مأساة الذي عاد إلى الوطن ثم عاد إلى الغربة ولم يعد

مأساة الذي عاد إلى الوطن ثم عاد إلى الغربة ولم يعد

قائد النعماني ضحية الآلام والأحلام

محسن العزاوي

بغداد

وأنا أشاهد مسلسل (رسائل من رجل ميت) استذكرت قائد النعماني ، هذا الفنان المتنوع والقادر على أدوار الحب والشر والسذاجة بمقدرة عالية برزت في الأدوار التي اسندت أليه سواء في الفرقة القومية للتمثيل في بدايات التأسيس عام 1968 أم الفرق الأهلية – فرقة 14 تموز ، وهكذا انطلق قائد منذ البدء بقدرة أدائية عالية ولاسيما عمله مع مخرجين محترفين يتسلون بذكاء الطريق الذي يؤدي بالممثل للنجاح والشهرة ، فقد عمل ممثلاً تحت قيادة المرحومين أسعد عبد الرزاق ووجيه عبد الغني في فرقة 14 تموز ولا ينسى دوره في مسرحية (الدبخانه) المسرحية الشعبية التي لازالت مشاهدها راكزة في أذهان كثير من المشاهدين في دوره المركب من السذاجة والتلقائية الممزوجة بكوميديا بعيدة عن الإسفاف ، فما كان من الفنان قاسم محمد ألا أن يلتقطه في مسرحيته الشعبية الناجحة (كان يا ما كان) في دور حسن أبو الباكله) التي صنع منها قاسم محمد من حكاية قديمة دراما صراع هدفها الكشف عن قدرات الناس التي تكمن في حرصه أن يتواصل مع الحياة كإنسان قادر على أن يحول حياة الجنون إلى العقل السليم …

شكل قائد (رحمه الله) في البدء مع الفنانين القديرين سامي قفطان ونزار السامرائي صحبة فنية صادقة سواء في المسرح أم السينما أم التلفزيون .. فأدرك كل منهما بعد مسيرة حافلة بالعطاء معنى الكوميديا والمأساة فأبدعوا في أدوار متنوعة محلية وعربية وعالمية ، كانت أبرزها من إخراجي (نشيد الأرض) ومسرحية (باب الفتوح) التي برع فيها الثلاثة كأي الممثلين المحترفين على المستوى الرفيع ولكن الاثنان قائد وسامي ضلا متمسكين بمقولة رائد المسرح العالمي (قسطنطين ستافلافسكي) والقائلة: (ليس هناك دور صغير أو دور كبير إنما هناك ممثل كبير) وقربها بحق الاثنان إلى أن وصلا ما وصلا أليه الآن ، فقائد لم يتقاعس يوماً ما في فرقته عن أداء دور صغير إلى أن بلغ الأدوار الكبيرة فصاغ منه إبراهيم جلال وجاسم العبودي المخرجان الأكاديميان المحترفان ممثلاً أكاديمياً خصوصاً بعد تخرجه من أكاديمية الفنون الجميلة منتصف السبعينات وكذا الحال مع القدير سامي الذي تمثلت له عبارة شيخ المخرجين الروسيين.

في عام 1986 حصل الفنان المسرحي قائد فليفل النعمان على إجازة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمدة (4) سنوات اثنان منها للماجستير واثنان منها للدكتوراه ولست متأكداً فيما إذا أكمل الشوط الأخير للحصول على هذه الشهادة أم لا وبعد سنتين عاد إلى العراق على أمل تمديد الإجازة الدراسية وبمسعى من الفنان المرحوم طعمة التميمي الذي شغل آنذاك منصب معاون مدير عام عاد مرة أخرى كلورادو – أمريكا ولا أعرف الدوافع التي جعلته متغرباً داخل الاغتراب الكبير في أمريكا حيث توجه إلى تكساس للحصول على شهادة الدكتوراه ولكن الأبواب كانت مقفلة في وجهه كما اعتقد في وجهه فأضطر للعيش في (لوس أنجيلوس) مستأجراً غرفة متواضعة عله بوجوده وسط أجواء هوليود سيحصل على الفرصة الذهبية ، وبالفعل بعد جهد كما حدثني عنه صديق (عندما كنت في دورة فنية ثقافية في الولايات المتحدة) بأنه ربما سيشارك في مسلسلات ولكن بأدوار ومهمات متواضعة من أجل الحصول على المال. فشارك في فلم (الملوك الثلاثة) الذي حدثني عنه زميله في الدراسة د. عبد المطلب السنيد ..

واجه قائد صعوبات متعددة كما حدثوني هناك فاضطر لإعطاء محاضرات لم تكن تغني أو تسمن من جوع. شاءت الفرصة أن يستذكره الفنان حسن حسني فاسند له دور رئيسي أمام الممثل السوري في مسلسل رسائل من رجل ميت.

كان لقائي معه آنذاك في دمشق تشوبه الدهشة والحزن حينما نظرت إلى وجه قد تحول لونه إلى رماد ، ولكن إرادة قائد وقدرته في تجاوز هذا الاختبار الصعب قام بالدور بأداء رائع فاق الممثلين الآخرين.

عاد قائد بعد شهرين من العمل في المسلسل وبعد مضي قرابة الستة أشهر سعيت له لدى المنتج السوري القدير صلاح طعمه ولكن لم تكن الدعوة قد وصلت إلى قائد لأن هذا الفنان الشاب المقتدر قد فارق الحياة بالسكتة القلبية.

فعادت به زوجته وأولاده إلى كولارادو لدفنه في أرض الغرباء ، مضى على وفاة قائد النعماني قربة الثلاث سنوات ولازال منسياً ممن لا يعرفون قائد فليفل النعمان.