حوار: كاظم بهية
فتحت التشكيلية السورية نهى جبارة قلبها في حديثها إلى الزمان لتقول إن اللوحة ليست مجرد مساحة ألوان، بل مرآة تعكس روح الفنان وما يعتمل داخله من رؤى وأفكار، مؤكدة أن الموهبة كانت شرطها الأول للاستمرار وأنها لازمتها منذ الطفولة قبل أن تصقلها بالدراسة الأكاديمية.
وقالت إن علاقتها بالرسم لا تحددها بداية محددة، فهو كان جزءاً من تكوينها منذ سنواتها الأولى، إذ وجدت نفسها مميزة عن أقرانها في التعامل مع الألوان والخطوط، ثم جاء المسار الأكاديمي ليؤطر تلك الموهبة ويوجهها.
ورأت أن تشكيل اللوحة لا يبدأ باللون بل بالفكرة، معتبرة أن أي عمل فني يحتاج إلى تخطيط أو “اسكيتش” أولي، فيما يأتي اللون ليخدم هذه الفكرة ويوسعها ويمنحها عمقاً أكبر.
وأوضحت أن استخدام الألوان القاتمة في أعمالها ليس اختياراً عابراً، بل هو خلفية تمنح العمل فضاءً ورحابة، لأن العتمة ـ كما وصفت ـ تتيح للخيال أن ينطلق أكثر مما تفعل الإضاءة، مضيفة أن زمن “الليل الطويل” الذي يعيشه العالم العربي بعد ما سمته “الخريف العربي” انعكس بالضرورة على لوحاتها وألوانها.
وكشفت أن وجوه النسوة التي تطل دائماً في أعمالها لم تكن في البداية مقصودة، فهي كانت ترسم “الإنسان” في حالاته المختلفة من حزن وفرح وتأمل، غير أن المرأة حضرت أكثر لأنها أكثر قدرة على التعبير عن خبايا النفس، ولأنها الكائن الرقيق الذي تَصدّع بفقدان الابن والزوج والوطن.
وأجابت على سؤال حول لوحاتها التي تبدو وكأنها تصرخ وتتألم، وهل تنتصر تلك الشخصيات المهمشة التي ترسمها، لتقول إن الفنان ابن بيئته لا ينفصل عنها، وصوت لوحاته ليس إلا صدى الألم الجمعي، لكنها تؤمن أن النصر قادم، وأن الأمل يظل خيطاً مضيئاً في كل لوحة مهما بدا خافتاً.
وأكدت أن انتماءها الفني يقترب من المدرسة التعبيرية، مع سحر خاص بالمدرسة السريالية التي تراها جامعة للمدارس، لكنها ترفض أن تُحبس داخل إطار محدد، معلنة: “أنا أرسم ما يخدم فكرتي بأي مدرسة كانت”.
وختمت رؤيتها بالإشارة إلى أن الفنان هو العين التي تنقل الواقع بكل تفاصيله، مسجلاً الأحداث برؤيته وفكره وثقافته، وقالت إنها لا تكف عن رسم محيطها بكل ما يحمله من ألم وحزن، محاولة أن تمنح هذا الواقع بعده الإنساني العميق.
وتكشف تجربة نهى جبارة عن مسار فني متجذر في الموهبة التي تحولت منذ الطفولة إلى هوية راسخة.
وتظهر لوحاتها انحيازاً واضحاً للفكرة قبل اللون، حيث تغدو الألوان مجرد خادم لعمق الرؤية.
ويهيمن على أعمالها الطيف القاتم، الذي تعيده إلى زمن العتمة السياسية والاجتماعية الممتد منذ “الخريف العربي”.
وتستحضر المرأة في لوحاتها لا كجسد بل كرمز للوجع الجمعي، حاملة صور الثكل والفقد والوطن الممزق.
ويطل أسلوبها أقرب إلى التعبيرية، مع افتتان بالسريالية، لكنها ترفض الاصطفاف المدرسي وتعلن حرية مطلقة في التشكيل. ويؤكد خطابها أن الفنان ابن بيئته، لا يملك سوى أن يصرخ بما يعيشه محيطه من آلام وآمال.