كلام على الماشي شعوذة
حسن النوّاب
تسود الشعوذة وسحر العرافين في الحياة عندما يعجز العلم عن تلبية رغبات وتطلعات الناس، اضافة الى سلاح فتاك آخر يسهم في الترويج لهذه الظاهرة الغريبة الا وهو الجهل الذي يهيمن في عقول بعض البشر. ارتسمت هذه الخواطر في رأسي خلال متابعتي فضائية عراقية يشرف عليها رجل امتهن الفن الحقيقي منذ نعومة اظفاره وقدم للمشاهد برامج ثقافية ومسلسلات ترفيهية ربما اشهرها مسلسل كان موجها للأطفال والذي جعل حتى الكبار يتابعونه لخفة ظله ورسالته الثقافية المهمة، على هذه الفضائية تابعت قبل ايام بشيء من الذهول برنامجا يقدمه احد الممثلين العراقيين المعروفين الذي نكن له التقدير والاحترام، وقد استضاف عطاّرا شعبيا وعصريا يدّعي ان بوسعه شفاء الناس من جميع الأمراض التي عجز الطب من ايجاد علاج لها، وكان هذا العطاّر بملابسه المدنية وطريقة حديثه التي لا تخلو من المداهنة والفهلوة يجيب عن اسئلة المتصلين بسرعة ويشخص امراضهم قبل ان يعلنوا عنها بعد تحويل اسم المتصل مع اسم امه الى ارقام فلكية ولم يكتف هذا العطّار العصري بتقديم الوصفات السحرية للمتصلين انما اسدى خدمة عظيمة للمشاهدين حين اخبرهم عن وصفات اجتماعية يمكن من خلالها ان تسيطر المرأة على زوجها وذلك بجمع اظفاره مع اظفار الهدهد وحرقها عند الغروب واعطاها خفية مع الماء الى زوجها وسترى انه سيتحول الى خاتم في اصبعها وبثقة مفرطة اعلن عن وصفة اخرى يمكن للأم ان تسيطر على ولدها من خلال جنجلوتية طويلة وعريضة شرحها على الهواء مباشرة، لقد دهشت حقا من قدرته العجيبة على اقناع الناس بما فيهم مقدم البرنامج، وكدت اصدق قدرته الخارقة شخصيا لولا فطنتي ان بدالة الفضائية هذه كانت تستجوب المتصل عن مرضه ثم تهمس للدرويش العصري به والذي يبدأ بجمع وطرح ارقامه الفلكية ثم الاعلان عن المرض الذي يشكو منه المتصل امام دهشة المشاهد الذي انطلت عليه اللعبة، هذه الظاهرة الغريبة التي تروّج لها هذه الفضائية، ذكرتني بكتاب كولن ولسن الانسان وقواه الخفية، وبكتب قرأتها منذ امد بعيد عن علم الباراسيكولوجي، واذكر منها ان طفلا بلغاريا كان يستدل على مرض الانسان الواقف امامه بوضع سبابته على موضع الداء مباشرة، الأمر الذي حير العلماء واكتشفوا ان هذا الطفل يحمل في جسده شحنات كهربائية عظيمة جدا لكنها لا تسبب الأذى لأي كائن يلمس جسده، واذكر في طفولتي اني حضرت لعرض سحري قدمه الساحر الشهير مالك، ورأيت بأم عيني كيف انه تمكن من رفع فتاة بالهواء بعد تنويمها مغناطيسيا وادخل حلقة دائرية وحركها من رأسها الى قدمها ليبرهن للمشاهد انها محلقة بالهواء بدون اي مسند، كما انه وضع عصابة سوداء على وجه رجل واخضعه الى التنويم المغناطيسي ثم نزل الى الجمهور واخذ بطاقة احدهم وطلب من الرجل المعصوب العينين ان يذكر رقم البطاقة واسم حاملها ونجح الرجل من ذكرهما بشكل صحيح وكرر العملية على معظم الجمهور وسط دهشتهم، لكن الذي لاانساه مافعله العراف الهندي الذي زار بيت عمتي حين جاءت سيدة تطلب منه المعونة بالكشف عن زوجها المعتقل والتي لا تعرف اية معلومة عنه، وتمكن بعد خلوة مع نفسه من الاتصال بالمعتقل من مكانه تلباثيا، ثم اخبر السيدة انه بوضع جيد وان الحرس الذي يقف على زنزانته يتعاطف معه كثيرا، وسيطلق صراحه خلال يومين، وكانت المفاجأة ان الحكومة اعلنت بعد يومين عن عفو عام عن السجناء، وجاءت تلك السيدة حاملة حلية من الذهب بثمن باهظ وقدمتها هدية للعراف الهندي، لكن الذي حدث معي كان شيئا مضحكا حقا، حيث كنت في كل اجازة اهبط من الجبهة وامضي الأيام السبعة باحتساء المنكر بافراط انتقاما من حياتي المهددة بالزوال في اية لحظة على السواتر المتقدمة من الحرب، الأمر الذي جعل والدتي رحمها الله ان تلجأ الى احد السحرة وتجلب منه وصفة سحرية توقف رغبتي بشرب الخمرة وهكذا وضعتها بكأسي دون علمي، لكن الذي حدث ان رغبتي باحتساء المنكر ازدادت اضعافا، ولما عادت للساحر واخبرته ان الأمر ساء اكثر، اجابها الساحر اني روحي اقوى من السحر، وقد اعترفت والدتي بهذه الحكاية بعد ان يئست من امري، ولا ادري اذا كان للسحر اي تأثير على الساسة في الوطن، فلنبحث جميعا عن تعويذة سحرية نضعها امام المنطقة الخضراء عسى يتركوا صراعهم المستميت على الكراسي وينتبهوا لمرة واحدة الى معاناة الناس. لكني على يقين ان جيبوهم ملأى بالتعاويذ التي تجنبهم اي مكروه اضافة الى الخواتم التي تحتل اصابعهم العشرة والحسود في عينيه خازوق.
/7/2012 23 Issue 4258 – Date Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4258 التاريخ 23»7»2012
AZP20
HSNO
