ماقصة الموال العراقي الذي أرادت الوصول إليه ؟

 فيروز فنانة إحتلت المكانة المتميزة في قلوب المحبين

ماقصة الموال العراقي الذي أرادت الوصول إليه ؟

 صباح الخالدي

الفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز، صاحبة الصوت الشامل، الملائكي الصادح التي سطرت مسيرة فنية وإنسانية ممتدة لأكثر من ستين عاما قدمت خلالها حوالي 800 أغنية يحفظ عشاق الغناء العربي الكثير منها استطاعت ان تأسر قلوب العديد من مستمعيها في الوطن العربي ومعظم الدول الاجنبية واحتلت مكانة متميزة في قلوب محبيها من عشاق فنها الجميل والطرب الاصيل مما يدل على تميزها وقدرتها على على التربع على عرش الغناء على مر الاجيال المختلفة حتى الان تنال اغانيها اعجاب قطاع كبير من الشباب وتجدهم يرددها في مختلف المناسبات فصوتها جميل يخرج من القلب ليسكن مباشرة في القلب ..أسمها الحقيقي نهاد رزق وديع حداد، قدمت مع زوجها عاصي الرحباني وأخوه منصور الرحباني المعروفين بالأخوين رحباني العديد من الأغاني والأوبريتات وبدأت الغناء وهي في عمر الخمس سنوات و لاقت رواجاً واسعاً في العالم العربي والشرق الأوسط والعديد من دول العالم وهي من أقدم فنّاني العالم المستمرين حتى اليوم, ومن أفضل الأصوات العربية ومن أعظم مطربي العالم ولدت فيروز في حارة زقاق البلاط في مدينة بيروت في لبنان كانت تحب الغناء منذ صغرها، فكانت تجلس إلى شباك البيت لتسمع صوت الراديو من الجيران  حاملا أصوات أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب ، و أسمهان، وليلى مراد. وفي حفلة المدرسة التي أقيمت عام 1946 أعلن الأستاذ محمد فليفل أحد الأخوين فليفل اللذان لحنا النشيد الوطني السوري عن اكتشافه الجديد، ألا وهو صوت فيروز .. بدأت عملها الفني في عام 1940 كمغنية كورس في الإذاعة اللبنانية عندما اكتشف صوتها الموسيقي محمد فليفل وضمها لفريقه الذي كان ينشد الأغاني الوطنية  وألف لها حليم الرومي مدير الإذاعة اللبنانية أول اغانيها وكانت انطلاقتها الجدية عام 1952 عندما بدأت الغناء لعاصي الرحباني، وكانت الأغاني التي غنتها في ذلك الوقت تملأ كافة القنوات الإذاعية، وبدأت شهرتها في العالم العربي منذ ذلك الوقت وكانت أغلب أغانيها آنذاك للأخوين عاصي ومنصور الرحباني اللذين يشار لهما دائما بالأخوين رحباني فقد تعرفت فيروز وفي أروقة الإذاعة على عازف الكمان عاصي الرحباني، معه بدأت محطتها الثانية، التي تحولت مشوار عمر في أروقة الفن والحياة ألزوجية .. ، وفعلا تزوجت فيروز العازف عاصي ، الذي كان مشروع شاعر وملحن وموسيقي صاخب المواهب المتعددة ، وكأنه مع شقيقه منصور كانا بانتظارها لغزو عالم الفن الواقع تحت هيمنة مصرية بعد الخروج الفن المصري وتوسعة  اكبر من إي بلد أخر عربي لكن لبنان بصوت فيروز نالت الدفة ،لتنقل الفن اللبناني إلى عالم جديد بل والفن العربي أيضا .. بعد صوت أم كلثوم ..حين ميزت فيروز الأداء التعبيري لينقلا الاهتمام إلى مدرسة رائدة لبنانية، كسرت الأسلوب الكلاسيكي للطرب وأخرجت نوعا أصيلا وفنا عربيا تجرده من عوامل التعرية التقليدية  غنت  أغاني أكثر وبدأت تداعب في خجل أطراف أصابع الشهرة. قدما لها المئات من الأغاني التي أحدثت ثورة في الموسيقى العربية وذلك لتميزها بقصر المدة وقوة المعنى على عكس الأغاني العربية السائدة في ذلك الحين والتي كانت تمتاز بالطول، كما إنها كانت بسيطة التعبير وفي عمق الفكرة الموسيقية وتنوع المواضيع، حيث غنت الحب والأطفال، وللقدس لتمسكها بالقضية الفلسطينية، وللحزن والفرح والوطن والأم ، وقدم عدد كبير من هذه الأغاني ضمن مجموعة مسرحيات من تأليف وتلحين الأخوين رحباني وصل عددها إلى خمس عشرة مسرحية تنوعت مواضيعها بين نقد الحاكم والشعب وتمجيد البطولة والحب بشتى أنواعه وقد غنت لعديد من الشعراء والملحنين ومنهم ميخائيل نعيمة بقصيدة تناثري وسعيد عقل بقصيدة لاعب الريشة وغيرها، كما إنها غنت أمام العديد من الملوك والرؤساء وفي أغلب المهرجانات الكبرى في العالم العربي. وأطلق عليها عدة ألقاب منها (سفيرتنا إلى النجوم) الذي أطلقه عليها الشاعر سعيد عقل للدلالة على رقي صوتها وتميزه وبعد وفاة زوجها عاصي عام 1986 خاضت تجارب عديدة مع مجموعة ملحنين ومؤلفين من أبرزهم فلمون وهبة وزكي ناصيف، لكنها عملت بشكل رئيسي مع ابنها زياد الذي قدم لها مجموعة كبيرة من الأغاني أبرزت موهبته وقدرته على خلق نمط موسيقي خاص به يستقي من الموسيقى اللبنانية و العربية و الشرقية والعالمية واصدرت خلال تلك المرحلة العديد من الألبومات من أبرزها (كيفك أنت)، (فيروز في بيت الدين 2000) والذي كان تسجيلاً حياً من مجموعة حفلات أقامتها فيروز بمصاحبة ابنها زياد وأوركسترا تضم عازفين أرمن وسوريين ولبنانيين، وكانت البداية لسلسلة حفلات حظيت بنجاح منقطع النظير لما قدمته من جديد على صعيد التوزيع الموسيقي والتنوع في الأغاني بين القديمة والحديثة، ألبوم ايه في امل2010). مثلت في السينما 3 أفلام فقط هي : بياع الخواتم – سفر برلك – بنت الحارس , وقدمت المسرحيات الغنائية التي جذبت الجماهير أينما كانوا وهي : جسر القمر – الليل والقنديل – بياع الخواتم – أيام فخر الدين – هالة والملك – الشخص – جبال الصوان – يعيش يعيش – صح النوم –  ناس من ورق – ناطورة المفاتيح – المحطة – لولو – ميس الريم – بترا . تعاملت مع أبرز الملحنين والشعراء في الوطن العربي وقدمت نحو 800 أغنية ومنها الدينية وخاصة تراتيل الجمعة الحزينة وأغاني الميلاد ، والأناشيد الوطنية ، والأغنيات الرومانسية والأندلسيات . فيروز صوت ملائكي في زمانها الشديد الإعياء والمتقرب نوعا ما من الشعر الحديث المحتك بقبلات التغير من بعض الشعراء القليلين  جدا .. و الرحيل الزمن في الذاكرة الفنية، ليس من المحيط إلى الخليج فحسب، وإنما في العواصم العالمية التي تملك أدوات التصنيف والتبويب . فهي تعرف بالتأكيد أن رصيدها يكفيها ويفيض مع ذلك حين استمرت بالغناء لشعوره الفياض عن غيرها من الفنون ، وأنها أدت قسطها العالي في فضاءات الإبداع . لكنها على ما يبدو مسكونة بهاجس الاستمرار على قيد العطاء حتى آخر قطرة من عناقيد الغناء … فيروز لايمكن ان يحدها حد جغرافي فصوتها قد عبر القارات بامتياز ابداعي قل نظيره في العالم العربي لذا سعت دائما ان تحافظ على هذا الامتداد بكل تنوعاته الادبية والفنية مع الاخذ بعين الاعتبار خصوصية كل شعب ضمن ايقاع فلكلوره الخاص في سياقات ادبه الشعبي والفصيح وقد اختارت من مصر الحان سيد درويش الشعبية (الشمس طلعت )وغيرها من الحان الفنان محمد عبد الوهاب ومن فلسطين اخذت (يابو زلف ) وغنت العتابة السورية مع ايقاعات (الميجانا )وابدعت في كل الفنون الشعبية في بلدها لبنان وكان (المخمس مردود ) يعـّلم  بصوتها على نكهة خاصة وفريدة لايجاريها فيه الا الفنان الراحل نصري شمس الدين ولغرض الاقتراب من الفن والموسيقى العراقية وبلدان الخليج العربي فان فيروز مالت الى الموال ولكن بلهجتها اللبنانية الاصيلة حيث سطوة الموال العراقي وتمازجه مع الشجن الحزين الاسر في نظمه وغناه ولكن المعروف ان اللبنانيين واهل بلاد الشام ومصر, هم أميل بنظم الموال على خمسة اشطر والذي يسمى في العراق( بالاعرج او المخمس ) لذلك تراها قد أستهوت الموال الزهيري ذي السبعة أشطر  والذي يسميه اللبنانيون بالموال البغدادي فراحت فيروز تبحث عنه وأهدت اليه  اذ ان احد الشعراء اللبنانيين قد نظم لها موالا وهو نوع من الموال (الزهيري )نصه …

ياربع لي في حماك الغض عشرة صبا

غنيت في واحتك الحان حب وصبــــا

بنطر أينّسم علينا من رياحك صبـــــا

بذكر ملاهيك يليّ العشب بيــها ورد

بذكطر غدير الهوى بيطيب منّه ورد

ياسالــب الكلب أسمع مانغنـــي ورد

لعيوننا النور يليّ الكلب نحوك صبا

كل تفاصيل الموال ومعناه اكتمل بصورته الكاملة والمنظومة على اسس وقواعد المدرسة العراقية بنظم هذا اللون من الموال في فنون الادب الشعبي حيث تتطابق الوزن الشعري( البسيط )في هذا النظم وكذلك جناسات نهايات الكلماتفي كلا البندين اضافة الى توظيف (التدوير )في ربط معاني الابيات في النهايات الامر الذي توافق تماما مع نظم الموال في العراق لذا ما يؤكد ان الموال الزهيري هو فن شعري عراقي بأمتياز وجد في ارض الرافدين ومنها انتقل الى بقية الوطن العربي.