكرامتها، وشرفها، وكل إنجازاتها الخالدة.
نعم هلكت واقبرت بلا رحمة او عزاء.. غريبة ووحيدة.. بعد ان ظلت على مدى أعوام تصارع الموت والفناء على سرير المرض، عقها الأبناء، وجحدها الغرباء، وتخلت عنها الحكومة، لتغدو هزيلة عليلة.. خانعة ومستكينة.. يتحكم بمصائرها الدخلاء.. اقبلوا من المجهول.. تكاثروا عليها كديدان الأرض.. نخروها من الداخل، صمدت ردحا من الزمن، ثم تحولت الى هيكل بلا روح، وانهارت أخيرا.. ذوت وتلاشت.
وقبل ان تتنقل المرحومة من المجد الى اللحد، أصيبت بأمراض خطيرة، وعاهات مزمنة، لم تنفع معها كل المسكنات وحقن التخدير، فانتشر فيها سرطان التزوير واستفحل، حتى بات علانية، تمارسه الأندية والمنتخبات الوطنية بلا حياء او وجل، بأرقام مهولة، واحصائيات مخيفة الى درجة تجعل كل انجازاتنا الماضية في مهب الشك، فهي بطولات مزيفة.. غير مشرفة، بنيت على باطل.
واقعة الناشئين كانت قمة الجبل، اما سفحه المغمور بالتواطؤ والمسكوت عنه من قبل المؤسسات الرياضية والجهات المعنية، فيؤشر تغلغل الفساد في مفاصل الدولة وتمدده، ليصبح مدعاة للتباهي والتفاخر والتسابق نحو القاب تجلب العار، وتؤسس التخلف، وتستدعي كل مشاعر الخجل والازدراء.
فضائح متصلة اصابت الرياضة العراقية بتصلب الإنجازات، وافضت الى الموت المحتوم.. مدربون يتحرشون جنسيا بالفئات العمرية، واخرون يتقاضون الرشا، واخرون مخمورون يحضرون الى الوحدات التدريبية تفوح منهم الرائحة المقرفة.. رؤساء اندية يفرضون مبالغ معينة على عقود اللاعبين، ثم يزعمون انهم يقرضون النادي، وزعماء ابديون يتوهمون ان الرياضة دونهم مجرد ارملة.
مافيات تحت لافتات وعناوين مختلفة تسيطر على الأندية والاتحادات، وتهيمن على مقدراتها، وتهدد كل من يقترب من مصالحها.. الرياضة في نظرها مورد دائم، وبقرة حلوب لا ينضب معينها.. وما فضيحة تهديد المدربين الأجانب الا جانب مظلم من اعمالها الاجرامية، فهي لا تتوانى من ارتكاب أي شيء، وكل شيء في وضح النهار.
موازنات ضخمة تتحول الى رواتب شهرية لملاكات فضائية، تمارس العاباً افتراضية، لا توجد سوى في فواتير وهمية، فالاتحادات بعضها مقيم دائم في الخارج، وأخرى توزع اللاعبين أيام المنافسات على اندية صورية، وأخرى اختفت واضمحلت وأضحت جزءاً من الماضي، وأخرى تقتصر منافساتها على الفئات العمرية فقط، وأخرى تحولت الى شركة عائلية فيها الاب والابن واولاد العم والنسيب وكل افراد الاسرة المبجلة..وأخرى..واخرى..
النزاهة ولجانها تبحث في عشرات الملفات بالأروقة وداخل المكاتب بلا جدوى، فاللصوص يتفننون في محو اثار الخروقات المالية والإدارية، والرقابة عاجزة امام قطاع الطرق، ممن يمتلكون شهادات عليا في تزوير الوصولات، وترتيب الأوراق، اما قادة الرياضة فقد أصبحوا زبائن في المحاكم والمخافر.. بعضهم صدرت بحقه احكام قضائية، وزج خلف القضبان، وبعضهم ينتظر.. وبعضهم الاخر أنقذه العفو العام.. الا فبؤسا وبعدا لرياضة يقودها ارباب السوابق..
مؤسسات رياضية أصبحت اقطاعيات خاصة، تعتقد ان خصوصيتها تجعلها فوق النقد، فهي توظف أبناء قادتها تحت مسميات مختلفة، وتضطهد رياضييها وكأنها منظمة سرية، ومن يعترض يصبح من المغضوب عليه، ويجد نفسه خارج نعيمها، سواء كان لاعبا أم مدربا أم إداريا.. المستقبل القريب سوف يكشف مدى عمق الازمة داخل دهاليزها، فقد طفح الكيل.
الطارئون كتبوا شهادة وفاة الرياضة، بعد ان قتلوها بالفساد، واغتالوها بالتزوير، لذا نناشد جميع الاتحادات الدولية بتجميد الرياضة العراقية، مثلما نطالب الحكومة بايقاف التمويل، وتحويله من جيوب الفاسدين الى مشاريع حقيقية في التعليم والصحة والإسكان، فمن الظلم والاجحاف هدر الأموال على سفرات سياحية وبطولات وهمية، وملايين العراقيين يعيشون شظف العيش، وضيق ذات اليد، فربما بإيقافها إصلاحها وانبعاثها من الرماد، اما لسراق الرياضة فنقول ان الله غفور رحيم، ولكن الوطن شديد العقاب، وسيقتص منكم يوما ان شاء الله.. ولو بعد حين..


















