مجلس التراث البغدادي يستعيد ذاكرة الصحافة الساخرة

مجلس التراث البغدادي يستعيد ذاكرة الصحافة الساخرة

بغداد – الزمان

في أمسية دافئة بنكهة بغدادية، تناثرت فيها الحكايات كما تتناثر قناديل شارع المتنبي عند الغروب، عقد مجلس التراث البغدادي جلسته الشهرية في رحاب بيت صلاح عبد الرزاق، تحت عنوان: “الصحافة البغدادية الساخرة”.

وافتتح عبد الرزاق الأمسية بكلمة أشار فيها إلى أهمية المجلس في صون ذاكرة بغداد الثقافية وتوثيق مسيرتها الصحفية. كما توقّف عند سيرة الكاتب الساخر خالد القشطيني (1929 – 2023)، أحد أبرز الأقلام الساخرة العراقية والعربية. ولد القشطيني في بغداد وتخرج من كلية الحقوق عام 1953، غير أن القلم جذبه أكثر من القانون، فكتب بالعربية والإنكليزية، وقدّم للمسرح البغدادي مسرحيته «تحت ظلال البطالة» عام 1959. استقر لاحقًا في لندن، وواصل مسيرته عبر صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، حيث عُرف بزاويته اليومية التي جمعت الطرافة بالحكمة. وفي عام 2015 حاز جائزة العمود الصحفي من جائزة الصحافة العربية في الإمارات، قبل أن يرحل في حزيران 2023 تاركًا إرثًا من النقد الرشيق والابتسامة اللاذعة.

كلمات رئيسية …

وألقى الصحفي عادل العرداوي كلمة حيّا فيها جهد عبد الرزاق في تأسيس المجلس، ثم استعرض تجربته الممتدة منذ ولادته عام 1949، مؤكدًا أنه عاش أجواء الصحافة عن قرب. وتوقف عند أسماء أسست للصحافة الساخرة:

نوري ثابت صاحب جريدة حبزبوز.

وصادق الأزدي صاحب القرندل.

وعبود الكرخي الشاعر الساخر.

كما أشار إلى مجلات الفلقة، الوادي، الفكاهة، والمتفرج، وذكر كتّابًا بارزين مثل داؤود الفرحان وحسن العاني. ثم عرض نسخة نادرة من مجلة الفكاهة (1963 – 1973) التي توقفت بقرار وزير الإعلام آنذاك حامد علوان بدعوى “غياب المنهاج الفكري”. وأضاء العرداوي على أعمال المرحوم حميد المحل، الرسام والمسرحي، مبرزًا إسهامات فؤاد جميل في زاوية “لكل فلكلورية أصل”.

عرض  تاريخي …

وأعقب رفعة عبد الرزاق مداخلته مؤكدًا على الدور الريادي لحميد المحل وفوزه بجوائز فنية، قبل أن يوضح الفارق بين “الصحافة الساخرة” و“الصحافة الفكاهية”، فالساخرة ( نقد يلبس ثوب الضحك) ، و  الفكاهية (ضحك للترويح والتسلية). كما استعرض سيرة المرحوم خالد الدرة الملقب بـ(شيخ الساخرين) وصاحب مجلة الوادي. وقدّم رفعة عبد الرزاق بانوراما ثرية عن تاريخ الصحافة الساخرة العراقية، منذ العهد العثماني مرورًا بالعهد الملكي والجمهوري، ذاكرًا مجلات مثل مرقعة الهندي، أجراب الكردي، النوادر، الغرائب، البدائع، جحا، المراعب، جفجير البلم، والكشكول. كما أشار إلى جريدة كناس الشوارع في العشرينات، وجريدة أبو حمد لعبد القادر المميز في الثلاثينات، وصولًا إلى القرندل لصادق الأزري، وتجربة الفلقة لليث الجبوري (1988) التي لم يكتب لها الاستمرار.

وشهدت الأمسية مداخلات أغنت الحوار

واختُتمت الجلسة بقصيدة “منار الهدى” للشاعر د. عدنان الحلي، لتُختتم الأمسية بصورة جماعية جمعت الوجوه البغدادية التي أحيت هذا اللقاء. ولم تكن الجلسة مجرد استذكار لعناوين صحف ومجلات اندثرت، بل كانت رحلة في ذاكرة بغداد الساخرة، تلك التي قاومت عسف السياسة ومرارة الأيام بضحكة لاذعة وقلم لا يعرف الخوف فكما قال أحد الحاضرين: “السخرية كانت سلاح البغداديين في مواجهة القسوة، ووسيلتهم لانتزاع ابتسامة وسط العواصف”.

مشاركة