8-8-88

فاتح عبدالسلام

لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬أسرى‭ ‬ومفقودون‭ ‬عراقيون‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انه‭ ‬تمر‭ ‬اليوم‭ ‬الذكرى‭ ‬الخامسة‭ ‬والثلاثون‭ ‬لنهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬في‭ ‬أيلول‭ ‬العام‭ ‬1980‭. ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬في‭ ‬اثارها‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬متعلقات‭ ‬كثيرة‭ ‬لم‭ ‬تُحسم‭. ‬الأهالي‭ ‬يقولون‭ ‬انّ‭ ‬ذويهم‭ ‬من‭ ‬الاسرى‭ ‬والمفقودين،‭ ‬لايزالون‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وهذا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬تصريحات‭ ‬إيرانية‭ ‬تنفي‭ ‬وجود‭ ‬اسير‭ ‬عراقي‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬انّ‭ ‬الصليب‭ ‬الأحمر‭ ‬لم‭ ‬يخبره‭ ‬احد‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬رسمية‭ ‬بوجود‭ ‬بقية‭ ‬من‭ ‬الاسرى‭ ‬العراقيين‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬إيرانية،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬ان‭ ‬يتحرك‭.‬

تلك‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬مبكراً‭ ‬لقب‭ ‬“الحرب‭ ‬المنسية”‭ ‬في‭ ‬الاعلام‭ ‬العالمي‭ ‬بسبب‭ ‬طولها‭ ‬وفشل‭ ‬الوساطات‭ ‬الدولية‭ ‬لوقفها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاث‭ ‬الأولى‭ ‬منها،‭ ‬اذ‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬الحرب‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬طوال‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬طولها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬ومائتي‭ ‬كيلومتر‭.‬

‭ ‬مصائب‭ ‬وكوارث‭ ‬وحروب‭ ‬مختلفة‭ ‬أخرى‭ ‬أعقبت‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬خاصةً،‭ ‬جعلت‭ ‬العراقيين‭ ‬لا‭ ‬يتوقون‭ ‬طويلا‭ ‬عند‭ ‬ذكرى‭ ‬حرب‭ ‬الثماني‭ ‬سنوات‭ ‬المدمرة‭ ‬حين‭ ‬تمر‭ ‬أمامهم،‭ ‬ربّما‭ ‬لأنّ‭ ‬جيل‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬الهزيع‭ ‬الأخير،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬انّ‭ ‬اثر‭ ‬الكوارث‭ ‬اللاحقة‭ ‬كانت‭ ‬اكبر‭ ‬في‭ ‬مقاييس‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬مما‭ ‬مر‭ ‬قبلها،‭ ‬كون‭ ‬بعض‭ ‬الكوارث‭ ‬مستمر‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭.‬

قناعات‭ ‬سياسية‭ ‬وعقائدية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬قبل‭ ‬العام‭ ‬1980‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬صنعتها‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬ورسختها‭ ‬واشاعتها‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تغذيها‭. ‬

آثار‭ ‬الحروب‭ ‬الطويلة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تزول‭ ‬بقبول‭ ‬إيران‭ ‬تنفيذ‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬الثامن‭ ‬العام‭ ‬1988،‭ ‬ذلك‭ ‬انّ‭ ‬كل‭ ‬رصاصة‭ ‬كانت‭ ‬تحفر‭ ‬عميقا‭ ‬داخل‭ ‬النسيج‭ ‬العراقي،‭ ‬وكذلك‭ ‬الإيراني‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬احداث‭ ‬المستقبل‭ ‬المنتظرة،‭ ‬برغم‭ ‬كل‭ ‬التحليلات‭ ‬والتأويلات‭ ‬والاستنتاجات‭ ‬والتوقعات،‭ ‬بشأن‭  ‬احتمالات‭ ‬ان‭ ‬تتكرر‭ ‬حروب‭ ‬طويلة‭ ‬أخرى،‭ ‬يكون‭ ‬العراق‭ ‬طرفاً‭ ‬أساسياً‭ ‬أو‭ ‬ثانوياً‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬اية‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬الجوار،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬التعاطي‭ ‬معه‭ ‬لجعل‭ ‬كل‭ ‬التوقعات‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬هو‭ ‬قيام‭ ‬العراق‭ ‬وايران‭ ‬بتوقيع‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬‮«‬أبدية‮»‬‭ ‬تمنع‭ ‬وقوع‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬بينهما‭ ‬وتجعل‭ ‬الحوار‭ ‬الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للتفاهم‭ ‬بين‭ ‬بلدين‭ ‬مستقلين‭ ‬وعضوين‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يتحقق‭ ‬ذلك،‭ ‬كدرس‭ ‬وقائي‭ ‬متأخر‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬الثماني‭ ‬سنوات؟‭ ‬

رئيس التحرير-الطبعة الدولية

fatihabdulsalam@hotmail.com

مشاركة