إستذكار لمحطات لا تنتهي من مسيرة عوني كرومي
مبدع ترنيمة الكرسي الهزاز يعشق السينما ويتفوق في المسرح
عبدالقادر الدليمي
يقول الراحـل الكـبير عونـي كرومـي ( ما العـمرُ إلا لحظـات لا تنتهـي) ويقول( ليـس لذاتي ونفـسي فقـط بل تجـربة الآخرين الذين أشتركت معهم في الهـمِ والطموح والرؤيـا, أكتشفت إنني اشترك معهم).
و كرومي للأسف الشديد رحل قبل أوانه, ولكن لا اعتراض على إرادة الله (سبحانه وتعالى).والحديـث عن هذا الانسان الطيب لا يكفي اطلاقاً في مقالٍ ينشر في جريدة, ولكن الذي يريد التحدث عنه يحتاح الى كتـاب كبير واسع مرفق بصور فوتوغرافية كثيرة جداً، لانه ليس مخرجاً مسرحياً متميزاً فقط فهو دراماتورج، ومصمم ديكور وسينوغرافيا ، وتدريسي وتربوي كبير يفهم الناس ، معظم الناس يحللهم، يغور في تأريخهم، يغور في علاقاتهم مع الآخرين، يغير في مستوياتهم الإجتماعية، وهو قارئ نهم، ناهيك عن كل هذا وذاك فهو إنسان بارع جداً، مخطط ممتاز يحب كل الناس لا يفرق بين هذا وذاك، وعلى الرغم من كونه من الاخوة المسيحيين لكنه اطلق على ابنه البكر ( حيـدر).
كانت رغبة عوني حينما وصل الى المانيا ان يدرس فن السينـما، فقلت له (يا عونـي انت خريج معهد الفنون الجميلة وكلية الفنون الجميلة، اختصـاص مسرح فلماذا تريد ان تذهب للسينما والمسرح الذي هو ابو الفنون؟ ) اجابني وببساطته المعهودة ( السينمـا هي جزء اساسي ومهم بالنسبة لي واريد ان ادرسها) قلت له طيب سأخذك الى حيث تريد، ولكن رغبتي ان تلتحق معي في كلية العلوم المسرحية بجامعة(هامبولدت),لكن عوني الذي وصل فجراً في الساعة الرابعة اصر ان يشاهد مسرح البرلينر انسـامبل ( فرقة مسرح برلين) اجبته، الوقت فجراً وبعد ساعات ايضاً هناك يوم جديد لكن اصراره جعلني اوصله الى بناية مسرح البرلينر انسـامبل من الخارج وبدأت احدثه بأن هذا المسرح الذي اراد برتولد برشـت ان يؤسسه لكنه غادرنا الى عالم النهاية عام 1956 والسيدة الكبيرة زوجته ( هيلينا فايكل) هي مديرة المسرح الان وتعد واحدة من اشهر الممثلات في المانيا ويطلق الشعب الالماني عليها تسمية فنانة الشعـب، وكان برشت يقدم اعماله على المسرح الالماني قبل وفاته بعشرة سنوات.
كلية السينما
وكان لعوني ما اراد واوصلته الى كلية السينما في مدينة بوتسدام ( بابلسبيرغ) ولكن اللجنة اقنعته بدراسة المسرح في كلية العلوم المسرحية ،وهكذا بدأت رحلته في دراسة علوم المسرح.
في حديثِ يومي معه سألته ماذا تقول عن تجربتك الأولى في المسرح ببغداد؟
قال: ما العمر الا محطات لا تنتهـي، حينما وقفت في واحدةِ منها متأملاً ليس لذاتي ونفسي فقط بل تجربة الآخرين الذين اكتشفت انني اشترك معهم في الهم والطموح والرؤيا،
قاطعته بسؤال، اذكر لي اسماء هؤلاء ! اجاب عوني: معظم الفنانين الرواد ساهمت تجربتهم في تطويري وتقدمي وهم ( الراحلون حقي الشبلي ، ابراهيم جلال، بهنام ميخائيل، جاسم العبودي، جعفر السعدي، سامي عبدالحميد، بدري حسون فريد، جعفر علي، جميل نصيف، ياسين النصير، يواخيم فيباخ، بروفيسور ايرنست شوماخر، هاينر موللر، فرتس ماكفارت).
والراحل عوني افرام كرومي تولد عام 1945 في الموصل تخرج من معهد الفنون الجميلة عام 1965 وتخرج من كلية الفنون الجميلة 1969، اكمل دراسته العليا في كلية العلوم المسرحية في جامعة هومبولدت ببرلين وحصل عام 1976 على شهادة الدكتوراه، قدم اكثر من 70 عملاً مسرحياً اذكر بعضاً منها ( كريولان، ماسأة تموز، فوق رصيف الرفض، حكاية لاطفالنا الإعزاء، الإنسان الطيب، صراخ الصمت الاخرس، ترنيمة الكرسي الهزاز، المسيح يصلب من جديد).
حصل على العديد من الجوائز في بغداد والقاهرة وقرطاج وبرلين، وشارك في عدد كبير من المهرجانات المسرحية العراقية والعربية والأجنبية.
توفى عوني كرومي في 27 أيار 2006 في برلين ودفن في نفس المقبرة التي دفن فيها برتولد برشت.
مفارقة عجيبة، يتوفى برتولد برشت وثم يأتي شاب من العراق – الموصل لينهل من علمهِ ويتعرف عن قرب من مسرحه (البرلينر انسـامبل)، هذا هو الراحل طيب الذكر عوني كرومي.
□ في إحدى المرات حدثتني عن فرنسا وعاصمتها باريس: قل لي ماذا فعلت في باريس؟
□ أجاب : قدمنا عملاً مسرحياً هناك وتعرفت من خلال هذا العمل الى الدكتور علي عقلة عرسان وهو كاتب سوري كبير وشخصية فذة وكبيرة جدأ.
□ وهنا كان عليً أن أنهي هذا الحديث الشيق مع الأخ والصديق الطيب والرائع الراحل عوني كرومي.