همسة
زوجها الذي ارتبط بها قبل ثلاثة اشهر قضى نحبه شهيدا عندما فجر وغد اثيم سيارة مفخخة في السوق كان قبل استشهاده زوجا مثاليا لها حيث كان ينثر عليها لآليء الحب والحنان تحت اجنحة المساء ليرتويا من عشقهما المشروع البريء الذي يشبه تغريدة طائر على غصن بان , يهيمان ببعضهما يمتهنان الحب بسرور دافق ويختلطان كاختلاط نسيم السحر مع ابتسامات الفجر باوثق العرى المغمورة بشبق السعادة , قلبان كانهما جوهر شفاف .
تذكرت همسة تلك الايام بلحظاتها وهي غائرة الملامح فساقها الشوق المخزون المكبوت الى ذلك الحائط الذي عُلّقَتْ صورة زوجها الحبيب عليه عند اقامة العزاء على روحه الطاهرة بعد ان اكتهل الليل واغلقت المصابيح اجفانها , راحت تمشي وهي منزلقة الخطى لعلها تجد موئلا يلملم جزعها واندراس حيلتها , وكأن النجوم تترقبها مرسلة رذاذ الموت عبر نورها الازلي ليحيط بها كهالة جمعت حولها الذكريات فتمثل حبيبها بخيالها ! هرعت مهرولة دون وعي والدموع تجري من عينيها هجير عذاب , وقفت امام ذلك الحائط والصورة امامها مدت يدها بلا شعور تريد ان تمسك ولو بلحظة حتى ولو كانت شبه حقيقية من ذكرى اجتماع الايام الراحلات ! لكنها سرعان ما ايقنت بأنها لن تدرك منه الا غبار الذكريات , فأطرقت الى الارض ببصرها والهم تحاوشها من كل صوب يكاد يقتلها لانها برحيله قد احترقت كل ساعات النسيم تحت وطأة صراخها المكبوت الذي حفر عيونها بدموع الدهشة وفي صدرها الصامت ومشاعل الامل المنطفأة في قلبها , تتجاذب مع اذيال الضباب القادم فوق اجنحة الوحدة العمياء , فالحب غادرها كأنه لم يعرفها وتحولت حواس الزمن المليئة بضجيج العشق الى صمت رهيب حين اظهر جبين الموت دم حبيبها مسفوحا في مرايا احلامها التي كانت كبيرة .
ارجعها اهلها الى الدار بعد ان افتقدوها ارادت ان تقنع نفسها بأن تكون صبورة في موضع الصبر وتهدئة الاهل والاقارب بتقبل المصيبة , لكن انفاسها ابت ان تستغني عن انفاس زوجها الحبيب ؟! فكتمت سرها الرهيب ؟ وبعد ان عادت خائبة من امام ذلك الحائط , تربصت بنفسها في ليلة صمت في ساعة من الليل اذ الكل نيام . فخمشت وجهها وهي مغمورة بالتعاسة ووقع الجنادل على صدرها , فتثائب الموت في ارجاء عيونها وصدرها فهاج وماج جنونها , اسرعت دون وعي واغلقت باب الحمام عليها حافية حاسرة , قطعت سلك الكهرباء مغادرة الدنيا بصرخة الموت , استيقظ من في الدار على صرختها ,
ماتت همسة راحلة الى ذلك العالم الخالي من الالغاز وصورة حبيبها منطبعة في مقلتيها مقبلة ثغر الموت بثغرها الباسم
عبد الحسين الشيخ علي – بغداد