وقائع قليلة عن مشكلة توزيع الإصدارات

تلك الكتب

وقائع قليلة عن مشكلة  توزيع الإصدارات

كلفني احد الاصدقاء  الادباء في احدى المحافظات  ان احمل معي الى بغداد كمية كبيرة من نسخ اربعة كتب قد صدرت له في اوقات متقاربة وزعها على من اجد فيه استعداداً لقراءتها، ونشر  خبر عنها، او تناولها في عرض او مقالة نقدية، او وضع كمية منها في اتحاد الادباء لتقع بايدي اعضاء الاتحاد، وليتعرفوا على عناوينها وصاحبها او لتعرض للبيع في مكتبة  الاتحاد، وعندما اعتذرت من حمل الكمية الكبيرة، وصعوبة حملها وتوزيعها قال الصديق: حسناً خذ ما تقدر على حمله، وساكلف ابني بايصال مئة نسخة من الكتب الى بيتك بسيارته في اقرب وقت.

وقد شهدت في احدى المهرجانات  في احدى المحافظات ان الجهة المشرفة على المهرجان، وهي اتحاد ادباء وكتاب المحافظة قد عرضت نسخ كثيرة من نتاجات اعضاء الاتحاد لتكون بمتناول المشاركين في المهرجان وهم من اغلب المحافظات العراقية،  وكان باستطاعة اي شخص سواء كان اديبا ام غير اديب، مشارك او غير مشارك ان يقتني  ما يشاء  من النسخ، وان ياخذ اكثر من نسخة من الكتاب  الواحد، وقد انتهى المهرجان وظلت الطاولة الكبيرة التي عرضت عليها النسخ محتفظة بحمولتها برغم تعرض هذه الحمولة الى الكثير من النقصان.

ومرة كلفني صديق لي يصدر مجلة في احدى المحافظات ان اتابعها عند احدى الموزعين من لحظة وصولها الى توزيعها، وتحديد العدد المناسب  لكل محافظة ومدينة  وناحية، وقد كنت اظن ان للموزع حصة  في المباع،  ولكنني فوجئت  ان الموزع قد اتفق مع رئيس  تحرير المجلة بان يستلم عن كل عدد مبلغاً  معيناً،  سواء حصل البيع ام لم يحصل، وان تكون له حصة من المردود المادي لبيع المجلة، وقد تراكمت الخسائر على رئيس التحرير بسبب ذلك واضطر الى اغلاقها.

ويبدو لي ان شيوع احتفاليات توقيع كتاب يرجع  في بعض اسبابه الى محاولة  توزيع الكتب على مستحقيها من القراءة ولان بعض اصحاب هذه الكتب لا يمتلكون امكنة واستعداداً لخزنها مدة طويلة وتعريضها للتلف.

وقد تبدو هذه الوقائع مختلفة ولكنني اذا اعرضها دون رتوش فانني احاول من خلالها تقديم جزء من صورة ماساوية  كبيرة لمشكلة توزيع الكتاب في العراق، فمع ان اغلب الكتب  الصادرة في العراق  تطبع وتنشر  على حساب ونفقة اصحابها، الا ان هؤلاء المؤلفين من علماء وباحثين  واكاديميين يجدون انفسهم مضطرين الى حملها، والتنقل  بها ، ومحاولة اقناع بعض اصحاب المكتبات بعرضها وبيعها، وتوزيع كميات معينة منها مجاناً.

وهذه الصورة الماساوية  لا يعانيها المؤلف فقط، فالكتاب اي  كتاب يتجه لقارئ معين، وهو موجود في كل العراق وطبع ونشر الكتاب بهذه الصورة يحرمه من الوصول الى القراء، ويضيف لخسائر المؤلف في التاليف ومستلزماته وجهد مراجعة المصادر والمراجع خسائر اخرى في الحمل والنقل والخزن والتوزيع المجاني فضلا عن الخسائر المعنوية، بحيث يكون الكتاب عبئاً على صاحبه، وليس مناسبة لاعلان الفرح بهذا الانجاز الكبير.

ورغم هذه المعوقات فان المحافظات  العراقية تشهد صدور الكثير من المطبوعات المنجزة باموال اصحابها التي يتم تخصيصها من رواتبهم، ومن احتياجات  عوائلهم، وقد مارست هذه المعوقات  وما تزال دوراً كبيراً في الحاق الاذى  والاحباط بالواقع الثقافي العراقي،   الامر الذي يتطلب ايجاد الحلول  والمعالجات من خلال بعث الشركة الوطنية للنشر والتوزيع والاعلان،  او من خلال تاسيس شركات توزيع خاصة بدعم من الدولة، او من خلال  شبكة مكتبات تجارية في جميع محافظات العراق،  تكون   مدعومة او من خلال صيغ اخرى، تستفيد من تجارب  ناجحة في انجاز  عملية توزيع الكتاب، ومن ضمنها توجيه الوزارات  والمؤسسات  باقتناء وشراء ما يتصل باختصاصها من مؤلفات.

رزاق إبراهيم حسن