خير الكلام ما قلَّ ودل – كامل الدليمي

خير الكلام ما قلَّ ودل – كامل الدليمي

في قمة الدوحة، حيث تتزاحم الكلمات والخطب الطويلة، اختار السيد أحمد الشرع طريقًا مختلفًا؛ طريقًا قصيرًا، مباشرًا، ومشحونًا بالدلالة. كلمته التي لم تتجاوز الدقيقة الواحدة كانت تجسيدًا عمليًا للمثل العربي القديم: “خير الكلام ما قل ودل”.

وقف الرجل أمام قادة العالم العربي والإسلامي، لا ليستعرض بلاغة مطولة، ولا ليغرق الحضور في تفاصيل سياسية مألوفة، بل ليلقي كلمة حاسمة: إدانة صريحة للعدوان على غزة وسوريا، وتنبيه واضح إلى أن استهداف الوسيط والمفاوض مساس بالشرعية الدولية، وتذكير بديهي بأن قوة الأمة في وحدتها، وأن التفرّق يبدد ما تبقى من هيبتها.

المفاجئ أن الشرع لم يكتفِ بالخطاب السياسي المباشر، بل استعان بالشعر، يستحضر بيتًا جاهليًا ليضفي على كلمته عمقًا ثقافيًا يربط الحاضر بالماضي، ويذكّر الحضور بأن الكلمة ليست مجرد أداة إعلامية، بل سلاح وجداني قادر على النفاذ إلى القلوب قبل العقول. وهنا برزت قوة الكلمة الموجزة؛ فهي لم تُثقل آذان الحاضرين بالتفاصيل، لكنها تركت فيهم صدى يتردد أكثر مما تفعل خطب مطوّلة.

لكن، بين قوة الإيجاز وضرورة التفصيل، يبرز سؤال مشروع: هل تكفي الكلمة وحدها لإحداث التغيير؟ الحضور في القمم لا ينتظر فقط الإشارات الأدبية أو اللمحات الرمزية، بل يبحث عن مواقف عملية، عن خارطة طريق واضحة، عن التزامات تتجاوز حدود التصريحات. هنا تحديدًا تطرح كلمة الشرع نفسها كتحدٍّ: كيف نترجم هذا التركيز الموجز إلى فعل سياسي مؤثر على الأرض؟

مع ذلك، يبقى خطاب الدوحة علامة فارقة. فهو يذكّرنا بأن البلاغة ليست في طول الكلام، وأن القيادة ليست في كثرة الشعارات، بل في الوضوح، في الجرأة على قول الحق دون تردد، وفي استحضار قيم الأمة وثقافتها كجزء من المعركة نفسها.

لقد دلّت كلمة أحمد الشرع رغم قِصرها على أن المعركة مع الاحتلال لا تُخاض بالسلاح وحده، بل بالكلمة المخلصة أيضًا، وأن الرسائل الموجزة قد تهزّ الوجدان أكثر من البيانات المطوّلة. وهكذا، ظل المثل العربي حاضرًا على منصة القمة: خير الكلام ما قل ودل، وكأن الشرع لم يرد فقط أن يستشهد به، بل أن يجسده عمليًا أمام الجميع .

مشاركة