رواية متوالية الناصري
ما آلت اليه المخطوطة على يد الناسخ – عبد الحسن علي الغرابي
( ان الميزة الوحيدة الازمة لكي يصبح الإنسان فيلسوفاً جيداً هي قدرته على الدهشة )
فالعجب والدهشة تبهر المتلقي عندما يمتزج الأدب بالفلسفة ، ويمكن القول ، ان المؤلف سديد من الرأي ، غزير الانتاج ، وهو من بين الذين منّ عليهم الله حسن البيان ، وسيلان قلم الإبداع ، وثراء الصياغة كما حرص على التجديد في المعاني ، والابتكار في صور الخيال ، واعتمد على البيئة التي نشأ فيها واستلهم منها صور ووقائع أغنت جودة أحاسيسه . كان جاسم قد كتب القصة القصيرة منذ اواخر الستينات بنهج واقعي يستمد مادته من بيئته في جنوب العراق الناصرية كما يصفها ( نحن قوم نقطن مدينة أهم ما يميزها أنها مسورة بالمياه ، ترقد على كتف نهر قدسته الكتب السماوية ) ومعروف أن الناصرية وما يصطرع فيها من اشكالات إلا انه يكره الشر متجهاً نحو أفق إنساني ، ويسعى للخير ، ويروم تحقيقه ، وجعل أدبه يقوم على التأمل والفكر ولغة فصيحة متينة البناء ، بليغة الأداء .في عتبة الرواية « إشارة الناسخ « ص 14 (بين أيديكم ما اطلعت عليه من تدوين لمنشىء لم يثبت اسمه ، لذا ارتأيت استنساخ الأصل كاملاُ كما طلب مني ، بعد ان وضعت عليه عنواناُ رئيساٌ ، ثم احتفظت بالمخطوطة كمتن يمكن الرجوع إليها وقت يسأل سائل ، أو عندما تتطلب الحاجة والضرورة لذلك ، وهو نص سردي كما اتضح لي ، وربما لكم ايضاُ .
إني أنطلق من حقيقة ، كوننا جامعي حكايات ومؤلفيها ليس إلا ، وما انسخه لكم ، لهو بعض من هذه الحكايات ، قد تفيد في تأصيل حكاياتكم ، أو قد تكون مادة مجالسكم تتندرون بها . ( الناسخ ) يمكن ان تكن هذه الإشارة هي مفتاح باب الرواية ، وهو كشاهد من هذا الزمان ، اعتمد التدوين ، ليخلق اسطورة من قرية تأسست بعد سقوط النظام الملكي في الشمال الشرقي لمدينة الناصرية ، ويبدو الناسخ المدون رتب ابطال روايته في قرية أخذت تنمو وتتسع بخيال الكاتب ( الناسخ ) الذي قام على مزيج من المعرفة والتجربة ، وكأنه أقام في تلك المدينة فعرف الأرض والناس والأفكار من اجل أن تتضح صوره ،وتتبيّن اهدافه ، انها مدينة شرهان ومدينته هذه ، والتي سميت باسمه (…. ص 85 كيف بي وأنا الذي ما فرحت في شيء قط ، ولا حزنت في عسر أبداٌ ، إلا حزني على هذه المدينة وأهلها تحت سوط شرهان فمنشؤها جبّار وسافح بها الدماء … ) ــ والمدينة كما يصفها تلوذ بالصحراء والتيه ، لا تحدها سوى الأرض المنبسطة والرمال المتحركة ، والحاج شرهان احد ابرز وأهم أبطال متوالية الناصري طاغية مستبد ، سن القوانين ، وأصدر قرار المحرمات ووظف رجال يحرسونه ، ومن يدخل الى قصره لا يخرج منه ، وإن خرج فسوف يكون محمولاً على محفة الموت يشيعه الناس بأمر من شرهان الذي اشاع الخوف والرعب بين الناس ، كما جند في مدينته اعداد من المخبرين السرين كمجسات رصد تعمل ليل نهار لقمع معارضيه . ( ص 147 … قال : لم تجلس وحدك قم لنتسلى معاً ، فقمت معه قادني من ممر إلى آخر ، حتى بلغ باباَ مواريا ، دفعه فدخلت ، ثم صفق الباب خلفي ، وإذا بي اطالع كوماَ من الأجساد التي لا يصدر منها سوى الأنفاس البطيئة والأنين الخافت كانت منطرحة متباعدة عن بعضها ، يضمخها الدم المتشخثر، لا يقوون على الحركة . أما سعيد الناصري الذي اراد ان يكمل رسالة ألأخ ألكبير ، الذي كان يقود المعارضة فتمت تصفيته بقع رأسه ، ولاقى أخيه ذات المصير بعد نضال من أجل التغيير الهادف لإزاحة نظام الطاغية المستبد، الراوي كان رحب الأفق ذا ذهن مرن وخيال خصب اتقن عمله وصاغ اسطورة بفن طوع اللغة بسرد ممتع يبهر المتلقي ، ويدور مأخوذا بشغف لنهاية مفزعة .الرواية صادرة من دار نشر « تموز ديموزي دمشق « بمطبوع أنيق تضمن 198 صفحة بحجم متوسط .