
الهاربون من الوطن – جاسم مراد
ثمة انفعالية تحتبس في نفوس العديد من الشباب ، هاجروا الوطن دون معرفة بقرار وجودهم ، شباب تمتلكهم الغيرة على من تركوا ، الارض ، والوطن ، والاهل ، لكنهم مجبرون على ذلك ، فقد انغلقت امامهم فرص العمل والحياة ، منهم من جاهد بالدراسة حتى اكمل نهاياتها ، ومنهم من ترك الدراسة للبحث عن فرص العمل دون جدوى ، فكان القرار النهائي ، البحث في ديار الغربة عسى ان يحصلوا على فرصتهم . التقينا بالعديد منهم بعظهم لازال يتذكر كل تفاصيل المحلة والاهل والاصدقاء ، لكنهم مصرون على مواصلة الطريق رغم عوامل حصولهم على القبول والبقاء في فنلندا باتت ضعيفة بحكم مجموعة من القرارات التشديدية التي اتخذها الاتحاد الاوربي ، والبعض الاخر يتحدث عن عدم الرجعة لانسداد افق العودة للوطن . هؤلاء هم بالضرورة طاقة الوطن وقوة الابداع والاستمرارية ، ومن المؤسف جدا ، تخلى عنهم الجميع في وطن تكتنز فية كل مقومات الحياة والعمل والابداع ، ولكن المشكل ليس بهؤلاء الشباب الذين تجاوزوا كل المخاطر في البحار وحدود الدول علهم يحصلون على فرصة عمل .
ثمة مفارقة في وطن يمتلك نسبة ستون بالمئة من قوة الشباب نسبة لعدد السكان ، وقوة اقتصادية هائلة من النفط والزراعة والصناعة ، لكنه مع الاسف الشديد لايملك القوة القيادية على مستوى السلطة لادارة وتوظيف هذه الامكانيات لصالح المجتمع والبلاد . في العراق عشرات إن لم يكن المئات من المصانع والمعامل ، كانت تنتج وتغطي نسبة كبيرة من حاجة السوق المحلية ويشتغل فيها الالاف من العاملين ، لكنها اهملت بعضها وتوقف البعض الاخر ، وتم تركيز السلطة ليس لاعادة وتشغبيل هذه المصانع وإنما فتحت الاستيراد من الدول المجاورة والدول الاخرى واغرقت السوق بأسوأ المنتوجات .
هذا الوضع فتح شهية النهابين واغلق منافذ البحث عن تشغيل المصانع العراقية ، ونتذكر مثلا في منطقة الوزيرية المحاذية للخط السريع لشارع محمد القاسم كانت هناك معامل الكهرباء تنتج محولات لوزارة الصناعة ووزارة الكهرباء وتلبي مساحة مهمة من حاجة السوق بهذا المنتوج ، ثم تحول هذا الخط لانتاج الرادارات لصالح التصنيع العسكري ، كذلك مـــــــعمل الصناعات الكهـــــــربائية في ديالى كان ايضا ينتــــــــج مثل هذه المحولات الكهربائية وغيرها من الصـــــــــناعات الكهربائية .
هل يجوز مثل هذا البلد وتلك الطاقات البشرية المبدعة أن تجلس على الارصفة أو على اقل تقدير أن تختفي تلك الصناعات المهمة ونبحث في ايران والكويت والسعودية عن شراء المحولات الكهربائية وغيرها من المنتوجات . بالتأكيد مثل هذه الحالة انعكست على كافة محافظات العراق ، وتوقفت معظم المعامل والمصانع ، وحتى تلك التي تسلمتها الشركات المحلية انجز ربعها أو نصفها وظل النصف الاخر تأكله التربان ، دون حسيب ورقيب، ورغم هذا الوضع المزري تطالب المحافظات باستلام الوزارات ، وهي التي لم تتمكن من ادارة شؤون المحافظة وتحقيق الانجازات فيها ‘ فكيف بها تدير شؤون اكثر من 30) ) وزارة .
من المفترض إعادة النظر بهذه التشكيلات ومعرفة بالدقة ماذا حققت المجالس لمواطنيها ، ولماذا يهرب الشباب من محافظاتهم الى دول الغربة للبحث عن الحياة والعيش ، ولعل عقيل حسين التميمي الذي ترك قلبه في ارض الولادة والتكوين وظل يبحث عن من يعطيه فرصة للحياة ، وهو واحد من عشرات الشباب الذين لايعرفون مستقبل وجودهم ، والى اين تتجه بهم رياح الغربة ، المجموعات الشبابية الذين التقيناهم من مختلف محافظات العراق ، فحمد وعمر حسين من محافظة الانبار وعلى وقاسم وابراهيم من محافظة كربلاء وسعد وعباس وكاظم من النجف وعدد اخر من ديالى وتكريت وبابل والديوانية ، فجميعهم يبحث عن الخلاص.فهل يجدون الخلاص أم إن هناك رياحاً تقذف بهم الى مجاهيل لايعرفون نهاياتها ، ويبقى الامر متروك لمن يملك القرار ، ويؤكدون جميعا إن الخلاص في العراق وليس في دول الغربة ، فعندما يشعرون بان الظروف اصبحت مهيئة في العمل وتحقيق بعض مستلزمات الحياة فالعودة تصبح ضرورة وليس اختيارا.


















