مـع شيـخــي مرة أخــرى وهل يمل من الجواهري ؟

ذكرياتي 21

مـع شيـخــي مرة أخــرى وهل يمل من الجواهري ؟

عبدالرزاق عبد الواحد

أرواحنا لكَ الصَّداقْ

فَسِر بنا

للسَّنا   ….. ياعراقْ

فَسُرْ بنا

للسَّنا  …. ياعراقْ

المجدُ فيكَ خالدٌ منذٌ الأزلْ

كنت الهَنا

كنتَ المنى   ولم تزَّلْ

فإن نَزَلّ بكَ الألمْ

…….. نأتيكَ دَمْ

…….. نسقيكَ دمْ

إن لم تُرقْ لكَ الدَّما لمِن تُراقْ

لاسِلمَ ياعراقُ لا مُساوَمة

بَنوكَ نحنْ أهلكَ المقاوَمَة

فلو دجَا

فيكَ الَّدجى

قسَماً قَسَمْ

نسقي الظُّلَمْ

أنهارَ دَمْ

حتى يُغطّي ضوؤها السَّبعَ الطَّباقْ

قُّلْ للعراقيين ياأبهى وطَنْ

بعَدَ العراقِ أمُركُم يبقى لِمن ؟

أولادُكم

أحفادُكم

كلُّ الّديارِ مالَهم فيها سَكَنْ

سّيُمعنونُ  في  الإغترابْ

ويُطَردون   من كلَّ بابْ

وهمّ  أعزَّ الناس كانوا ياعراقْ

قَسَماً بدجلةَ العظيمِ والفُراتُ

قَسَماً بكلَّ ثائرٍ فداكَ ماتْ

لن نستكين

ولا نلينَّ

إلا وقد عادتْ سَنىً فيك الحياةٌ

بوفائِنا

بدمائِنا

سنستعيد فيكَ زهوَ الانطلاقْ

أرواحُنا لكَ الَّصَّداقْ

فـَسِرْبنا

للسَّنا ياعراقْ

فَسِرْبنا

للسَّنا ياعراق

*  *  *

إحنه الفّلّوجة تلوكَك النَه

ناخذْ من دمهه ونتَحنَّه !

*  *  *

إتصل بي ذات يوم الشاعر الشعبي غدير الشمّري .. قال (استاذ مشتهي أشوفك) . قلت له : (ماعندي وكت) … في اليوم الثاني إتصل بي مرة ثانية .. قال 🙁 أستاذ كلّش مشتهي أشوفك)

قلت له:( ماعندي وكت)… فوصلتني منه رسالة على التلفون يقول فيها :

تهيم الروّح مَرَّه ،  ومَرّه يَلْهه

وجثير ايام سودة مرَّتِ الهه

روحي هَمَر تاهَتْ من رتَلِهه

تعالْ وصير عبوَه  وطًك عليَّه !

*    *     *

فأجبته في نفس اللحظة برسالة على التلفون أيضاً:

لأن أنتَ عزيز وأبي وماجدْ

أدوّرْ على مثَلكْ أبَد ماجدْ

تَره آنه أحبَّك مثل ماجد (1)

أميل عليك من تطِيح بيَّه !

*   *   *

فجاءني يركض إلى البيت !

……………………….

(1) ماجد أبني الأوسط

 مـــــع شــيـخــي الــجــواهــري/

سلامُ على مثَقلٍ بالحديد        وشيخُ كالقائدِ الظافر

كأنَّ القيود َ على معصَميَه     مفاتيحُ مستقَبلٍ زاهرِ !

من مكاني في القاعة صرختُ بأعلى صوتي :

اشتعلوا أجدادك !) فالتفت إلى مصدر الصوت وقال : شكراً !!)

كنتُ يومها طالباً في دار المعلمين العالية … وكان الحادث عام 1950 . يوم ألقى الجواهري قصيدته الهائلة ( سلام على حاقدٍ ثائرِ) في مؤتمر المحامين العرب ببغداد .. وكانت معنا في الكلّية ابنته أميرة التي حضرت إلقاء القصيدة ،  فما كان منها إلاّ أن صعدت المنضدة التي بقربها وراحت تهتف بهياج عجيب :(يعيش أبويه )!!.. وكان والله يستحق هذا الهتاف !

بالحقيقة آنا لاأريد ان اتحدث عن هذه عن القصيدة ،  ولاأدري لماذا تحدثت عنها ،  ربما لأني اردت هذا الكلام يكون مدخل للحديث عن موقفه الفريد يوم ألقى قصيدته البائية المشهورة في تكريم (الوتري)عميد كلية الطب ،  بعد وثبة كانون وكان الدكتور الوتري الوحيد من بين عمداء الكلّيات الذي منع الشرطة من أن يدخلوا كليته بينما استباحت الشرطة حرمة جميع كليات بغداد .

قال لي الجواهري (اتصلوا بّيه تلفونياً ،  وطلبوا مني بإلحاح أن أشارك بس تظاهرت بالرفض … ألحَّوا وآنا مصّر أرفض بينما بيني وبين نفسي كنت فرحان  بالمشاركة … تصدكَني من أكَلك جنت أركص وره التلفون ؟!! .. تدري ليش هيجي سوّيت ؟ .. حتى إذا حجيت  حجي ثخين لايعاتبوني .. همّه ألحوّا راودني أكتبلهم قصيدة .. مع ذلك آنا كَلتلهم ترة قصيدتي ربمّا تسبب لكم مشاكل )

إسماعيل ناجي .. سكرتير الدكتور هاشم الوتري قال 🙁 لاتدير بال . إحنه نتحمل النتائج .. نقابة الأطباء تتحمل المسؤولية) .

الجواهري حكى لي .. قائلا (رهنت مطبعتي على 500 دينار وانطيــــت فلوسها للعائلة ودزيتهم للنجف .. خطية جانوا يشتــــــرون حتى الخــــبز والحليب بالدّين) .

مع الأسف آنا لم احضر الإحتفال . حكى لي الجواهري . وحكى لي الذين حضروا إلقاء القصيدة .. قالوا(جانت القاعة ناس على ناس ،  كلهم شباب ،  لكن ولا واحد استعاد بيت من القصيدة .. حتى الوتري جان يتلفّت خايف ،  ولحظة خلصت  إلقاء القصيدة شكشكت كل أوراقها وذرّيتهن كدّام الجمهور ورحت للمطبعة مشي) ..

قال (ظليت أنتظر يجون يلقون عليَّ القبض تلث تيام ماإجوا … باليوم الرابع من الصبح جوي على المطبعة يدورّون على القصيدة) .. وضحك أبو فرات ضحكة لطيفة وهو يقول 🙁 كل شي مالكَوا بس اعتقلوني مع ذلك ،  وبقيت بالاعتقال شهر كامل ،  وأطلقوا سراحي بمناسبة العيد ).

يقول في القصيدة مخاطباً الوتري :

ولأنت صنت الدار يوم َ أباحَها

باغٍ يُنازلُ في الكريهةِ طالبا

أعراسُ مملكةٍ تُزَفُّ لمجدِها

غُرَرُ الشباب ألى الترابِ كواكي

أعرفَتَ مملكةٌ يُباح شهيدُها

للخاسئين الخادمينَ أجانبا؟

مُستأجرين يخربّون ديارهم

ويكافأون على الخراب رواتبا !

ثم يبلغ ذروة زهوه في القصيدة حين يقول :

يتبجحَّون بأنَّ موجاً طاغياً

سدُّ وا عليهِ مَنافذاً ومساربا

كذبوا فَمِكُ فمِ الزمان قصائدي

أبداً تجوبُ مشارقاً ومَغاربا

تستلُّ من أظفارِهم ،  وتحطُّ من

أقدارهم وتثلُّ مجداً كاذبا

أنا حتفُهم ألجُ البيوت عليهمو

أُغري الوليدَ بشتمهم والحاجب

*  *   *

أعَلمتَ هاشمُ أنيُّ وقدٍ جاحمٍ

هذا الأديمُ تراهُ نضواً شاحب ؟

نُبئّتُ آنك لست تبرحُ سائلاً

عنيّ تناشدُ  ذاهباً أو آيبا

وتولُ كيف يظلُّ نجمٌ ثاقبٌ

ملء العيون عن المحافل ِ غائبا؟

أنا ذا أمامك شامخاً متجبراً

أطأ الطغاةِ بشسعِ نعلي عازبا !

طبعاً يمكن الواحد يتصور فداحة الموقف : نوري السعيد كان حاضراً ،  ومجموعة من الوزراء معه،  والجواهري كان يدري بمجيئهم ،  وكان قاصداً يشتمهم لأن عندما قال (أطأ الطغاة بشسع مغلي) ،  أشرَّ على نوري السعيد والوزراء !

/ مـــع شيـخـي مرة ً أخــرى … وهل يُمَلُّ من الجواهري ؟!

أرى أفقاً بنجيع الدّماء

تنوَّرَ وأختفت الآنجَمُ

وجلاً من الأرضِ يُرقى بهِ

كما قذفَ الصاعَد السُّلمُ

إذا مدَّ كفّاً له ناكثٌ

أتاها ليقطفها مُبرِمُ

وجيلاً يروح ،  وجيلاً يجيء

وناراً إزاءهما تُضَرمُ

وياويحُ خائفةٍ من غدٍ

إذا نفَّسُ الغدُ مايكظُم !