قصائد المناسبات وأخرى بغير ألوانها – نصوص- رزاق ابراهيم حسن

مهرجان شعري تضامني في بغداد

قصائد المناسبات وأخرى بغير ألوانها – نصوص- رزاق ابراهيم حسن

خطر في ذهني وانا اصغي للقصائد التي قدمها شعراؤها في مهرجان دار الشؤون الثقافية العامة تضامنا مع قوّتنا المسلحة الباسلة في مواجهة تنظيم داعش الارهابي التكفيري الطائفي.

 وبمناسبة يوم الشعر العربي ان الشعر في العراق الذي يخصص ويلقي في المناسبات لم يعد يهتم ويكرس نفسه للمناسبات كما هو الحال في المراحل السابقة، وهذا الواقع لا ينطبق على مهرجان دار الشؤون الثقافية وحده فقط، فقد حضرت العديد من مهرجانات المربد وبعض المحافظات وكانت الحوادث والمناسبات القريبة من اوقات انعقاد المهرجانات تستدعي من الشاعر ان يكرس قصائده لها او ان يكون قريبا منها، وان يخصص بعض الابيات والمقاطع لها ، ولكن الشاعر غالبا ما يتجاهلها وكأنها ليست من اهتماماته، وكأن المهرجان نفسه غير معني بها.

وفي مهرجان دار الشؤون الثقافية لم تكن المناسبة غائبة تماما، فقد القيت قصائد عن الاستشهاد، وابتدأ المهرجان بكلمة لمدير عام دار الشؤون تحدثت عن اهمية حضور الادباء والشعراء والمثقفين في معارك تحرير الارض العراقية من رجس ودنس اعش الطائفية التكفيرية، وما الحقته من دمار في الموروث الحضاري العراقي، وفي النسيج الاجتماعي العراقي، وكانت الكلمة عميقة الصلة بالمناسبة ودور الشعر فيها وذلك ما ينطبق على كلمة الناقد الاستاذ الدكتور فليح الركابي التي تطرقت الى دور الشعراء في متابعة الحوادث والمناسبات السياسية وانهم كانوا يمارسون ذلك على امتداد تاريخ الادب العربي، وكانت هذه الكلمة من الفعاليات الضرورية، خاصة وانها مكرسة للشعر والمناسبة التي عقد المهرجان لها. وتسد مثل هذه الكلمات بعض الفراغ الذي قد يشعر به البعض من قلة القصائد المكرسة للمناسبة، اذ تشعرك بان المناسبة ليست مذكورة في اللافتات المزروعة في قاعة مصطفى جمال الدين فقط، وانما هي موجودة في الكلمات والعديد من القصائد، فهناك قصائد غير بعيدة عنها مثل قصائد الشاعر حيدر الدهوي والشاعر مضر الالوسي، والشاعر عبد راضي والشاعر رعد البصري وكانت من اكثر القصائد قربا من المناسبة والشاعرة غرام الربيعي والشاعر كامل الزهيري وقصيدة رزاق ابراهيم حسن واود بهذه المناسبة ان اعتذر عن الالقاء المتلكأ للقصيدة، اذ كنت مريضا، دون نظارة طبية، وكنت قد حفظت اكثر ابيات القصيدة ولكنها لم ترجع الي الذاكرة بسبب سوء الوضع الصحي. ولم تكن القصائد الاخرى لنضال القاضي وفرح الدوسكي وراوية الشاعر والدكتور عبد القادر جبار بعيدة كل البعد عن المناسبة، ذلك ان المناسبة جزء من الواقع العراقي واجواء هذا الواقع، والشعراء لا يأتون بقصائدهم من الفضاء الخارجي، ومن الخيال المنعزل وعن الواقع، وانما يأتون بقصائدهم من هذا الواقع المفتوح على اكثر الاحتمالات غرابة ودهشة ووجعا وجرحا، والمفتوح على ما هو متفرد وجديد من الالام والاحزان والمفاجآت السياسية والشعرية.

ولكنني وانا استعرض لمحات وبقايا من قصائد القيت في العديد من المهرجانات اجد ان من المناسب ان اشير الى ان سنوات ما بعد التغيير القت العبء والخيار على الشاعر، فهو من يكتب ويختار القصيدة التي يقدمها للمتلقين وليست المؤسسة التي تقيم المهرجان، والمؤسسة تدفع ما يترتب على المهرجان من التزامات مادية دون ان تطلب من الشعراء عرض قصائدهم عليها، واختيار قصائد معينة صالحة للمناسبات، وذات اطناب وثناء للمسؤولين. ويحدث ان تتطرق بعض القصائد والشعراء الى جوانب ايجابية ومبالغات (مدحية) لهذا المسؤول او ذاك، ولكن مثل هذه التصرفات لا تصلح للتعميم، ولا تنال من المدعوين الاهتمام الذي يجعلها صالحة للاقتداء. وما دامت المسؤولية تقع على الشاعر في كتابة والقاء ما يختار من قصائد، وما دام الواقع العراقي يواصل تقديم الوقائع والمفاجآت ذات النزوع الشعري والصور المدهشة وتقدم المناسبات المعبرة عن تراكم في هذه الوقائع والمفاجآت فاتني الى تجاهل هذا الواقع خسارة كبيرة للادب والثقافة، وحالة فراغ في مسيرة هذا الادب، واجد في الوقت نفسه ان مثل هذا (الاهتمام الشعري) يقدم فرصة ثمينة للتحرر من المدح الكاذب، ومنح غير المستحقين اطنابا من الثناء والصفات التي لا تصلح لاحد من عباد الله في هذه المرحلة الرهيبة والضاغطة والمؤلمة والمتشظية في فرائح ومواهب الشعراء. وتعالوا ايها الاصدقاء والاساتذة الشعراء ان نتعاون جميعا في ابداع اجواء لا تعطي للمديح الكاذب الزائف و(المصلحي) اي اهتمام وان تصنع لغة تمتلك دقة وجمال وفخامة ومدهشات لغة المتنبي ولكنها تتم بمعزل عن مدحه، وعن قطعه المسافات الطوال بحثا عن اغراء الممدوحين، ولنذكر ان المتنبي من افضل ما خلق الله من شعراء ولكنه خسر نفسه، وخسر مستقبله الشعري العظيم بسبب مدحه وهجائه، وليكن الموثق من شعر المتنبي تذكرة خالدة باهمية هذا الشاعر وانه اغلى واغلى واغلى من الملوك والامراء الذين لعبوا بمصيرنا، وصنعوا الحروب لقتلنا وقسموا وطننا الى اجزاء من الضعف والهزيمة والحرمان والعاطــــلة.