كلام على الماشي القس جون
حسن النـوّاب
بعد انتقالنا الى بيتنا الجديد في ضاحية قريبة من المحيط الهندي، كان لا بد من استطلاع المنطقة والتعرف على مراكز التسوق فيها ومكتبتها العامة والمركز الصحي الذي نراجعه بالمجان، فهناك بعض المراكز الصحية تستحصل من المراجع مبلغا لايستهان به مقابل مراجعته الى الطبيب ثم تسترجع نصف المبلغ من دائرة الضريبة بعد اسبوع، لكن معظم المهاجرين يفضلون مراجعة المراكز الصحية المجانية واخص بذلك الفيتناميين الذين تراهم في كل مركز صحي ينتظرون مقابلة الطبيب كما لو ان امراض العالم لا يحلو لها السكنى الا في اجسادهم، خاصة وان سعر الدواء رمزيا مادمت تحمل بطاقة المديكير ، الوقت الذي تصل سنويا عبر البريد رسالة تخبرك بالغطاء المالي الذي تصرفه الحكومة مقابل علاج اسنانك، والواقع ان تكلفتي للحكومة مقابل وضع بعض الأسنان وحشو بعضها الآخر بمادة البلاتين بلغ اكثر من سبعة آلاف دولار قبل سنتين، ومنذ الأيام الأولى لانتقالنا تعرض ولدي الصغير الى وعكة صحية حادة، تطلبت نقله الى مشفى الأطفال ليلا، وخلال انشغالي بتحريك السيارة فوجئت بشخص طويل القامة بوجه شمعي انعكس على ملامحه الوديعة نور مصابيح السيارة يتقدم نحوي ويسألني بلطف بالغ ان كنت بحاجة الى مساعدة، شكرتهُ واخبرته بحالة ولدي الصغير، ويبدو ان الشخص الغريب اثار انتباهه صياحي على ام الجهال لأنها تأخرت بصعود السيارة، فجاء الى مساعدتنا، في مساء اليوم الثاني طرقت الباب ورأيت الشخص نفسه امامي، ابتسم بوجهي وألقى تحية المساء ثم وضع بيدي كيسا من الخبز الطازج، عرفت محتوى الكيس بعد ان سألته عما في داخله، ثم اردف قائلا انا قس لكنيسة قريبة منكم وان داري يواجه منزلكم واشار بيده عليه، وتمنى لنا اقامة طيبة بهذه المنطقة الجميلة، شكرته وقبل ان اغلق الباب سألني بقلق عن حالة ولدي المريض فأجبته ان حالته الصحية بتحسن، ربما يعتب بعض القراء الآن ويسألني موبخا، كيف لا تستقبله في منزلك وأنت العراقي الذي شرب ماء الفرات ؟ واقول ان منزلنا ساعة قدوم القس كان بفوضى كاملة ولم تستقر قطع الأثاث في محلها وشعرت بالحرج لأني لا اعرف اين استقبله؟ بعد يومين حضر مرة اخرى وارشدني الى شجرة بحديقته تنتج ثمر الينكي دنيا اللذيذ وقال لك ان تقطف من الشجرة ما تريد للأطفال، شكرته ودعوته مع عائلته لوليمة عشاء في منزلي وقلت له ستكون على انغام المقام العراقي، شعر بالبهجة والسرور لكنه اعتذر بأدب جم لأن زوجه مصابة بالانفلونزا ويخشى من انتقالها الى افراد عائلتي، واستمر القس جون وهذا اسمه يحمل الخبز الطازج لنا كل خميس، قلت له في آخر زيارة ان دخلنا الشهري مقبول ويمكن ان تمنح الخبز لأناس احوج منا، تبسم بحرج وقال أوزع الخبز على جميع البيوت القريبة من داري للتقرب من سيدنا المسيح ولا علاقة لذلك بالمستوى المعايشي لتلك البيوت، قلت له نحن في بلدنا نوزع الطعام على العوائل الفقيرة وخاصة في رمضان تقربا الى الله، أجابني أجل أجل انها نفس فكرتي كلنا نسعى التقرب الى الله، ولما سألته عن حالة زوجه الصحية، قال إنها مازالت اسيرة الأنفلونزا لكنها تتحسن، تمنيت لها الشفاء وذكرّته ان دعوتي لهما على العشاء مازالت قائمة، ولما انشغل العالم الاسلامي بثورة من الغضب على الفيلم المسيء للنبي ص وصلت تداعياته الى استراليا، اطل القس جون مساء الخميس يحمل بيده كيس الخبز ولاحظت على وجهه علامات الخجل، لكني لم اعلّق على ذلك حتى قال بصوت مرتعش بالحزن سيدي اقدم اعتذاري على ما جرى من اساءة الى نبيكم محمد، فوجئت باعتذاره وطلبت منه الدخول الى المنزل .. لكنه اعتذر وقال زوجتي تحسنت حالتها .. سأجيء معها بوقت قريب لتناول العشاء معكم ونقدم اعتذرانا مرة اخرى. حين انصرف القس رفعت رأسي الى السماء اللامعة بالنجوم وقلت كم أنت جميل يا إلهي، لأنك جعلتني هنا.
/9/2012 Issue 4306 – Date 17 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4306 التاريخ 17»9»2012
AZP20
HSNO