مقومات النص الناضج بعيون الأدباء والكتاب‮ ‬- نصوص – عادل الميالي

رحلة في عوالم الكتابة الإبداعية

مقومات النص الناضج بعيون الأدباء والكتاب – نصوص – عادل الميالي

الكاتب والشاعر والاديب مهما اختلفت وتباينت التسميات يظل مبدعا في نهاية الامر ،فالابداع نبوغ في حد ذاته  ،والمبدع ينير افكاره ورؤيته الخاصة منتهجا اسلوبا مميزا منفردا به .نصوص شاملة متكاملة تومض في فضاء الكلمة والابداع  ،نصوص ناضجة كما يتردد منذ برهة من الزمن  ،فما هي مقومات النص الناضج لدى الكاتب والشاعر والاديب  ؟

تجربة الكاتب

يرى الدكتور سمير الخليل وهو ناقد واكاديمي بانه مايزال تمييز النص الادبي بوحي من ادبيته مثالا على صعوبة مسك الطبيعة الجمالية للأدب  ، فالنص الادبي خامة لغوية ولابد ان يتوفر فيها الجانب الفني على المستوى الاسلوبي والجمالي . فقد نجد نصا جميلا ولكنه عدمي في الزاوية الدلالية ، وقد نجد نصا يحشد المفارقات ولكن لا نجد ثمة شيئاً لانه يطمح الى قدر اكبر من دون ان يكون للمعنى الشعري حضوراً واضحاً  ، وقد يؤدي الايغال في الغموض الى تحطيم بنية الدلالة وضياع الخيط الرابط بين الشكل والمضمون  ، فالنص لابد ان يمتلك مفاتيح كانت تسمى قرائن تفتح مغاليق شفراته ، وتحيل الى تأويله وعليه أعدُ النص الادبي ناضجاً حينما تكون تجربة كاتبه ناضجة وعميقة وقادرة على صياغته بما يجعله ثريا معافى يمتلك قدرة على صياغة لغة فوق اللغة تحيل الى ماوراءها  ، فضلا عن فسح المجال للمتلقي لكي يفتح مغاليقه  ، لان النص لايكتب لاهل عصره وإنما لأهل لغته اينما يكونون وفي اي زمن  ، ولابد من انفتاح النص على دلالات منفتحة على تأويلات متعددة

أبعاد فكرية وجمالية

الدكتور محمد رضا مبارك (شاعر واكاديمي ) يجد بان من الصعب تحديد هذه المقومات  ، بسبب ان النص الادبي  ، يقع عادة موقعا احتماليا يخضع لذائقة القارى ومواقفه الفنية والفكرية غير ان المقصود من السؤال هو الاكتمال الفني اي القدرة على الادهاش ومفاجاة الوعي  ، وتقديم ماهو جديد كل الجدة على صعيد اللغة واستعمال الأخيلة … وانسجام عناصر النص  ، بحيث يؤدي احدها الى الآخر  ، وهو مايمكن ان يطلق عليه التحام اجزاء النص … وبعض النقاد يضعون شروطا للنص الناضج (ان صحت هذه التسمية ) منها التداولية والتناص ، والاعلامية (الاخبارية ) والقبول  ، اي بمقدار استجابة القارى للنص وتفاعله وانسجامه مع رؤية النص  ، وان كانت مخالفة لرؤية القارئ.. ان تحقق هذه المقومات  ، ربما تجعل النص مقبولاً مؤثراً … او لنقل مغيراً … لان بعض الدارسين يضع شرطاً مهماً معاصراً  ، هو قدرة النص على التغيير اي انه لا يكتفي بالبعد الجمالي لانه اصبح من مخلفات عصور سالفة بل التاثير الفكري  ، فالاطراب والتطرية مطلوبان في النصوص الابداعية ، لكن المشكل كيف يغير النص قناعات المتلقي  ، انطلاقا من ان ثقافة الشاعر والكاتب قد بلغت مستوى راقياً على صعيد المعرفة والاطلاع  ، ليكون النص بهذا الشكل المغير .. فالنصوص الكبيرة هي ماتحويه من ابعاد فكرية وجمالية  ، وتقدم خلاصة لقرارات قديمة ومعاصرة …

التأثير في المتلقي

ويعتقد الدكتور عبد الامير الشمري (تخصيص فلسفة ) بان مقومات النص الناضج قد تختلف من مفكر الى اخر وعلى وفق الرؤية الفلسفية او السياسية التي ينطلق منها في تأشير مقومات النص الناضج من بين نصوص تتفاوت في درجة تصنيفها وحسب مجالات المعرفة المختلفة ، لذا ارى بان للنص الذي يعد ناضجا مقومات عدة منها  ، القدرة المتميزة في التعبير عن الفكرة موضع النص من حيث اللغة والاسلوب والسياق والغاية  ، وكذلك القدرة على التاثير في المتلقي قارئا او مشاهداً او مسمعاً بما ينسجم وهدف النص  ، بالاضافة الى عمق الفكرة وشمولها وتفردها ، مما يؤسس للنص موضعاً متميزاً وناحجاً وهادفاً وقبولاً مؤثراً في المجال الذي يتموضع فيه .

تأويل القراءة

يشير الدكتور رجاء ال بهيش (كاتب واكاديمي ) بان اكتمال النص من المحال  ، وحكم الاجهاني واضح في هذا الاتجاه  ، واذ ينبع من مقولة النقص البشري  ، ولكن يمكننا التحدث عن النص الخالد الذي يتجاوز حدود الزمن  ، وهذا يتجلى بوضوح في معظم الاعمال الفكرية والادبية  ، والنص الذي يتجاوز وجوده حدود خروجه العلني للمتلقين  ، كما ان هناك نصوصا تقع خارج سياقها الزمني  ، وتحتاج الى عقود اخرى لكي تجد صداها من هنا فان الابداع دائما يتجاوز حدود المكان والزمان ليصل الانجاز الابداعي الى متلق يقبع في انتظاره  ، كما ان اشكال القراءة تعطي للنصوص احكاما تختلف واحيانا تتقاطع باختلاف هذه الاشكال  ،وبالتالي فان اي معيار لاطلاق حكم ما يبقى نسبياً ، لان تأويل القراءة يمنح النص امكانيات جديدة قابلة للنقاش والبحث .

حد من المقبولية

الدكتور صالح القريشي (كاتب وباحث لغوي ) يرى بانه ليس من اليسير أن يبلغ أي نص نضجاً متكاملاً  ، ولكن هناك حداً من المقبولية لكل نص يُنطق او يكتب  ، وتتمثل هذه المقبولية من خلال عدة أمور منها سلامة الفكرة ومقبوليتها لدى المتلقي في كونها تعالج امرا يشعل الجماعة  ، وتسلسل العرض والتدرج فيه  ، فلا يسبق المتاخر المتقدم ولا العكس  ، اضافة الى الحرية في التعبير مع احترام الذوق العام وخصوصية الفرد  ، وجمال العرض (او الطرح ) بالألفاظ والصور والتعبيرات وسلامة اللغة  ، والميل الى الظرف وبث روح الفكاهة ما أمكن في النص .

محتوى النص

الشاعرة والقاصة الدكتورة راوية الشاعر تجد بان قيمة النص الادبي يعتمد مستواها على محتواه او على ما يعرضه من مضمون يبتغي ايصاله الى المتلقي  ، فالمحتوى الجيد يرفع النص الادبي الى مرتبة متقدمة بينما لا يحظى النص إلا بتأثير منخفض حين يكون محتواه عاجزا عن البلوغ الى الذائقة العامة . وبما ان الابداع الادبي فعالية اجتماعية  ، فهو يعني ان الأدب تجربة انسانية تجمع بين غايتي المنفعة والمتعة  ، وان أحداهما لا تحقق إلا بوجود الاخرى .ان بنية الشعر بالذات هي بنية تعتمد بالأساس على الخيال الخصب والافكار التي تشرب من معين الجمال الذي يعطي للشعرية صورة متفردة وحيوية ورمزاً فعالاً.  لذلك فان مقومات النص الناضج تعتمد على الشاعر الناضج وعقليته التي تبتكر اسلوبه الخاص الذي يميزه وعلى حريته في الاطلاع والنقل لهموم ومشاعر الانسانية وعلى ثقافته الواعية وخبرته الفكرية المعاشة وإحساسه العال والمتواضع.

نضوج التجربة

يقول الكاتب والروائي عدنان عبد الجليل  ،انا اولاضد التسميات  ،تسمية الادب او النص الناضج  ،انا اراه انه نضوج التجربة فالمبدع يمر بمراحل تخبط في بداياته  ،يظل في تساؤل عن هويته ،رغم ان المبدع دائما في حالة سؤال  ،وحالة الابداع هي حالة سؤال  ،لكن لا يعني النص اتمام الدورة  ،النص المادي  ،النص هو الوقوف على هويته  ،لكن النص الكامل معناه انتهاء الحالة  ،هو حالة نضج لهوية المبدع وحالة الاتمام  ،اتمام الدورة او اتمام الحالة هي حالة عدم الانتهاء  ،والمبدع دائما في حالة الابتداء .

الحرية رفيقة الابداع

الشاعر عبد الخالق مهدي يرى ان النص طائر  ،نضوجه هو فضاؤه وقدرته على ارتياد ذلك الفضاء  ،اذ ان الشرط اللازم لقدرة اجنحة النص على الارتياد هو الحرية  ، الحرية رفيقة الابداع دائما وان وضعنا النص لا محالة على نضد تشريحة لتبينا اسراره  ،فلا شك ان هناك عدة تمازجات تخلق ذلك النضوج اولها القدرة العالية على تحرير الكلمات من قاموسها  ،وخلق دلالات جديدة لها  ،وثاني تلك الاسرارهو اعمدة تلك السماوات التي يحلق فيها النص الا وهي الموضوع  ،فنص بلا موضوع كائن هلامي لا هيئة له  ،طوبى اذن للنصوص الواعية التي تتقن اصول كيمياء الشعر

تجاوز السائد

ويذهب الناقد الادبي ناظم السعود الى القول  ،لا اعرف ما هو المقصود ب(الناضج) هنا  ،فالنضوج احدى المفردات التي توظف لصالح مقاصد الكتابة المتعددة بمختلف المقامات التي توضح بها  ،والا فانها ستكون كاطلاق عام لا يحيل الىمعنى محدد.

فنعلم مثلا ان المنتمين الى مناهج النقد التكويني يرون ان نضوج النص يكون متى استفاد من مراحل تكوينه المعلومة منذ وجوده في المسودة الاولى وصولا بمرحلة طباعته ونشره  ،ويستخدم الناقد الانطباعي هذه الصفة كثيرا كمجاز للتغزل بفكر النص .كما ترى بعض المنحازين الى التطور والتحديث بشدة يقولون بنضوج النصوص التي تتجاوز السائد وفقا لتوظيف عناصرها باشكال مختلفة للاستفادة من وجود هذه العناصر التأريخية في الجنس الادبي المستخدم  ،وهكذا فاننا نلاحظ ان صفة نضوج قد تستخدم بديلا عن مفردة اخرى كالاكتمال والتميز والتطوير  ،الا اننا يجب ان نكون اكثر حذرا في استخدام المفردة للوصول بها الى المعنى الذي نريد دون تجاوز لتأريخ المفردة .عندها فقط قد يمكننا ان نفكر في تحديد مقوماتها كمفهوم اصطلاحي بعد ان نتمكن من تعيين معاييره ان استطعنا.