ما بعد الطارميّة

ما بعد الطارميّة
فاتح عبدالسلام
من الأمور الخطيرة التي تمرّ من دون أنْ يتوقف عندها أحد سوى أهالي الضحايا بصمت وغصّة، هو تحول الأسلحة الثقيلة بما فيها الصواريخ والطائرات والمروحيات إلى استخدامات مماثلة لاستخدام الأسلحة الخفيفة والأسلحة الشخصية العادية.
أول مَنْ جعل هذه الظاهرة متداولة هو الاحتلال الأمريكي في العراق حين كان يستخدم مقاتلات أف 16 ومروحيات أباتشي في تدمير منازل بحجة حصولهم على معلومات استخبارية عن وجود ارهابيين وهي التسمية التي اعتاد الأمريكان اطلاقها ومعهم الحكومات المتعاقبة في بغداد على المقاومة العراقية بكل أنواعها.
قبل أيام استخدمت القوات الحكومية المروحيات في قصف مساكن في الطارمية، وسقط جراء القصف ضحايات من الأطفال والنساء. وهي أول عملية من نوعها بعد الانسحاب الأمريكي.
يا ترى هل تستطيع حكومة في العالم باستثناء سوريا وإسرائيل في غزة طبعاً استخدام طائرات في ضرب أهداف مهما كانت طبيعة تلك الأهداف، داخل مناطق سكنية، ومن دون أن يجري مساءلتها من برلمان أو هيئة محلية أو دولية؟ هكذا يمرّ قصف المروحية مثل إطلاق رصاصة من مسدس صغير بيد مراهق طائش. لا أحد يسأل ولا سياسي يستفسر عن طبيعة الهدف العسكري والحربي في حي سكني لا تستطيع قوات المداهمات المستمرة أنْ تصل إليه.
هل يتوقف القصف عند الطارمية وحدها؟ وماذا سيحدث حين تصل طائرات أف 16 التي تعاقدت الحكومة على شرائها من واشنطن، وهي طائرات حسب الخبراء العسكريين لا تتوافر على التقنيات الموجودة في الطائرات المماثلة التي بحوزة إسرائيل أو تركيا مثلاً. إذن ربّما لا تصلح لشيء أكثر من هذه المهمات في تعقب الأهداف داخل المدن المكتظة بالسكان.
هل توجد جهة تحقق في حقيقة الهدف الإرهابي داخل الحي السكني؟ وهل يطلع البرلمان المنتخب ومجالس المحافظات المنتخبة على طبيعة العمليات الجوية ضد منازل عراقية؟ وأية ضوابط يمكن اعتمادها في تحديد نوع السلاح الواجب استخدامه ضد أهداف تشك فيها الحكومة؟ وماذا لو قررت تدمير الأهداف المقبلة بصواريخ أرض أرض فيما لو توافرت لديها. وهي مستخدمة على نطاق واسع في تدمير المدن السورية ولم يعد مفاجئاً أو غريباً انتقالها إلى العراق؟
هذه مقدمات الفوضى الأمنيّة، مقدمات الذهاب إلى حافة الهاوية، وعندها لا تنفع فتوى ولا مرجعية ولا دستور ولا تحالف ولا ائتلاف ولا أحزاب ولا انتخابات.
FASL