مسامير النعش

مسامير النعش
فاتح عبدالسلام
لا يهم ماذا يحمل القانون أو التشريع من أسماء وعناوين. الحال لا يتغير إذا استوحش بعضهم تسمية الاجتثاث وحولها إلى مساءلة وعدالة، والحال لا يتغير إذا تمَّ إلغاء قانون الطوارئ وتوزعت مواده الجائرة على تعليمات للأجهزة التنفيذية تقض مضاجع الآمنين. الحشود المستمرة في الازدياد من العراقيين في الموصل والأنبار والفلوجة وسامراء ليست عمياء، فهي إنْ كانت رؤيتها متضببة قبل شهرين فإنها اليوم ترى أفضل من زرقاء اليمامة في النظر إلى إجراءات الحكومة العراقية ازاء مطالبها. إذْ لم يعد إجراء ثانوي من الحكومة في اطلاق سراح من يفترض إنّهم خارج السجن أصلاً، بقادر على إيقاف الناس عن المطالبة بالعيش بأمان وهو المطلب الذي تجتمع حوله جميع المطالب الأخرى التي ترد في قائمة المعتصمين.
تجربة العراق في الحروب الخارجية والداخلية والاضطرابات والتمردات والكوارث أطول كثيراً من تجربة سوريا. لكن الذي حصل هو إن النار التي اندلعت في سوريا ليس لأحد إمكانية وقفها وهي تأكل الأخضر واليابس ولم يستطع أكبر جيش عربي بعد جيش مصر أن يقضي على إرادة السوريين في طلب حقوقهم في حياة عادلة.
واهم مَنْ يظن أنّ انقلاب الأوضاع في العراق نحو انتكاسة دموية بعيد الوقوع إذا ما استمرت هذه الاعتصامات السلمية بلا طائل حتى النهاية. كلمة النهاية هنا تعني إنَّ أي يوم نعدهُ بعد ذكرها لا يعني مسماراً في نعش العملية السياسية والتوافقات النخبوية الهشة فحسب وإنما هو مسمار جديد يدق في نعش الوطن الذي ما فارقتهُ منذ عقود النعوش وإنْ تعددت أشكالها وحاملوها ودافنوها ومقابرها.
سلمية الاعتصامات التي يتمسك بها المعتصمون ومن يناصرهم لا يمكن أن تصمد إلى الأبد مهما حسنت النيّات، لابدَّ أنْ يحدث كسر في مكان ما، ليس من داخل الاعتصامات وإنمّا من خارجها حتماً، حيث هناك متربصون دائماً للعب أوراقهم المؤجلة، كما إنَّ الحكومة التي لم تدرك معنى التغيير الشامل والتحول إلى دولة مدنيّة ناضجة قد تنزلق إلى خيارات الوهم في استخدام القوة بشكل مباشر نحو مراكز الاعتصام أو غير مباشر نحو أهداف حولها، وما أكثرها وحينها ستظهر كلمة النهاية إلى العلن.
AZP20