الشاعر باسم الأنصار لـ الزمان
لم أكتب القصيدة التي أحلم بها
حاوره عبدالحق بن رحمون
قال الشاعر العراقي باسم الأنصار لـ الزمان إن القصيدة لديه هي امرأة، تخلق لديه التوازن النفسي، وتعينه على التواصل مع الحياة بشكل جميل. باسم الأنصار يعتبر أن الخوف يسكن كل من يبحث عن معنى وجوده، وعن المعنى الذي يجب أن يخلقه لنفسه وللآخرين. كما أوضح أن الكتابة هي محاولة لخلق شكل جديد للحرية، مضيفا أن الشعر هو الشيء الأهم في حياته، كما تمنى أن لايغادره.
وكل الحكايات التي خبرها باسم الأنصار، يختصرها في لحظات مشرقة وقصة مضاءة، حيث توفر له الأسباب ليغوص في بحار الرؤيا. مؤكدا أنه هذا يتحقق عبر وجه طفل، عبر رذاذ المطر، عبر مقهى قديمة، عبر امرأة مثيرة، وعبر حلم أو لحظة تأمل، وعبر لحظات يجهلها أحياناً.
وتتابعون هاهنا أسرار وخبايا الشاعر باسم الأنصار في تفاصيل الحوار التالي
ماحكايتك مع القصيدة… وهل لك أن تروي لنا كيف تكتبها والمراحل التي تمر منها؟
يجب أن يكون السؤال بالأحرى هو ماحكاية القصيدة مع الشاعر؟ من الممكن أن يعرف الشاعر حكايته مع القصيدة ولكنه لن يعرف حكايتها معه.. بمعنى لماذا القصيدة تختار الكائن البشري المسمى بالشاعر؟ لاأعرف، ولكن الشاعر بإمكانه أن يعرف لماذا يبقى طوال حياته يلهث خلف القصيدة وذلك بعد أن اختارته من دون البقية. فمتعة القصيدة الروحية والمعرفية تغري الشاعر للهاث خلفها طويلاً، لذا تكون علاقته بها كعلاقة العاشق والمعشوق. ففي اللحظة الأولى تكون القصيدة مثل ومضة مليئة بالنشوة تمر في سماء الشاعر بسرعة الحلم لدى النائم.. يقتنصها الشاعر ثم يحاول أن يوسع من أفاقها بين فترة وأخرى إلى أن يشعر بأنها أقرب إلى الإكتمال ولن أقول الإكتمال، لأن كل قصيدة قابلة إلى التوسع والتمدد الى مالانهاية.
أفق الخيال
ما موقع الخيال والصدق في تجربتك؟
هذا الأمر يُترك إلى المتلقي.. هو من يكتشف مدى وسع أفق الخيال ومدى حرارة الصدق لدى الشاعر حينما يقرأ منجزه.
ماهي المراحل التي تمر منها قصيدتك؟
مثل مرحلة الحشرة التي تولد من الشرنقة.
الشاعر صياد
هل بمستطاعك أن تكتب قصيدة كل يوم؟
كلا بالطبع. الشاعر ليس موظفاً لكي يكتب كل يوم. الشاعر صياد يطارد الفريسة، ولايمكن أن تتوفر الفريسة المطلوبة أو التي يحلم بها الصياد كل يوم. من الممكن أن يجد الصياد الفريسة كل يوم، ولكن هذه ستكون الفريسة العادية والتقليدية. الشاعر يبحث عن الفريسة المدهشة والمثيرة جداً، والمدهش والمثير لا يمكن توفره كل يوم.
هناك رغبة
هل سبق لك أن ندمت على قصيدة لم تكتبها بعد أو كتبتها في وقت مضى؟
لايوجد هناك ندم، وإنما توجد هناك رغبة ملحة وحلم أن أكتب القصيدة الأبدية التي تمثل حجم الرؤيا الشعرية الأصيلة. لا أعتقد بأنني كتبت القصيدة التي أحلم بها طوال حياتي حتى الآن.
هل فعلا كل قصيدة كتبتها توازي خصلة شعر بيضاء في رأسك؟
كل قصيدة أكتبها توازي كل غابة أتمشى بها بحثاً عن القصيدة. توازي كل مقطوعة موسيقية تجعل روحي تترنم عليها. توازي كل امرأة تخلق لدي التوازن النفسي وتعينني على التواصل مع الحياة بشكل جميل. وتوازي كل حوار مع الآخر سواء كان قراءةً أو حواراً شفاهياً.
ممكنات الحياة
دائما أنت تخاف من أن تخذلك يوما الكتابة وتجف قريحتك، لذا تبدو مثل تلميذ مواظب على الحضور، وخوفك من هذا المجهول هل يوازيه خوفك من تساقط شعرك وإصابتك بالصلع؟
أعتقد أن هذا الخوف يسكن كل شاعر يبحث عن معنى وجوده وعن المعنى الذي يجب أن يخلقه لنفسه وللاخرين. ولكنني لاأخاف بالمستوى الذي طرحته، لأن ممكنات الحياة وأشكالها الجميلة عديدة.. صحيح أن الشعر الشيء الأهم في حياتي، ولكنه لم ولن يكون الشيء الأوحد فيها. لديّ أشياء عديدة بالحياة من الممكن أن تعطيني المتعة والجمال الذي يجعلني أتواصل مع الحياة بشكل جميل وإن لن يكون بنفس قدر الجمال إذا عشت مع الشعر. لكن هناك المرأة، وهناك الأهل، وهناك الأصدقاء، وهناك السفر، وهناك القراءة والتأمل، هناك الخمر والسهر، وهناك التمتع بسماع الموسيقى والغناء ومشاهدة الفنون، وهناك أشياء عديدة في الحياة لا تُعَد ولا تحصى تجعل الانسان يعيش حياة مليئة بالحب والجمال والعنفوان. ولكن بكل الأحوال أتمنى أن لايغادرني الشعر، وإن غادرني فسأحترم إرادته وسألتفت إلى الممكنات التي ذكرتها قبل قليل.
بحار الرؤيا
هناك من يوسوس له الشعر كل لحظة بمكر، ويكتب بشراهة، أو بتقتير كأنه يتنفس الهواء من منخر واحد. قد ينشر أو لاينشر ماكتبه، بالنسبة إليك أي طريق ستوصلك إلى نار الشعر المصفى؟
كل شيء يجعلني أغوص في بحار الرؤيا. وهذا يأتي عبر عدة أمور. عبر وجه طفل، عبر رذاذ المطر، عبر مقهى قديمة، عبر إمرأة مثيرة، وعبر حلم أو لحظة تأمل، وعبر لحظات أجهلها أحياناً.
الكتابة هي ممارسة الحرية
هل أنت مقتنع تماما بوجود ضرورة أن يمارس عليك أحد ما وصاية على ما تكتبه، ويحاسبك على أخطائك ويتغاضى على صوابك؟
لا طبعاً، لأن الكتابة هي محاولة لخلق شكل جديد للحرية، وهي أيضا ممارسة الحرية، لذا من الطبيعي أن لايقبل الشاعر أو أي إنسان حر أي شكل من أشكال الوصاية. أما إذا كان الآخر يريد محاسبتي على أخطائي دائماً فهذا شيء جميل وأتقبله بكل رحابة صدر. وإذا كان يتغاضى عن صوابي فهو حر ولن ينقصني ذلك أي شيء.
حدس الشاعر
شهد العالم العربي تغييرا في أنظمته، هل تنتظر مثل هذا التغيير والثورات في الثقافة والابداع، وهل سيطول موعد تحقيق ذلك؟
في البداية أقول إن الربيع العربي هو أجمل حدث في حياتي، وأنا سعيد به بغض النظر عن النتيجة التي ستؤدي إليها، وأعتقد أن كل تغيير في الحياة سيدفع شكل الابداع إلى التغيير. أما متى سيتحقق ذلك، فهذا مالا أعرفه بالضبط، ولكنني أعرف أن حدس الشاعر يجب ان يكون قريباً من حدس اللحظة التاريخية التي يعيشها. فإذا استطاع الشاعر أن يهضم هذه اللحظة أعتقد بأنه سيخلق التغيير المناسب لها وللمستقبل.
اعتراف الآخر
هل من الضروري أن تكون منتميا إلى مؤسسة ثقافية للأدباء…هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك من يرى أن الشاعر قد يضيع عمره كله ولا ينال الاعتراف، بالنسبة لك هل نلت هذا الاعتراف إلى هذه الساعة وماذا أضاف لك؟
لا طبعاً. بالنسبة لي لم أفكر بهذا الأمر على الاطلاق، ليس لأنني أملك موقفاً مضاداً منها وإنما لأنني لا أراها ضرورية للعملية الابداعية. ولكن من يريد الانتماء للمؤسسة الثقافية فهو حر. ولم لا؟ ربما الشاعر يجد متعة لقاء الاصدقاء في حاضنة المؤسسة..ولكنني لاأعتقد بأنها ستزيد من شعرية الشاعر أو من قيمة الروائي الفنية بشيء.. هذا ماأقصده.. أما بخصوص الإعتراف فأقول من يعترف بمن؟ ولماذا هذه اللهفة نحو إعتراف الآخر بمايكتبه الشاعر؟ بالنسبة لي أنا أكتب للمتعة الروحية والمعرفية.. أكتب مايملى عليّ من فم المجهول، لذا لاأعرف هل إن مسألة اعتراف الآخر ستزيد أو ستنقص من هذا الأمر لدي؟ربما في بداية دخولي الوسط الثقافي كنت أفكر بمسألة الإعتراف ولكن ليس بشكل كبير أبداً، وهذه مسألة طبيعية لدى كل إنسان، ولكن من غير الطبيعي بل ومن السذاجة والغباء أن يفكر الشاعر كثيراً بإعتراف الآخر به. أما بخصوص هل إنني نلت هذا الإعتراف أم لا؟ فأقول لاأعرف ولاأفكر بهذا الأمر إطلاقاً لأن إنشغالي بمتع الحياة الحسيّة أهم لديّ بكثير من هذه المسألة.
/8/2012 Issue 4276 – Date 13 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4276 التاريخ 13»8»2012
AZP09