
كأس من عصير الكتب – براعم علي العگيدي
النجوم كثيرة و متناثرة كأنها تلعب “الغميضة”، كل نجمة تختبئ في مكان، خلف الشجرة، عند الغيمة، بجانب القمر، لوحة إلهية رسمت بإبداع، الهواء يداعب اوراق الشجر الصفراء، حفيفها حزيناً وكأنها تطلب منه الرفق بها، فهي على شفى حفرةٍ من الموت. القمر يشارك النجوم لعبتها، ينظر لَهَا مبتسماً، كقطة ٍتطالع صغارها وهم يلعبون. استرجع نظري للكتاب بعد شرودٍ في لوحة السماء، لا جديد، لا جديد، الكتاب مغلقٍ بألف قفل، ويحتاج لألف مفتاح، لا يريد إعطائي معلومة واحدة، أنه يسخر مني ويعلم أني لا التجأ إليه لأخذ المعلومات، بل للهروب من ثرثرة الصمت، الصمت الثرثار، يحشو أذنيّ بصراخٍ وبكاءٍ وضحكاتٍ قديمة، حين كان لدارنا باب، ولطعامنا لذة، ولشرابنا متعة، حين كان لصيفنا شمسٌ لاهبة، ولشتائنا مطرٌ غزير ولخريفنا أوراق يابسة، ولزهور ربيعنا عبيرٌ فوّاح، اهرب من سيوف الصمت الذباحة، لأوراق صفراء لا تنطق، لقد عرفت الكذبة، وأيقنت أني أغشها، أسلط عليها عينيَّ من خلف عدسات شفافة لكني لا اراى فيها سوى البياض، أو الصفار، نعم، صفارٌ بلون رمال الصحراء. اغلق الكتاب وأغمض عينيَّ بقوة، بقوة، بقوة، هيا اخرجي أيتها الذكريات، انسحبي أيتها الصور، تلاشي أيتها الوجوه، فأنا وحيدة أحتاج الكلمات، المعلومات، لا الذكريات، هيا تلاشي، افتح عينيَّ بكل قوتي، أنا الآن جاهزة، افتح الكتاب، واقرأ بصوت جهوري، واستخرج عُصارة الورق وأحشو بها العقل والأذن والعينين، عُصارة الكتب، نعم أنها العلاج الأمثل لمرض الوحدة، نعم، أتناول ورقة وقلم، سأكتب علاجاً للوحدة، لنكسر القواعد الكونية، وليكن المريض هو من يصف الدواء، على ورقة بيضاء أخط اختراعاً لن تعترف به منظمة الصحة العالمية، لكنه الأقوى والأمثل والأوحد، كأسٌ من عصير كتابك المفضل كل ساعة، وبعدها، أعدك بأنك لن تعود وحيداً.



















