الدستور الديمقراطي
كامران عبدالرحمن الداودي ــ بغداد يتعارض مشروع الديكتاتورية حتى النخاع مع المشروع الديمقراطي، فالأول يقوم على أساس احتكار السلطة ومنع تداولها وإقصاء المواطنين عن ممارسة حقهم في السلطة والمشاركة في إنتاج القرارات المتعلقة بحياتهم ومجتمعهم ودولتهم وانتقالها وتداولها سليما بموجب إرادة الشعب المعبر عنها دوريا في الانتخابات العامة التي يحق لجميع المواطنين المؤهلين المشاركة فيها من حيث الترشح للمناصب العامة من جهة، والتصويت في صناديق الاقتراع من جهة ثانية، وهذا يعني ان الانتخابات الحرة والنزيهة تلعب دورا مهما في بناء المفهوم الديمقراطي في الدولة، ولكن الانتخابات العامة لانتخاب البرلمان أو رئيس السلطة التنفيذية أو رئيس الدولة في أي بلد لا تعني بالضرورة تطبيقا كاملا للديمقراطية وليست كافية لكي يصبح ذلك بلد حرا ديمقراطياً، فالديمقراطية كشكل من أشكال الحكم هي إشراك أفراد وطوائف الشعب في حكم البلد وفي جميع مفاصل ومؤسسات الدولة وتعني الديمقراطية بطبيعة الحال أكثر من مجرد انتخابات دورية، غير ان الانتخابات الحرة والنزيهة تعد حلقة حاسمة في سلسلة إقرار الديمقراطية المتواصلة الحلقات ووسيلة أساسية لتعبير الشعب عن إرادته الذي هو أساس سلطة الحكم، فللديمقراطية مرتكزات وأسس لابد من تحقيقها وتطبيقها حتى نصل إلى وطن يحترم فيها الحريات ويقدس فيها الحقوق، ومن هذه المرتكزات هي وجود دستور ديمقراطي فالدستور يقع في قمة الهرم القانوني للدولة وتحتاج اليه كل دولة قانونية، اذ هو الذي يحدد طبيعة الدولة هل هي بسيطة ام اتحادية وشكل نظام الحكم، كما يحدد علمها وعاصمتها ولغتها وعقيدتها الفكرية والسياسية وقد جاء في الدستور العراقي الدائم في المادة الأولى منه جمهورية العراق دولة اتحادية مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق ، كما جاء في المادة 116 يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلي .
وأشار الدستور العراقي كذلك إلى اللغة الرسمية لجمهورية العراق حيث جاء في المادة 4
أولا اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق ويضمن حق العراقيين بتعليم أبنائهم باللغة الأم كالتركمانية والسريانية والارمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية وفقا للضوابط التربوية او بأية لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة .
كما ان الدستور العراقي أشار في المادة 11 إلى عاصمة جمهورية العراق وكذلك في الفصل الثالث في المادة 124 اولا بغداد بحدودها البلدية عاصمة جمهورية العراق وتمثل بحدودها الادارية محافظة بغداد واشار في الفقرة الثالثة الى انه لا يجوز ان تنظم بغداد لاي اقليم، اما بالنسبة الى علم وشعار ونشيد الوطني والذي يجب ان يرمز الى مكونات العراق فيجب ان ينظمه قانون يصدر من مجلس النواب يصد ر لهذا الغرض.
والمسألة الثانية التي ينظمها الدستور هي السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية من حيث تشكيلاتها واختصاصاتها وطبيعة العلاقة الدستورية فيما بينها وينظم الدستور الحقوق والحريات السياسية والمدنية وكما يتضمن الدستور في نصوصه على مبادئ حقوق الانسان، والاهم من كل ذلك، تطبيق نصوص الدستور دون انتقائية، فالنصوص التي لا تجد طريقها الى التنفيذ تعد نصوصا معطلة. والدستور الديمقراطي يتم صياغته عن طريق لجنة او هيئة منتخبة انتخاباً مباشرا من قبل الشعب او يتم انتخابه من قبل البرلمان المنتخب من الشعب تضم كافة الكتل والتيارات ومكونات الشعب ومن الأخصائيين في مجال القانون والدستور، ومن ثم عرض مشروع الدستور في استفتاء شعبي عام لقبوله بالإيجاب من الشعب أو رفضه وهذا ما تم في حينه عند صدور الدستور العراقي الدائم في عام 2005، حيث شكل البرلمان العراقي هيئة سميت في حينه بـ هيئة كتابة الدستور متكونة من جميع الكتل البرلمانية التي تشكل منها البرلمان العراقي وتم صياغة الدستور العراقي من قبل هذه الهيئة وجرت حوله العديد من الندوات والدراسات والبحوث وطبع من مسودة الدستور الملايين من النسخ ليطلع عليه الشعب وشرائح المجتمع وجرت عليه الكثير من المداولات والتعديلات والمقترحات بما يضمن حقوق ومطالب جميع مكونات وافراد الشعب العراقي ثم عرض مشروع الدستور في استفتاء شعبي عام بتاريخ 15 تشرين الاول 2005، وكانت نسبة القبول لمشروع الدستور 78 من المقترعين من أبناء الشعب العراقي اما نسبة المشاركة في هذه الاستفتاء فكانت تقدر بـ 63 .
اذن فالدستور الديمقراطي المستفتى عليه من الشعب اهم ما يميز أي دولة ديمقراطية من دولة استبدادية دكتاتورية حيث لا يوجد لدى الدولة الاستبدادية دستور ديمقراطي او تكون دستورها عن طريق المنحة تمنحه السلطة سواء أكان رئيسا للجمهورية او زعيما او ملكا الى الشعب رغما عنه، فيصوغه على هواه ولا نجد في مثل هذه الدساتير أي متنفس للديمقراطية فالسلطات في هذه الحالة كلها ترتكز بيد الحاكم المستبد او القائد الأوحد الذي لا منافس ولا بديل له.
ومن اهم خصائص الدستور الديمقراطي والتي تبلورت عبر سنوات طويلة من الصراع بين أنصار إطلاق السلطة وأنصار تقيدها وهي
أ ــ لا سيادة لفرد أو لقلة على الشعب
في الممارسات الدستورية الديمقراطية المعاصرة ليس هناك حق مطلق وغير مقيد يعطي لصاحبه الحق في إصدار الاوامر، أما الشعب فيمارس سلطاته بموجب أحكام الدستور وكل دستور ديمقراطي معاصر مقيد بحقوق وحريات عامة لا يجوز مسها وشرائع يجب مراعاتها.
ان وضع هذا المبدأ موضع التطبيق يتطلب ضرورة انتخاب أعضاء البرلمان المناط بهم مهمة التشريع في ظل قيود الدستور بمعنى ان لا تخالف التشريعات التي يضعونها أحكام الدستور كما يتطلب انتخاب المسؤولين عن السلطة التنفيذية المناط بهم دستوريا السيطرة على قرارات الحكومة وسياساتها والقيام بمساءلة السلطة التنفيذية عن اداء مهامها وفقا لاختصاصاتها الدستورية.
ب ــ مبدأ سيادة القانون
ان القانون هو أعلى سلطة في الدولة ولا يعلو عليه احد، ان تطبيق هذا المبدأ على ارض الواقع هو ما تتميز به الحكومة الدستورية الديمقراطية ومن اجل تطبيق هذا المبدأ لا بد من وجود ضمانات لاحترامه وتتمثل هذا الضمانات في وجود جزاء على مخالفة أحكام هذا المبدأ وأفضل ادة لتحقيق ذلك هي وجود هيئة قضائية تتوافر فيها ضمانات الاستقلال والنزاهة وتكون مهمتها إلغاء القرارات المخالفة للقانون.
وابرز مظاهر هذا المبدأ هو مبدأ سمو الدستور أي انه لا يوجد أي نص قانوني اعلى من الدستور او يساويه في المرتبة ومن ثم لا يجوز مخالفة احكامه ولكون الدستور اعلى مرتبة من القوانين فقد نشا مبدأ سمو الدستور، وقد أشار الدستور العراقي إلى سمو نصوصه في المادة 13 اولا يعد هذا الدستور الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزما في أنحائه كافة وبدون استثناء .
وثانيا لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد باطلا كل نص يرد في دساتير الأقاليم او أي نص قانوني أخر يتعارض معه والحقيقة ان القوانين هي الأخرى سامية ولكن بالنسبة للأنظمة والقرارات الإدارية ولذلك انحصر السمو على الدستور فحسب والتي تكون على نوعين السمو الموضوعي للدستور ويتضمن قواعد بشان شكل الدولة ونظام الحكم فيها والسلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية أي كيفية ممارسة السلطة ومصادرها والعلاقة بين الحكام والمحكومين إضافة الى حقوق وحريات الأفراد، اما السمو الشكلي فانه يتضمن شكل وإجراءات وضع القواعد الدستورية وهي أصعب من طريقة وضع القوانين العادية.
/4/2013 Issue 4491 – Date 30 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4491 التاريخ 30»4»2013
AZP07