كلام على الماشي المشردون
حسن النوّاب
فوضى عارمة تجتاحني من كل حدب وصوب بعد انتقالنا الى بيتنا الجديد، اجهل كل شيء عن المنطقة، ولا أملك وقتا بسبب مشاغلي في البيت حتى اهتدي الى مكاتب الأنترنيت لأنجز بعض المستلزمات المهمة والواجب توافرها في كل بيت، شبكة التلفاز بحاجة الى اعادة نصب، وحنفيات المطبخ والتواليت والحمام بحاجة الى بعض التحوير خاصة نحن المسلمين الذين لا نشعر بطهورنا كاملا مالم نشطف في الماء بعد قضاء حاجتنا، وعناوين من ينصب شبكة التلفاز وينفذ فكرة الحنفيات المحورة لا يمكن ان اعثر عليها الا من خلال النت، والنت مازال مقطوعا عن المنزل، انتهزت فرصة قدوم جريدة البلدية الى صندوق بريدي وعلى صفحاتها الأخيرة عثرت على عناوين اصحاب الحرف الذين ينفذون نصب شبكة التلفاز وتصليح الحنفيات، كانت اجورهم باهظة جدا وكسرت ظهري ولم يكن امامي الا الموافقة على مطالبهم من اجور مجنونة، ولكم ان تتخيلوا ان نصب حنفية جديدة في التواليت كلفني اكثر من ربع مليون دينار عراقي والحبل على الجرّار، رئيس تحرير جريدة الزمان اللندنية الطبعة الدولية بعث لي رسالة قصيرة يسأل فيها عن عدم ارسال مقالي في الأسبوع الماضي، قرأتها على عجل في احد مكاتب النت، وكتبت له ان اموري مخربطة جدا، ولكني سأحاول ارسال مقالي هذا الأسبوع، وها انا اكتب بهذا المقال ودرجة الحرارة في جسدي النحيف تتراوح بين التسعة والثلاثين وثمانية بالعشرة، وتهبط احيانا بعد تعرّق غزير يغزو جسدي، اجل ايها القراء الأعزاء لقد اخترق جدار المناعة الواهن في رئتي فايروس لعين مستغلا فترة الصيام التي ازوالها هذه الأيام وجعل تنفسي صعبا مع سعال حاد، ويبدو ان العقاقير الطبية التي اتناولها بعد الفطور لم تتمكن من ايقاف خبث الفايروس في جسدي حتى هذه اللحظة، وربما لا يصدق البعض ان جسدي يتدثر ببطانية صوفية وعرق يتصبب من جبهتي اثناء كتابة هذا المقال، لقد اكتشفت ان غياب النت عن المنزل قد شلّ كل الفعاليات الإنسانية التي كنت امارسها من قبل، والأبناء طغت على نفوسهم الكآبة لأنهم فقدوا الإتصال مع بأصدقائهم وصديقاتهم، ولدي تبارك امضى ليلة امس خارج المنزل حتى الصباح لينجز بعض الدروس المطلوبة منه، وهي المرة الأولى التي لم ينم في المنزل، كما ان العائلة كانت تنتظر رؤية مسلسلات رمضان عبر خط النت بالاتفاق مع شركة تجارية، ولغياب النت ضاعت عليهم فرصة المتابعة، مثلما ضاعت على حضرة جنابي مشاهدة مبارايات كرة القدم في اولمبياد لندن، انها محنة سيئة مازلنا نعيشها، اليوم وصل النت لكنه بطيء جدا، بسبب موقع بيتنا المنخفض في المنطقة لكني مع كل هذا لعنت الشيطان وقلت ذلك اهون من اخواني السوريين المشردين في الخيام عند حدود البلاد، وعند حدود تركيا والأردن، اجل ايها القراء لقد قلب غياب النت حياتي مع العائلة رأسا على عقب، ولكن ترى ماذا يقول اولئك الذين تركوا منازلهم الدمشقية العامرة بكل شيء نهبا للصوص وفروا بجلودهم مع اطفالهم الى خيام تكاد تحترق من هول لهيب شمس آب، او احبابنا من العوائل العراقية الذين تركوا الجمل بما حمل هناك في سوريا وعادوا بحقائب فارغة الى الوطن، طوبى للمشردين في كل مكان .. ترى هل كانت عائلتي منهم؟ لا أدري.
/8/2012 Issue 4276 – Date 13 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4276 التاريخ 13»8»2012
AZP20
HSNO