قراءة عن خريطة العراق بين قصيدة وقصة – نصوص – نجاح هادي كبة

قراءة عن خريطة العراق بين قصيدة وقصة – نصوص – نجاح هادي كبة

 القصيدة للشاعر مروان عادل حمزة ، والقصة لرغد السهيل ، كتب مروان قصيدة بعنوان ( أكثر ما يهمني هو أنفها ) وكتبت على إثرها القاصة رغد السهيل قصة قصيرة بعنوان (أنف التفاحة ) في مجموعتها القصصية ( سايكو بغداد ) الصادرة العام 2013م nالقاهرة .

وكلا العملين يصبان في فكرة واحدة هي : المحو الذي أصاب نهايات خريطة العراق الجغرافية إذ اقتطع جزء عزيز شبهه الشاعر بشكل معين فارغ أو مثلث مقلوب ، إذ يضع الرؤساء دائما أنوفهم فوقه حين يتماهون مع خريطة العراق ، قال الشاعر :

تُرى !!

كيف سيكون شكل الخريطة بعد كل هذه الحروب !!

أكثر ما يهمني هو أنفها

يضع الرؤساء دائماً أنوفهم مكانه

يطرقون على رأس الخريطة

لتأخذ شكل رؤوسهم

ويشيخون

فتتبع الحدود خطوط تجاعيدهم

بضربة مفاجئة رسم الشاعر خريطة العراق كاملة غير منقوصة كما هي في الذاكرة الجمعية العراقية باسلوب استفهامي ، قال :

تعرفون كيف كان شكل الخريطة قبل عراقيين ؟!

كان يتعلق بأذيالها جزء

كأنه معين فارغ أو مثلث مقلوب

فحدث أن أفلتته يد السياسة

وليكن تسوّغ السياسة فعلها المؤلم عمدت إلى قلب الحقائق ، قال :

وتخلّت عنه الكتب الجديدة

ولم يعد يرسمه أحد

في الواقع

هذا ما يحدث للأجزاء التي ترسم بطريقة تمهد لفقدانها

في الواقع .

وبعد أن مهد الشاعر للوحدة العضوية ، تأتي الضربة المفاجئة الثانية ، قال :

هذا في الواقع ما يؤكد أننا لا نمتلك خريطة تشبه القديمة أبدا

وأننا أيها الممتحنون

قد نضطر إلى أن نستبدل خريطة مع كل رئيس

يأخذ الشاعر دور معلم في القصيدة ، حين ينبه بإسلوب إرشادي مدرسي على ضرورة أن يرسم الطلبة الخريطة الأصلية لكي تأتي الضربة المفاجئة الثالثة ، ليكمل رسم الوحدة العضوية للقصيدة ، قال :

فلا تسلموا دفاتركم

حتى تتأكدوا

من أنكم رسمتم أنف الخريطة أولا .

في هذه النهاية المفاجئة رسم لنا الشاعر لوحة بانورامية على شكل قصة قصيرة ، لخصت وعمّقت الألم الذي يحز في النفوس على محو جزء عزيز من خريطتنا الذي شبهه الشاعر بشكل معين أو مثلث مقلوب.

وتأتي قصة رغد السهيل بعنوان (أنف التفاحة ) لتتأثر بهذا الاحساس وتعمّقه لتعمّق هذا الإحساس من طريق التناص ، فتصوغ منه قصة قصيرة مهداة إلى ( الأخ مروان عادل ) وتتحدث بلغة السارد الذاتي وغير الذاتي ، إذ تبتدئ :

 – أبي يعرف كل شيء ، انه يحفظ كل الكتب ، وسيعلّمني كيف أرسم هذه الخريطة/ص: 29 فالجو المدرسي ترسمه القاصة أيضاً ، لكن باسلوب مغاير للجو المدرسي الذي رسمه الشاعر ، قالت :

يحمل كتابه صوب قلبه ، يقفز كأرنب صغير ..

تباً لدرس الجغرافية ، كم هو صعب ، يمسك المدرس مسطرة كبيرة فيثير خوفي ، أبي لا يفعل هذا ، فهو دائما يسهّل عليّ الصعب / ص : 29 .

حين أشارت القاصة إلى خريطة العراق ضمنت السرد بمشهد آخر ، قالت :

التفاحة الحمراء على حافة المنضدة ، نجوم البدلة العتيقة خلف الباب ، لعلها تختنق من الغبار ، تقابله ، تقابلها على الحائط لوحة معلقة ، داخلها خطوط كثيرة وأسماء مدن ، مؤطرة بإطار خشبي / مروان يجلس على الأريكة المقابلة للمنضدة ، يقرأ صحيفة / ص : 29 nولكي تلج القاصة صلب الموضوع قالت على لسان الابن : بابا … أرجوك ساعدني ، لا استطيع رسم هذه الخريطة ، أنها غير واضحة ؟

وبعد أن يدخل مروان في دوامة هي دوامة غموض القراءة ، قال الابن :

– بابا … بابا كيف أرسمها ، لماذا أنت صامت ؟ / ص : 30

في انتقاله لرسم الجو العام الخارجي لتربطه القاصة بالجو الداخلي ، قالت :

دوي وصفارات ، هياكل حديدية محترقة .. غزت المدينة الصناديق الخشبية ، الخشب البخس ، وانتشر الورد الأسود / ص : 30

لكن مروان يستسلم للقدر ، قالت القاصة على لسانه :

– نعم يا ولدي ، ارسمها كما هي بالكتاب هكذا ، ويحرك القلم على ورقة بيضاء ، تأبى أن تطاوع فيها الخطوط ، يسقط القلم . / ص : 30 .

لكن مروان لا يطيق صبرا ، قالت :

فجأة ينتفض مروان كعصفور بلّله المطر ، ويتوجه نحو لوحة الجدار ، يرفعها بيديه يرميها أرضا ، ينتشر زجاجها في المكان ، سيصرخ الآن بقهقة ساخرة ، أين الأنف المثلث في الخارطة ؟ / ص : 30 .

لكي تزاوج القاصة بين المشهدين : مشهد التفاحة ومشهد الخارطة والربط بينهما بنتيجة واحدة ، قالت مذكرة بتفاحة آدم :

– تسقط التفاحة من على المنضدة …

– وأنت أيتها الملعونة سر كل سقوط ، ما معنى الوجه إذا سقط الأنف ؟ / ص : 31 ثم تتراءى لمروان أشكال مثلثات من نفث دخان سيجارته لتذكر بالمثلث المفقود من خريطة العراق ، قالت :

تبدأ التفاحة محاولة التوازن ، تترنح قليلا ، ثم تعتدل وأخيرا تتحرك ببطء خجول .. تمَّت المهمة … ينحني مروان يلتقط التفاحة بين يديه : نعم . وأنا دائما دوري أن أتناولك بنهم : / ص : 32 .

…. وقضم مروان الأنف المثلث : /ص : 33 .

فالشخصية المركزية ( مروان) عكس واقع الشخص العراقي إذ لا يملك إلا الغضب كاحتجاج تجاه محو جزء من أرضه .