زمان جديد
عبد الحق بن رحمون
المواطنُ العربي ،المشرقي والمغربي على حد سواء تجده مهموماً على طول، ومصاب بالاكتئاب بالوراثة،وبالفطرة، وبالعدوى، كما تجده دائما، شاكيًا، باكيًا، لايشبع ولا يقنع من تناول أدوية ضد الاكتئاب من نوع «فلوس-ميسين». ويدعي في النهار أنّه مكتئب، ويتمنى في سريرته أن يكون له وجهان (وجه يعيش فيه كل ما هو حرام، ووجه آخر يدعي فيه أنه مناصر للحلال) .
ربما في المغرب خلال الثلاثة الأشهر الأخيرة تعرضنا لحالات من الاكتئاب، بسبب تأخر تشكيل حكومة ابن كيران في نسختها الثانية. وبصعوبة تجاوزنا «بلوكاج» الاكتئاب النفسي والسياسي. بعد أن صرفنا نظرنا عن الانتظار، حيث شغلنا أنفسنا بمقاومة الصقيع والثلج والتبروري الذي اكتست به شوارع العاصمة الرباط. على أي سننتظر أن تتشكل الحكومة في عيد الحب في الـ 14 شباط (فبراير) وإذا لم تتشكل يمكن أن يقع التوافق مع فاتح أبريل (نيسان) المقبل.
في رأيكم ما لون الاكتئاب: هل هو أبيض أم أسود أم رمادي.
الجواب حول مستويات الاكتئاب، يحتاج إلى تشخيص دقيق في مختبر الفيزياء، أو طلب استشارة خاصة من عامل الدهان (الصَّبَاغ) الذي يصبغ المنازل وواجهاتها الأمامية والخلفية، لأن من خلال الألوان التي نختارها سوف نميز طبيعة وسلوك الأشخاص. ودرجة إصابتهم بالتكهرب السريع والغضب الشديد.
والمُكتئب، حال وأحوال، ما أن تسأله عن أحواله وأخباره، حتى يصف نفسه بنعوت قدحية، مستفزة، لاترى فيها أي انقشاع أمل، بداية من العاطفة وشرايين القلب التي لاتنبض بسبب أو من غير سبب، وصولا إلى عدم الرغبة في التفريج عن النفس وقضاء أوقات ممتعة تكون فيها النقود هي الطريق المؤدي إلى الشهية لاستعادة الفرح والسعادة، لكن المكتئب سيكون ملزماً على صرفها بسخاء من غير عاطفة جياشة وبدون بخل مسبق بالوراثة، هذا إذا رغب في العلاج السريع من الاكتئاب القاتل.
والاكتئاب العربي هو حالة مرضية مستشرية، في أوساط ضيقة وواسعة، لكن عدواها خطيرة جدا وتؤدي بأصحابها إلى الاكتئاب العرضي الذي تنزل ضرباته مثل نزلة البرد الحادّة والقاتلة.
وتبقى مشكلة الاكتئاب في أوساطنا بسيطة، غير تلك التي فسرها العلماء وأطباء النفس، أولئك الذي يجعلون من الحبَّة قبّة، في حين أن تشخيصهم للاكتئاب يزيد من الموضوع تضخيمًا ويصفون لك علاجاً طويل الأمد، وقليل الأمل. لأن العلاج الوحيد للقضاء على الاكتئاب هو تناول عقاقير «فلوس-ميسين» ونتجية العلاج به مضمونة مائة في المائة بحسب الخبراء.
أتعرفون ما دور الجيوب المملوءة بالمال. ومحافظ النقود المبتسمة؟ وهل تعرفون أيضا أهمية صيدليات الحراسة لبطائق الائتمان، هذه كلها في نظر البعض علاج للاكتئاب الموضعي، لكن هناك بعض الأشخاص يملكون ثروة، يمكن أن يعيش بها سكان مدينة بأكملها لمدة ثلاثين سنة، لكننا نجد بعض أصحاب هذه الثروات مصابون بالاكتئاب الوراثي، ولايعرون ماذا يفعلون بثرواتهم المادية. هذا في الوقت الذي نجده فيه الشخص المفلس (المَزْلُوطْ) هو الآخر مصاب بمرض العصر أي الاكتئاب، وتجده مهموما، يسب ويشتم كل شيء، ومن غير مناسبة، وبسبب اكتئابه المتكرر تجده مبليٌ بِبلوى من أجل النسيان وإيجاد طريق للتحايُل على الحياة، ومصاعبها وعقباتها.
ولذا ينبغي أن نتعلم كيف نواجه الاكتئاب ونسلخَهُ سلخا مبرحا إذا ماحدث وتجرأ أن يقترب منا. أولاتناول المنشطات غير مفيدة بالمرة، والمقصود بالمنشطات تلك البديلة التي تعوض منشطات أخرى. فاستعمال منشطات مصنعة تقليديا تؤدي بصاحبها إلى الموت كذلك بالنسبة للأدوية والعقاقير الخاصة بالاكتئاب فتجاوز الكمية المسموح بها يصبح خطرا على الإنسان.
وتبقى أحد الأعراض المعروفة عن الاكتئاب هو الشعور العميق بالفراغ والحزن، ومحاولة الهروب عن الواقع من أجل نسيان شيء ما لايريد الشخص أن يفصح عنه. كما أن الاكتئاب يمكن أن يصاب به الشخص من غير أن يكون هناك سبب مادي أو موضوعي لذلك. فما يقع حولنا ويحدث في عالمنا العربي يؤدي إلى الاكتئاب. فما أن تفتح قنوات فضائية على الأخبار حتى تسمع مئات القتلى في العراق وسوريا واليمن وليبيا. وهذا تقتيل مجاني ينفذه ظلاميون، يحللون ويحرمون بحسب مزاجهم.
في المقابل هناك شركات للأدوية، وشركات للأسلحة اغتنت وراكمت الأموال الطائلة، بسبب تعميمها وتعويمها للعالم بالاكتئاب، ونشر الاقتتال والرعب والترهيب. وصارت الشعوب تعيش اضطرابات نفسية في المنافي والمخيمات، بسبب القلق النفسي المجاني، وتشير إحصائيات أن الاكتئاب يصيب أكثر من 121 مليون شخص حول العالم . في الوقت الذي يشخص فيه مختصون أن أحد الأعراض المعروفة عن الاكتئاب هو الشعور العميق بالفراغ .