معرض مشترك لمغربيين
رعب الحياة من زاويتين تشكيليتين
فيصل عبد الحسن
faisal53hasan@yahoo.com
المعرض المشترك للفنانين نور الدين برحمة وإدريس ماتو في قاعة النادرة وسط مدينة الرباط، الذي أفتتح مؤخراً أثبت أن للصوت المشترك بين الفنانين لغة فنية واحدة بالرغم من أختلاف أساليب الرسم.
فقد ضم المعرض أكثر من أربعين لوحة للفنانين وعرض بذلك أسلوبين للرسم، الأول تميز بالأنطباعية الواقعية والآخر بالفطرية الفنتازية.
أن أختلاف التقنيات لدى الفنانيين خلق لدى المشاهد شعوراً بأنه يزور معرضين منفصلين، وكل معرض منهما يعرض وجهة نظر الفنان من زاوية معينة.
وليس الأختلاف بين الفنانين في موضوع كل لوحة فقط بل وجاء حتى بنوع الألوان التي رسمت بها هذه اللوحات.
الموت والحياة
أتصفت الألوان التي أستخدمها نورالدين برحمة بأنها ألوان ساخنة، بينما أعتمد إدريس ماتو في رسم لوحاته على الألوان الباردة.
فلوحات نور الدين برحمة يشع منها اللون الأصفر، والبرتقالي والأحمر مما أعطى شعوراً عميقاً بالأنتشار فتتلقى روح المتلقي بهجة الفرح، والأحتفاء بما خلق الله تعالى من نور، وجمال، وقابلية على التواصل مع الفرح الداخلي بين الناس.
بينما عكست ألوان لوحات إدريس ماتو التقلص والأنكماش، من خلال أستخدامه بكثافة للون الأزرق والأخضر المزرق والبنفسجي المزرق والبنفسجي.
فأعطت ألوانه الباردة للمشاهد أنطباعات سوداوية عن الموت والفقدان والحزن والظلام، وفي كل تلك الأنطفاءات، والعذابات، التي تبدو في لوحاته نستقرىء قدرة الله تعالى على خلق الموت، وخلق الحياة من الموت.
فكما الحياة من خلق الله تعالى فإن الموت من خلقه أيضاً، يقول الله تعالى في محكم كتابه عن الموت والحياة وخلقهما ” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” آية 2 سورة الملك.
مدينة الورود
لقد تشكلت لوحات الفنانين في معرضهما المشترك من وجهين يكمل أحدهما الآخر وجه الحياة المشرق، المنتشر ووجه الموت المتغضن، المتقلص، بما يعنيه الموت من أختفاء من عالم الحياة، والظهور في حياة أخرى مختلفة لا نعرف عنها الكثير، ولم نكتشف حجبها وغموضها.
ولا غرابة في أختلاف الرؤيتين الفنيتين، وهذا يعود إلى اختلاف تجربتي وتكوين الفنانين، فنور الدين برحمة الذي ولد في عام 1957 بجماعة عين اللوح، وقد سميت هذه الجماعة القروية بهذا الأسم لوفرة الأشجار المعمرة في منطقتهم، لذلك فأهل تلك الجماعة كانوا يبنون دورهم من ألواح الخشب.
وفترة طفولة الفنان برحمة التي مرت في تلك المنطقة من بادية المغرب لم تمر من دون تأثيرات على ذوقه ورؤيته الفنية، أضافة إلى تكوينه الدراسي، فقد حصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية.
وصار أستاذاً في أحد مدارس مدينة سوق الأربعاء الغرب شمالي مدينة الرباط، والتي تبعد عنها بمئة كيلومتر، وقد سميت ايضاً بمدينة الورود، لكونها منطقة زراعية جميلة، كانت فيما سبق بركة مياه واسعة المساحة جففت وأستخدمت كأرض زراعية خصبة وشيدت حولها مدينة سكنية.
مهرجو السيرك
وقد أنعكست كل هذه التأثيرات على الفنان نورالدين برحمة أضافة إلى تأثيرت الرسامين الفطريين المغاربة كالشعيبية وفاطمة حسن وفاطمة الكبوري، ومحمد بنعلي الرباطي، ومن المحدثين في الرسم المغربي الفطري أيضاً كمحمد فتح الله عاشور والكزولي وغيرهم.
بينما أنعكست تأثيرات الرسم الأنطباعي والواقعية على رسومات الفنان إدريس ماتو، وذلك من خلال ما درسه الفنان في شبابه من فنون الرسم الأولي في قسم الفنون، وحصل على شهادة البكالوريوس في الفنون عام 1993 في مدينة الرباط ودراسته في قسم الفنون في درب غلف بمدينة الدار البيضاء ونال بعدها الشهادة العليا التكميلية في الفنون عام 1999.
أن ما يوحد نظرة الفنانين إلى العالم هو ما نجده في لوحاتهما من رعب مبثوث في الكثير من اللوحات المعروضة في المعرض، فالأشجار في لوحات لإدريس ماتو تبدو وكأنها تعرضت لعواصف هوجاء، وأن الأجواء في الكثير من لوحاته تبدو مكفهرة، ماطرة، وقد غابت عنها مصادر الأضاءة الطبيعية أو تلك المصنوعة، وكأن اللوحة تنتظر هبوب ريح صرصر تقلع كل شيء يقع في طريقها.
بينما وضع الفنان فوق الوجوه الخائفة أقنعة مهرجي السيرك في لوحات نور الدين برحمة وأتسعت عيونها، وأستطالت أذرعها كأنما تطلب النجدة أو تشير للآخرين طالبة منهم العون، الخوف تجده مبثوثاً في أغلب لوحات الفنان، سواء من خلال الأشكال الأدمية المرسومة بطريقة الفطريين، أو من خلال الأشياء الأخرى التي يؤثث بها الفنان لوحته.
رعب الحياة
أن المعارض التشكلية الفردية والجماعية التي قدمها نور الدين برحمة منذ سنة 1988 أكدت موهبته الفنية وتطوره المستمر أبتداء من إقامة عدة معارض في عام 1990 في بني تجيت اقليم فكيك، وتلاها بمعرض تشكيلي ثنائي عام 1995 في مشرع بلقصيري.
وتتابعت معارضه سنوياً بعد ذلك، كما في معرضه الفردي عام 1996 بسوق اربعاء الغرب، ومعرضه عام 1997 وهو من تنظيم جمعية الابعاد المتباينة بسوق الاربعاء الغرب.
وتتالت بعد ذلك معارضه كالتالي:
معرض جماعي عام 2000 بسوق الاربعاء الغرب.
معرض جماعي عام 2002 على هامش مساندة الشعب الفلسطيني.
معرض جماعي عام 2003 أثناء الأحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان.
معرض فردي عام 2010 بسوق الاربعاء الغرب.
وإقام الفنان عدة معارض فردية وجماعية خلال عام 2012 ــ 2014 لتتوج بمعرضه الثنائي مع زميله وأبن بلدته إدريس ماتو مؤخراً بقاعة النادرة وسط مدينة الرباط.
أن ألوان لوحات إدريس ماتو الباردة التي تذكرنا بلون السماء الأزرق ومياه المحيط والأشجار المورقة وقت الغروب عسكت أحساس الفنان بغربة الحياة وصعوباتها، ورعبه منها، وأشترك معه زميله بذات مشاعر الرعب من الحياة بالرغم من ألوانه الدافئة، التي تذكر بأشعة الشمس وألوان الورود المشعة وبهجة الحياة، لقد أختلفت أساليبهما وأشتركا في رسم رعب الحياة.