متى يتعلم الأمريكيون الدرس؟
أحمــد المرشــد
تعرضت الشقيقة مصر قبيل اعلان فوز الاخواني الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة على منافسه الفريق احمد شفيق، لحملة أمريكية سافرة، كانت نموذجا مرفوضا للتدخل في الشئون الداخلية للدول، خرجت فيها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بتصريحات زعمت فيها ان المجلس العسكري المسئول على ادارة المرحلة الانتقالية في مصر يتباطئ في تسليم السلطة للمدنيين وانه يسلب صلاحيات الرئيس المقبل.. وما هي سوى لحظات قليلة على نطق هيلاري كلينتون بهذا الكلام غير المسئول، حتى رد عليها الاعلام المصري بكل صوره تقريبا مستقل وحكومي وحزبي، ولم يتوان حزب او حركة او ائتلاف سياسي وإلا رد على التصريحات غير المسئولة للوزيرة الأمريكية. وكان ملخص الردود المصرية الاعلامية والحزبية والسياسية وحتى الاحزاب الدينية انه ليس من حق اي مسئول اجنبي ايا كانت البلد التى يمثلها ان يتدخل في الشأن الداخلي المصري، وقامت الدنيا ولم تقعد في مصر على اقوال كلينتون ووصفوها بانها صفاقة أمريكية . واخرج كل المصريين كل ما في الارشيف الارهابي الأمريكي ليذكروا السيدة كلينتون بتاريخ بلادها الاسود في قتل الشعوب ومشاركتها في العديد من الانقلابات العسكرية ضد حكام لا ترغب في وجودهم وتراجعها عن مساندة حكام طالما ساعدوا واشنطن التى تتخلى عنهم بسهولة.
واذا كانت كلينتون قد استغلت حالة الفراغ السياسي عشية اعلان نتائج انتخابات الرئاسة مستغلة حالة الغليان بين المعسكرين المتنافسين هناك، فان المصريين اجتمعوا على قلب رجل واحد وافهموها ان تلعب بعيدا عن مصر وكفاها ما فعلته في العراق.
وهنا في البحرين، اقترب الوضع نوعا بما فعلته كلينتون، احد منسوبيها وهو سفيرها في البحرين والذي لم يراع الاعراف الدبلوماسية وخالفها وادعي زيفا بان المملكة لا تراع مبادئ حقوق الانسان، وهى المبادئ التى نسيتها بلاده تماما في تعاملها مع شعوب العالم، والعراق اقرب نموذج امامنا ، ثم ان شعب افغانستان ليس ببعيد عن آلة القتل الأمريكية التى تفتك بالعشرات والمئات هناك بحجة محاربة القاعدة هناك، في حين ان واشنطن هى التى خلقت القاعدة وطالبان في هذه البقعة من الارض.
ولعلي اتفق هنا مع رأي أحد النواب عندما علق على الحوار الذي أجرته أحدى الصحف مع السفير الأمريكي ، فالحوار يكشف خطورة هذا الرجل الذي لا يكتفي بالعمل الدبلوماسي ، فهو يمثل خطرا على الأمن القومي للبحرين خاصة ومجلس التعاون عامة. ولم نعرف حتى الان لماذا كل هذا الاستعلاء الذي يتحدث به السفير الأمريكي خارجا عن اللياقة الدبلوماسية المعهودة في عمل السفراء وانحيازه بشكل سافر الى ممن هم موالين لإيران هنا في المملكة والعراق .
واعتقد ان النائب اصاب عندما وصف السفير الأمريكي بانه سفير لدولة قاتلة مجرمة، ذبحت مئات الألوف في العراق وأفغانستان بدم بارد، وتزهق الأنفس البريئة في باكستان بطائراتها القاتلة، وتعيث في الأرض فسادا، وتعتقل الأبرياء بغوانتنامو، وتتآمر على قتل الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، ففاقد الشيء لا يعطيه. ولهذا ، لا يحق لمثل هذه الشخصيات بان تتدخل في شئوننا الداخلية وتمنح لها الحق في تعليم الشعب البحريني دروسا عن احترام حقوق الإنسان والديمقراطية ، ونحن لا نقبل منه دروسا ، وعليه ان يوجهها لقياداته في بلاده.
وهل يعقل ما قاله هذا الشخص الذي جاوز كل الاعراف الدبلوماسية عندما زعم ان جمعية الوفاق ليست مثيرة للازمات، وانه غير مقتنع بان إيران تتدخل في الشئون الداخلية لمجلس التعاون .. وهنا نتسأل كيف يقول إن إيران لا تتدخل في شئون مجلس التعاون رغم أنها لا تكف عن تهديد دول المجلس، وتهديد البحرين بالغزو، وبأنها جزء منها، وتحتل الجزر الإماراتية الثلاث، وتقدمت بشكاوى الى الأمم المتحدة ضد البحرين والسعودية، وترعى ما يسمى المعارضة البحرينية وتوجهها بناء على معتقدات ولاية الفقيه، وتصريحاتها وبياناتها مستمرة ومتكاثرة ضد البحرين والسعودية وتسيطر على العراق وتتحكم فيه؟ .. أبعد كل هذا يقول أحد إن إيران لا تتدخل بشئون المجلس؟ الم يرى هذا السفير عنف انصار الوفاق ثم يدعي ان بلاده ملتزمة بأمن البحرين واستقرارها، وهو الذي يتحدث بلسان هؤلاء وكأنه سفيرا للوفاقيين والإيرانيين.
واذا كنا تطرقنا الى موقف أحد ممثلي الشعب فإن هذا المطلب هو مطلب جميع مكونات الشعب البحريني الذين يؤكدون على هذا الرأي فقد ضاق مجتمعنا ذرعا بهذه التصرفات الغير مسؤولة وهنا لابد لنا أن نعيد ما اكد عليه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى خلال ترؤس جلالته جلسة مجلس الوزراء الاسبوع الماضي بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء. فجلالة الملك طالب الاعلام البحريني بان يكون له دور بارز واستباقي وألا يكون قائما على ردود الأفعال فقط، بل يجب أن يكون إعلاما فاعلا في خدمة الوطن واستقراره . ولهذا ، نحاول ابراز مواقف السفير الأمريكي المخجلة والخطيرة في نفس الوقت، انطلاقا من قول جلالة الملك بان البحرين ولله الحمد قادرة برجالها المخلصين على حفظ أمنها مهما تنوعت أساليب الإرهاب.
ولم تكن المطالب بضرورة تحرك اجهزة الدولة لوضع حد لهذا الرجل الذي يتحرك بأجندة خطرة على الأمن القومي، وأن تتقدم الخارجية بشكوى الى الجهات الأمريكية ضده، سوى كون هذا المطلب الهام هو مجرد وسيلة لوقف تحركات هذا السفير المشبوهة ووقف تمكين المعارضة الموالية لطهران من تحقيق أجندتها تحت ادعاءات كاذبة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذا بالضبط هو الدور الحيوي للإعلام لكي يبرز تلك المخاطر على امن المملكة وكيفية تلافي تبعاتها على الوطن.
نعم إرهاب فما يفعله هذا الشخص غير المرغوب فيه وهو تحريض سافر لبث الكراهية والعنف والإرهاب في مجتمع يسمو للتسامح لولا تصرفات البعض البعيدة تماما عن الدين والتى تخل بالأمن والاستقرار..وعندما يقول جلالة الملك المفدى إن شعبنا قادر على إدارة خلافاته والتحاور بشأنها من دون وساطات خارجية، فالمعنى واضح وهو ان الشأن البحريني هو شأن بحريني ولا نريد تدخلا من احد او يعلمنا دروسا .. لا هذا السفير ولا غيره.
ولنا في ملف العلاقات الخليجية الاوروبية النموذج الامثل للعلاقات الاستراتيجية بين كتلتين اقليميتين كبيرتين مثل مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الاوروبي، فمثلا الاجتماع الوزاري المشترك الاخير للحوار الاستراتيجي بين الجانبين حدد اولويات التعاون .. وهى العمل على تعزيز العمق الاستراتيجي للعلاقات ، والعمل معا لتعزيز السلام والأمن والتكامل الإقليمي والنمو الاقتصادي والرفاهية والتنمية المستدامة وتشجيع التواصل بين الشعوب.. ولم يطلب الاوروبيون التدخل في شئون دولة من دول المنطقة او فرض الوصاية عليها او الايعاز بتبنى موقف معين، وهذه هى اصول التعاون البناء والعلاقات المتميزة بين الدول. ويا ليت الأمريكيون يتعلمون هذا الدرس.
كاتب ومحلل سياسي بحريني
/6/2012 Issue 4238 – Date 30 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4238 التاريخ 30»6»2012
AZP07