هدايا مسمومة –  علي ضياء الدين

هدايا مسمومة –  علي ضياء الدين

أهدى الإحتلال الأمريكي للعراق أجمل هدية إسمها الديمقراطية لكنها كانت هدية مسمومة. لم تكن الديمقراطية إلا غلافاً لنظام طائفي- مذهبي- قومي سيأكل التماسك الإجتماعي  كما تأكل الغنغرينا اللحم الحي. طبيعة تشكيلة مجلس الحكم سيء السمعة مثال على ماخططت له دولة الإحتلال. الماكنة الإعلامية العالمية عملت عملها كي تقنع العراقيين بأن الطوائف والإثنيات هي ملاذاتهم الآمنة التي تنجيهم من التهميش والإقصاء والإستبداد وهي التعابير التي ظلت تلك الماكنة تحفرها داخل وعي ولا وعي الناس. طبعاً لم تعمل الماكنة الإعلامية العملاقة في فراغ. إلتقطت مصادر الخلل في التاريخ ثم نفخت فيها من أنفاسها المسمومة. نجح الإحتلال الأمريكي في تاسيس قاعدة للنظام الجديد تتألف لحمتها وسداتها ممن إلتقطهم من أرصفة التسول في مدن العالم ثم منحتهم حق التصرف بأموال الشعب الجائع وأطلقت يدهم تعبث في كل مفاصل الحياة بلا حسيب أو رقيب وبمنجاة عن أي ملاحقة شرط أن يرسخوا الثقافة الطائفية وتفاريعها في حياة الناس بإعتبارها خشبة الخلاص من مظلومياتهم المدعاة. نجح حفاة الأرصفة في تحقيق كل ما أراد رعاتهم وأولياء أمورهم. لكن ولأن بقاء الحال من المحال ولأن حبل الكذب قصير وبعد كل هذه السنوات العجاف التي قاربت العشرين بدأت جموع الناس المخدوعة تصحو على واقعها المزري وعلى الأكاذيب الكبيرة التي غزت رؤوسهم فكانت حركة تشرين المباركة وكانت معركة الإنتخابات النيابية الأخيرة وفيهما إنكشفت بوادر التحول الكبير الذي نرجوا أن يحافظ على زخمه وحتى تأسيس معادلة جديدة لامكان فيها للصوص ولدعاة الطائفية ومشوهي التاريخ والمشبوهين في إنتماءهم للوطن. لابد أن يدرك العراقيون الآن وليس في أي وقت متأخر أن ترسيخ الثقافة الطائفية في حياتهم يعني موتهم وموت وطنهم وتشويه تاريخهم وقتل مستقبلهم.

مشاركة