
ماذا يريد المتظاهرون ؟ – شاكر عبد موسى الساعدي
مذ كنت شابا يافعاً , كنت أكره نظام صدام حسين، وحزبه الفاشي , وكنت أتابع ما يقوله الدكتاتور من كلمات منمقة وخطب رنانة توعدنا بالخير الوفير والعيش الرغيد من خلال أجهزة أعلامه الموجه ( صحيفة الثورة والجمهورية ) وتلفزيون العراق وتلفزيون الشباب الذي يديره أبنه الأكبر عدي ، وكنت أتساءل مع نفسي دائما : لماذا يقول صدام خيراً ويفعل شرا , ولماذا لا يتعامل نظام صدام حسين مع الشعب بطريقة إنسانية، وبأسلوب تمتد إليه يد الرحمة والمحبة والإنسانية بدلا من يد القسوة والبطش والفتك والترهيب؟
ولماذا يعيش صدام حسين وحاشيته حالة من البذخ والنعيم في قصوره المغلقة التي أطلق عليها زوراً وبهتاناً ( قصور الشعب ) ، والتي يقيم فيها سنوياً حفلات أعياد ميلاده التي تكلف ميزانية الدولة مئات الملايين من الدولارات، في حين يجلس على الطرقات خيرة شباب الشعب العراقي ليبيعوا الحنطة والشعير المعفرة بالتراب , أيام الحصار الجائر في تسعينيات القرن الماضي .
لماذا يسمح صدام حسين لأولاده وأقربائه ومقربيه وحاشيته فقط بممارسة لعبة الحياة من أوسع أبوابها ولا يسمح للعراقيين باستنشاق هواء الحرية, سوى المواد الواردة بالبطاقة التموينية التي يحن إليها البعض ؟
وبعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003ومجيء أحزاب جديدة , أسلامية وعلمانية لم يكن لها ذكرٌ في خارطة الوطن، سوى حزب الدعوة الإسلامية والحزب الشيوعي العراقي .
لقد عرفت لماذا كان صدام حسين يحجر علينا، ولماذا يغتالنا، ويغتال أصواتنا، ويغتال أفكارنا، ويغتال عقولنا.
عرفت أن جميع الحكام متشابهون في أجنداتهم البوليسية والقمعية، في أكاذيبهم، في سرقاتهم، في اغتيالاتهم، وتصفياتهم للشعوب المتطلعة لنور الحرية، والعيش بكرامة وأمان.
لقد تيقنت إن كل الحكام الفاسدين، متشابهون في سلوكياتهم وأكاذيبهم، فهم ينظرون إلى كرسي السلطة نظرة تقديس وإلهام وعشق جنوني.
كرسيُّ السلطة في نظرهم هو الرب والقرآن الناطق وهو حوزتهم الدينية المقدسة وليست الحوزة الدينية في النجف الاشرف التي أطلقت ولازالت تطلق مزاميرها التنويرية – الأسبوعية لهؤلاء الحكام وتحذرهم من غضب الجماهير الجائعة .
لقد أصبح أعلى درجات تفكيرهم وحماسهم (كرسيُّ السلطة ) وهو الهدف الذي من اجله يسيل لعابهم، ولأجله يكشفون عوراتهم، وما دون الكرسي فهو باطل، ومن ينتقد سياساتهم الفوضوية، أو يتظاهر لنيل حقوقه المغتصبة، فهو في نظرهم مرتد وخائن،بعثي أو شيوعي أو مدسوس من دول الجوار.
ابناء الوسط
ويتظاهر أبناء الوسط والجنوب العراقي ذي الأغلبية الشيعية على حكوماتهم المحلية وعلى حكومة بغداد منذ 8/ تموز / 2018 حتى الآن مطالبين الحكومات المحلية والحكومة المركزية بالخدمات الأساسية ( الكهرباء والماء والبني التحتية ) وتحسين المستوى ألمعاشي لهم ولعوائلهم , واستحقاقهم من قانون البترو دولار.
لقد بلغت إيرادات النفط الشهرية ما يقرب من 7,5مليار دولار, ولكن الحروب والفساد لم يبق علينا شيءً وليس في اليد حيلة سوى التظاهر الأسبوعي كل جمعة في ساحة التحرير أو أمام مجلس المحافظة الذي هو بحاجة إلى إصلاحات جذرية .. وكما قال الفيلسوف الايرلندي جورج برنارد شو ( 1950 – 1856) أن الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل لآن الأغلبية من الحمير ستحدد مصيرك )).
خيانة عظمى
والتظاهرات في العراق ليست وليدة اليوم , كانت تجري في العهد الملكي والعهد الجمهوري لغاية عام 1968 عندما جير نظام البعث من خلال أنصاره ومريديه التظاهرات لصالح النظام ومصالح البعث وعدا ذلك خيانة عظمى يحاسب عليها القانون بالموت رميا أو شنقا بعد التعذيب وقد يمتد التعذيب إلى عائلتك من خلال هدم الدار ونفي الأهل خارج المحافظة كما حدث مع الانتفاضة الشعبانية عام 1991.
والعراق الجديد عاش تظاهرات مليونية سلمية من جديد منذ منتصف العام 2015 تقودها القوى العلمانية والليبرالية العراقية , وأخيرا دخل الساحة التيار الصدري متمثلا بالسيد مقتدى الصدر كأكبر قائد شعبي ديني مؤثر في الساحة العراقية , الذي حول التظاهرات إلى اعتـــــــــصام أمام المنطقة الخضراء اعتـــبارا من يوم الجمعة 18/3/2016 من اجل أصلاح الحكومة ومكافحة الفساد والفاسدين الذي عجزت عنه كل الأجهزة الرقابية الحكومية ومعها المرجعية الدينية في النجف الاشرف التي أنبح صوتها وأخذت حسب ما أعتقد قسطاً من الراحلة لتعود من جديد.. والسؤال الذي يطرح نفسه, ماذا يريد متظاهر الوسط والجنوب العراقي ؟ هذا السؤال نطرحه على المتظاهرين والحكومة أنفسهم لغرض الإجابة عليه لأننا كشعب وصلنا إلى درجة اليأس من الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق مــنذ عام 1963 حتى ألان. كما قال عالم الاجتماع العراقي علي الوردي( 1913- 1995) (( مادام السلطان الظالم محاطاً بالفقهاء وهم يؤيدونه فيما يفعل ويدعون له بطول البقاء فمتى يستطيع أن يحس بأن هناك أمة ساخطة).


















