كابول (أ ف ب) – مع تصاعد الاشتباكات بين باكستان وأفغانستان في تشرين الأول/أكتوبر إلى مستوى نادر من القتال الدامي، وجّهت إسلام أباد أصابع الاتهام إلى خصمها التقليدي الهند، متهمة إياها بتأجيج النزاع.
وقال رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إنّ نيودلهي “حرّضت” حركة طالبان الأفغانية، فيما وصف وزير الدفاع خواجة محمد آصف حكومة كابول بأنها “وكيل للهند”.
ومنذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، خاض البلدان حروبا عدة وتبادلا اتهامات بدعم جماعات مسلحة لزعزعة استقرار الآخر.
لكن في الأشهر الأخيرة، تابعت إسلام أباد بحذر تقارب الهند مع أفغانستان التي تحكمها طالبان، فيما تدهورت علاقاتها مع كابول بشدة.
وتُوّج هذا التقارب بزيارة وزير الخارجية في حكومة طالبان أمير خان متقي إلى نيودلهي في 9 تشرين الأول/أكتوبر، في أول زيارة لمسؤول رفيع من الحركة منذ عودتها إلى السلطة عام 2021.
وفيما كانت الهند تفرش السجاد الأحمر للوزير الخاضع لعقوبات أممية، هزّت انفجارات كابول وسوقا قرب الحدود مع باكستان.
وقال الخبير الأفغاني في العلاقات الدولية وحيد فقيري إنّ هذا التقارب أجبر باكستان على الردّ، معتبرا أن دعوة الهند لطالبان جاءت لـ”تأجيج التوتر القائم” بين البلدين الجارين.
ورغم أن انفجارات 9 تشرين الأول/أكتوبر لم تتبنّها أي جهة رسميا، فإن حكومة طالبان اتهمت إسلام أباد بتنفيذ “توغل غير مسبوق”، وردّت عليها بهجوم مضاد.
وأدت المواجهات إلى أكثر من أسبوع من القصف المدفعي والغارات بالطائرات المسيّرة، في أسوأ موجة عنف بين الدولتين الجارتين في جنوب آسيا منذ سنوات.
وبعد انهيار الهدنة الأولى، وقّع الطرفان اتفاقا ثانيا لوقف إطلاق النار في 19 تشرين الأول/أكتوبر.
– “إلقاء اللوم على الجيران” –
![]() © ا ف ب/AFP وكيل كوهسار |
كانت أفغانستان وباكستان حليفتين سابقتين، لكن العلاقات بينهما توترت بعد انسحاب القوات الأميركية وعودة طالبان إلى الحكم عام 2021.
في البداية، أبدت إسلام أباد تفاؤلا، إذ قال رئيس الاستخبارات آنذاك اللواء فيض حميد إنّ “كل شيء سيكون على ما يرام”، لكنها سرعان ما اتهمت طالبان بإيواء مسلحين ينفذون هجمات متزايدة داخل الأراضي الباكستانية.
وتقف حركة طالبان باكستان خلف القسم الأكبر من تلك الهجمات، وغالبا ما تستهدف قوات الأمن.
وفي تشرين الأول/أكتوبر وحده، قُتل أكثر من 100 عنصر من الجيش والشرطة في هجمات نفّذها مسلحون قدموا من أفغانستان، بحسب ما قال مصدر أمني باكستاني لوكالة فرانس برس.
وأدّى تصاعد العنف خلال العامين الماضيين إلى حملة ترحيل جماعية شملت ملايين المهاجرين واللاجئين الأفغان الذين تتهمهم إسلام آباد بتأجيج الجريمة داخل باكستان.
وقالت الدبلوماسية الباكستانية السابقة مليحة لودهي إنّ زيارة وزير خارجية طالبان إلى نيودلهي ربما أثارت استياء إسلام أباد، لكنها لم تكن سبب الهجمات، مشيرة إلى أنّ “الدافع الأساسي لغضب باكستان هو رفض طالبان كبح جماح طالبان باكستان”.
واتهم الجيش الباكستاني أيضا الهند بدعم طالبان باكستان، وهو ما نفته وزارة الخارجية الهندية، معتبرة أنّ باكستان تحاول التهرّب من مسؤولية مشاكلها الداخلية، وقالت إنه “من الممارسات القديمة لباكستان أن تُلقي باللوم على جيرانها في فشلها الداخلي”.
– “تضامن” –
كان تقارب نيودلهي مع كابول في البداية “صعب التبرير” داخل الهند بسبب الصورة السائدة التي ترى في الإسلام نقيضا للقومية الهندوسية التي يتبنّاها رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وفقا للمحلل برافين دونثي من مجموعة الأزمات الدولية.
وأثار غياب الصحافيات عن المؤتمر الصحافي الأول لوزير خارجية طالبان انتقادات واسعة، لكنّ الرأي العام تغيّر، وفق دونثي، عندما عبّر متقي عن “تضامن” بلاده مع الهند بعد هجوم إرهابي وقع في 22 نيسان/أبريل في باهالغام.
وأشعل الهجوم في منطقة كشمير المتنازع عليها حربا استمرت أربعة أيام بين القوتين النوويتين، بعدما اتهمت نيودلهي إسلام أباد بدعم المهاجمين.
وإن كان إعلان طالبان تضامنها مع الهند أكسبها بعض التأييد في نيودلهي، فإنه زاد من غضب باكستان، خصوصا بعدما أشار البيان المشترك إلى الإقليم باسم “جامو وكشمير، الهند”، في دلالة على الاعتراف بالسيادة الهندية عليه.
وفي ختام المحادثات، أعلنت الهند ترقية بعثتها الدبلوماسية في كابول إلى مستوى سفارة كاملة، في خطوة تُعتبر تقدما إضافيا نحو هدف طالبان بالحصول على اعتراف دولي رسمي، وهو اعتراف لم تحظَ به حتى الآن سوى من موسكو.
وبينما لا يزال الاعتراف الهندي بعيد المنال وفق محللين، فإن استئناف العلاقات مع نيودلهي يمثل مكسبا سياسيا مهما لطالبان، وتحولا لافتا في توازنات العلاقة المعقدة بين الهند وباكستان وأفغانستان.