وردة

وردة
فاطمة الزهراء المرابط
هذا الصباح، لم تكن هنا..
تحسستُ السرير بأناملي، لم أجد سوى ملاءة بيضاء ملتوية على الطرف الآخر. نهضتُ مفزوعاً، ناديتها بصوت مرتجف وردة، وردة.. ، وأنا أخطو نحو الحمام علني أجد بياض جسدها تحت الماء الدافئ، لم تكن هناك. قد تكون في المطبخ، تُحضر لي وجبة الإفطار، لم تكن هناك. فتحتُ خزانة الملابس، أغراضها ما تزال مرتبة في مكانها المعتاد. ستعود إذن، لتزيح عني هاجِسَيْ الانتظار والقلق. لا حياة بدون وردة.. ، همستُ لنفسي. لأطرد فكرة رحيلها من خيالي.
هل رحلت؟
أنفاسها ما تزال عالقة بي، تقيدني.. تسيجني.. طيفها ماثلٌ أمامي كحورية خرجت للتو من بحيرة نور شفيف يضيء عالمي المسيَّج بخيوط ظلام حالك. بياض جسدها العاري يغريني بالتقدم نحوها، يُغْريني بالتوحد معها.. يغريني، ما عدتُ أدري بماذا يغريني.. نظرتها الملتهبة تُحاسبني على ذنب لم أرتكبه، تذكرني بوعد الزواج المنتظر. الزواج يقتل الحب أردد على مسمعها كل مرة. وردة تكتوي بنار كلامي، ترمي بذاتها في بحر الصمت، وتترك نفسي مكدودة منطفئة. هذا الصباح، لن أشرب قهوتي السوداء، لن أعبث بسيجارتي . أستحضر صورتها، صراخها، صمتها، ارتعاشة جسدها، نبرة صوتها الحزينة ما تزال عالقة في أذني أموت كل يوم مرتين وأصمت. تتلذذ بتعذيب جسدي المحترق كل ليلة، لا أحتج، بل لا أقوى على الاحتجاج. كل شيء انتهى.. ، انخرطت في موجة بكاء.. بكت وبكيت..
سأرحل.. سأموت..
صعقتني العبارة.. ألقتني في دياجير الظلمات.. ضممْتُها إلى صدري بكل ما أملك من قوة، تنتفض بين ذراعي كعصفورة تستقبل الموت البطيء. تتشبث برقبتي، تعانقني بحرارة.. تُذَوِّبُ أشواقي.. تتأمَّلني.. تُخَضِّبُ قلبي المُتْرَع بالأحزان..
قد أجدك هنا أو هناك ، أردد مع كل خطوة أخطوها. أبحث عنها، في شوارع المدينة، كالمجنون. أجر أذيال الخيبة والقلق. الشمس تزداد حرقة، تلسع جسدي البارد. هل رحلت؟ همست بألم، وألقيت جسدي المتعب على كرسي حجري، أتأمل زرقة أمواج البحر المتلاطمة. أطياف ترتفع أصواتهم على الشاطئ. سيارة إسعاف تقترب مني، تتوقف إلى جانبي. رجال بملابس زرقاء قاتمة، يتوجهون بسرعة نحو الرمال الذهبية.
ما تزال في ريعان الشباب ، همس أحد المارة لصديقه. أحسستُ بانقباض مفاجئ داخلي، ارتعاشة قوية تسري في جسدي. عيناي لا تفارقان نقالة الإسعاف القادمة نحوي، أهذي بكلمات. وردة كانت هناك، صرخت بصوت محترق ورددددةô نهضت مفزوعاً.. حبات عرق تبلل خدي..
وَجَدْتُني مصلوباً على خشبة الضياع..
AZP09

مشاركة