مهندس معماري يرمّم وزوجته مصنعاً سينال جائزة التراث الاوربي

لوبتش‭ (‬الجمهورية‭ ‬التشيكية‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬كان‭ ‬المهندس‭ ‬المعماري‭ ‬التشيكي‭ ‬بافيل‭ ‬بروزا‭ ‬يحلم‭ ‬في‭ ‬صغره‭ ‬بترميم‭ ‬المباني‭ ‬المتداعية‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬تاريخية،‭ ‬وهي‭ ‬فكرة‭ ‬تعززت‭ ‬لديه‭ ‬بفضل‭ ‬جولات‭ ‬كان‭ ‬يجريها‭ ‬مع‭ ‬عائلته‭ ‬في‭ ‬المعالِم‭ ‬القديمة‭.‬

ومن‭ ‬المرتقب‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬بروزا‭ ‬في‭ ‬البندقية‭ ‬خلال‭ ‬الشهر‭ ‬المقبل،‭ ‬جائزة‭ ‬التراث‭ ‬الأوروبي‭ ‬لترميمه‭ ‬مصنعاً‭ ‬للبيرة‭ ‬كان‭ ‬مهجوراً‭ ‬وشبه‭ ‬مدمّر‭ ‬بالكامل‭.‬

وعاود‭ ‬المصنع‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬لوبتش‭ ‬شمال‭ ‬براغ،‭ ‬إنتاج‭ ‬البيرة‭ ‬بعدما‭ ‬دفع‭ ‬المهندس‭ ‬المعماري‭ ‬وزوجته‭ ‬كل‭ ‬أموالهما‭ ‬في‭ ‬استثمار‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬مجازفة‭ ‬كبيرة‭.‬

ومع‭ ‬إنتاجه‭ ‬سنوياً‭ ‬نحو‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬لتر‭ ‬من‭ ‬البيرة،‭ ‬يبدو‭ ‬أنّ‭ ‬المصنع‭ ‬سيشهد‭ ‬ازدهاراً‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬معروف‭ ‬بحبه‭ ‬لهذا‭ ‬المشروب‭. ‬وتتصدر‭ ‬تشيكيا‭ ‬لائحة‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬استهلاكاً‭ ‬للبيرة،‭ ‬إذ‭ ‬يصل‭ ‬الاستهلاك‭ ‬السنوي‭ ‬لهذا‭ ‬المشروب‭ ‬إلى‭ ‬139‭ ‬لتراً،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬شهدت‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬افتتاح‭ ‬مئات‭ ‬مصانع‭ ‬البيرة‭ ‬الصغيرة‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭. ‬ويقول‭ ‬بروزا‭ (‬46‭ ‬عاماً‭) ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ “‬عندما‭ ‬صادفت‭ ‬وزوجتي‭ ‬المصنع‭ ‬المتداعي‭ ‬واشتريته‭ ‬سنة‭ ‬2007،‭ ‬كان‭ ‬وضعه‭ ‬سيئاً‭ ‬جداً‭”.‬

هذا‭ ‬المصنع‭ ‬المشيد‭ ‬قبل‭ ‬قرون‭ ‬عدة‭ ‬كان‭ ‬ينتج‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬لتر‭ ‬من‭ ‬البيرة‭ ‬سنوياً‭ ‬خلال‭ ‬أوج‭ ‬مجده‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

وشهد‭ ‬المصنع‭ ‬ازدهاراً‭ ‬حتى‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬لكن‭ ‬جرى‭ ‬تأميمه‭ ‬خلال‭ ‬حكم‭ ‬الشيوعيين،‭ ‬واستحال‭ ‬مستودع‭ ‬إنتاج‭ ‬ومرآباً‭ ‬للجرارات‭ ‬وموقعاً‭ ‬للشقق‭ ‬السكنية‭ ‬وورش‭ ‬العمل‭. ‬وبعدما‭ ‬بات‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬متداعية،‭ ‬تغيّر‭ ‬طابع‭ ‬الموقع‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الشيوعية،‭ ‬واستخدمه‭ ‬أصحابه‭ ‬لتصنيع‭ ‬مواد‭ ‬بناء‭.‬

وأقدم‭ ‬متجاوزون‭ ‬على‭ ‬إحراق‭ ‬ألواحه‭ ‬الأرضية‭ ‬واستخدام‭ ‬أجزاء‭ ‬منه‭ ‬كمرحاض‭.‬

ويقول‭ ‬بروزا‭ “‬لم‭ ‬يبق‭ ‬سوى‭ ‬خزانين‭ ‬للمياه على‭ ‬حالهما‭ ‬لأنهما‭ ‬كانا‭ ‬كبيرين‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬نقلهما‭”.‬

وبدأ‭ ‬الزوجان‭ ‬أعمال‭ ‬الترميم‭ ‬مستندين‭ ‬إلى‭ ‬مدخراتهما‭ ‬وقروض‭ ‬مصرفية‭ ‬ومساعدات‭ ‬وفرها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭.‬

ويوضح‭ ‬بروزا‭ ‬أنّ‭ “‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬الأصعب،‭ ‬وبدا‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬المهمّة‭ ‬كبيرة‭ ‬جداً‭”.‬

ورغبة‭ ‬منهما‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬باستثمار‭ ‬جيّد،‭ ‬قررا‭ ‬بيع‭ ‬شقتهما‭ ‬في‭ ‬براغ‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬لوبتش‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2014‭.‬

وافتتحا‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬مصنع‭ ‬البيرة‭ ‬والمطعم‭. ‬ويقول‭ ‬بروزا‭ ‬إنّ‭ “‬المصنع‭ ‬يحقق‭ ‬أرباحاً‭ ‬منذ‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭. ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭”.‬

وينتج‭ ‬صانع‭ ‬بيرة‭ ‬شغوف‭ ‬بهذه‭ ‬المهنة،‭ ‬لحساب‭ ‬المصنع‭ ‬البيرة‭ ‬التقليدية‭ ‬وأنواعاً‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المشروب‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬أعشاباً‭ ‬تُزرع‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬مجاورة‭. ‬وبات‭ ‬المصنع‭ ‬يحظى‭ ‬بشعبية‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬راكبي‭ ‬الدراجات،‭ ‬كما‭ ‬يتيح‭ ‬لزائريه‭ ‬القيام‭ ‬بجولات‭ ‬يكون‭ ‬بروزا‭ ‬مرشدهم‭ ‬فيها،‭ ‬ويُعتمد‭ ‬كموقع‭ ‬لإقامة‭ ‬الحفلات‭ ‬الموسيقية‭ ‬والمعارض‭.‬

ويشكل‭ ‬المصنع‭ ‬في‭ ‬لوبتش‭ ‬أحد‭ ‬المشاريع‭ ‬التراثية‭ ‬الثلاثين‭ ‬التي‭ ‬يُرتقب‭ ‬نيلها‭ ‬جائزة‭ “‬يوروبين‭ ‬هيريتيدج‭/‬يوروبا‭ ‬نوسترا‭” ‬لهذه‭ ‬السنة‭.‬

وأشاد‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجوائز‭ ‬بـ‭”‬شجاعة‭” ‬المشروع‭ ‬التشيكي‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ “‬مثالاً‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الناجحة‭ ‬لمشروع‭ ‬بموارد‭ ‬مالية‭ ‬محدودة‭”.‬

وأشاروا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ “‬المصنع‭ ‬أعاد‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭… ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬ازدهاراً‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاجتماعي‭”.‬

وتقول‭ ‬رئيسة‭ ‬البلدية‭ ‬سوزانا‭ ‬بافليكوفا‭ ‬سيمونكوفا‭ ‬إن‭ ‬المصنع‭ ‬شكّل‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬لبعض‭ ‬الجيران‭ ‬ليرمموا‭ ‬مساكنهم‭.‬

وتضيف‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ “‬إنه‭ ‬بمثابة‭ ‬دافع،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نشيد‭ ‬بما‭ ‬حقّقه‭ ‬بروزا‭ ‬وزوجته‭”.‬

ويصف‭ ‬بروزا‭ ‬نفسه‭ ‬بأنه‭ “‬مدير‭ ‬المصنع‭ ‬والمرشد‭ ‬والبستاني‭ ‬فيه‭ ‬ومنظّفه‭”.‬

ويبدي‭ ‬الزوجان،‭ ‬ولهما‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبناء،‭ ‬رغبتهما‭ ‬في‭ ‬ترميم‭ ‬فيلا‭ ‬تاريخية‭.‬

ويقول‭ ‬بروزا‭ “‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تدربنا‭ ‬عليه‭ ‬وما‭ ‬ينبغي‭ ‬إنجازه‭: ‬إنقاذ‭ ‬المنازل‭ ‬القديمة‭ ‬وعدم‭ ‬المساومة‭ ‬مع‭ ‬الطاهي‭ ‬وجمع‭ ‬الأطباق‭ ‬وتقديم‭ ‬البيرة‭. ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬نستطيع‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭”.‬

مشاركة