عندما سقط الكتاب من يد نورس ـ نــور الدين البصري

عندما سقط الكتاب من يد نورس ـ نــور الدين البصري
قدمـي الشمال تلتمس الدرجة المثلومة بحـذر..الدرجة السابعة في السلم الضيق، العتيق الشبيه بدهليز، وظهري، كانه عار يلتصق بالجدار الخشن، وبحـــــزم استقرت القدم الشمال؛ فانتزعت ألأخرى صعــودا .
زجرته بصوت غاضب أغرب، ان فهت بسّرنا سأذبحك. شحبت بشرة وجهه، وارتعش، بدنه الضامــر، وبصعوبة بالغــة لملم بقايا شجاعـــة، وقال في صوت متحشرج تستطيعين ياابنة سعا..د، عند ذاك، أدركتني شبه طمأنينة؛ فخاطبت نفسي أترانـي أزحت ساميا عن وجهي تمامـــا .
قلت بصوت طفولي باك، ولكنه رقيق، عذب.،وكفـــــي الصغيرة تتعلق بثوبها أمـاه لم هجرنا بابا ؟ حدجتني شزرا ، وقالت تفه..لك وجه يشبه وجهه المنحوس اغربي ؛ عندئذ فررت الى ركن مجاور باكية بحرقة. .
أرتقي الدرجـــــــة ذات الحافة الحادة، القاسية، يستقر قدمي ألأيمن فوقها برصانة، وأرفع قدمـــــــي ألأخـرى، ونــداء ايناس يتعقبني، يرتقي سلالم لا تحصى الى أذني، وقلبي، وكنت مأخوذة، ومنشدهة بغواية اللعبة، والتأرجح في أنشوطة الضيــــاع المحتفيـــة بأهليتها تــحت قدمي.
لديها نقود كثيرة، وهي لا تعمل، ولوكانت تعمل، فلن تكسب من عملها ما يعادل مقــدار تلك النقود التي في محفظتها.. أتراها، ألآن، مع آخــر؟. أيه أمـه رغم الشكوك التي تشاكسني، الا انني لا أنكــر ان شيئا من الحب لا زال ماكثــا في القلب يهتف أماه،أرجو أن لا تنتزعيه يوما بالأستغراق بالتهور..اجل، التهــو.. ؟ .
سامــي ما أنت الا حشرة ضارة، قرادة، وانانـــــي بائس، سألجم فمك مثلما تلجم افواه الحمير التي تجــر العربات في اللأزقة القذرة في المدينة .
أختبر بقدمي ظهر الدرجة ذات الحافة الحادة، يقشعر جلد ظهري لملمسها..اكفُ، يناكدني الشعور بالبوار، كانه قريب من الشعور بنكســــة، أشعر بعبثيــــــة كل شيء، بلا جدوائيته، فأخاطب شبح الفتاة التي لم أنسـها لن تدركي سرّي يا نورس، وكأني لم أبح به لك، مثلما لم أبح به لسواك، أليس حرمني متعة سرور عظيم أنجزه ذلك النجاح الباهــر في دار المعلمات، في خضم الهواجس، وألأنتكاسات، ولم يأسر ابتسامة صغيرة الى فمـي المزموم عـــــــذرا نورس..عذرا .
أرفع قدمي الى الدرجة التاسعة، المتشققة، انحرف مع طيف سكينة الظل، مع تسرب ريح باردة بموازاة الجدار، الصق ظهري بخربشـاته، دافيء.وحــار، وأشعــــــر كأنـــــي ألتصق برجل قروي عار ؛ ابتعــد.
أين عثرت عليـــــه..أم تراه هـــو الذي عثر عليها؟. ألأمـــر سيان، كأنها التقطتـه من مواخير نتنة، ربما كان هناك، يبحث في قمامة عن متع رخيصة، ياه..له جلد خشن، يبــدو، وهو عــــــــار كوحش ضار، وبدائي..نياندرتا ل، رأيته، وهو يهصر عودها، ويحتويها في حجره، ويهيمن عليــــها هيمنة أخطبوط هيغــو
1ــ أو عنكبوت عملاق يقبض على فريسة، فتختفي بين ذراعيه،وتطلق آهة مخنوقة آه زالــم.
2 ــ والخنزير يبتسم، يعكف على مداعبتها في كفين شوهت احداهما الحرب،وهي تئن آه زالــم ، ويضج في عبثه غيـــــــر آبه لمصادر انثيال الرغبة المحمومة، والنيران المتأججة، وهي تنكمش تذوب في بحـــــــران اللا وجــود،وغسلين القذارة .
الدرجة التالية العاشرة، ذات شق طــولي، تحركني رغبة لا مسؤولة اليها، كأني أندفع الى ظلال وارفة، وأروقة منتشية بالحبــور، بينمـا ساقي الشمال دب فيها خدر لذ يذ ، لن اهــوى الى الحضيض، لن اسقط، وتلك الدرجة نفرت منها ألأقدام، كانت وقحة في قلقها. أين وليّت وجهك ألأسمــر سمرة أراض مسبخة يا سعيد يابن الودود نفيسة ؟. وانت لو لم أحبك يا نورس لكففت عن السؤال..اهجرك، أم أمك مريضة ؟..أف من تراه الذي هجرني ؟ لا أحد البتة، من يهواني، ولي وجه دميــم، شبه رجولي ؟ لا أحــد، تبتسم نورس على مضض، و..تنفــــــرج المسافة بيننا، لكنها لا زالت تلفح وجهي بدفء أنفاسها أشيــــع انك ستقترنيــــن بابن عمـك وشيكا ؟، نفيت النبأ بهزة من رأسي، وسمعتني أتنهــد، من ابن عمي هذا،بل من هو عمي، انني لا أعرف لي عمــا في تلك المدينة المقرفة، وقراها البائسة، وأبي لم أعـد أعرفـــــــه، أوأميزه من بين الرجال،لقــد هجرنا منذ سنين، ومحقت صورته من ألذهــن، ولم يعد وجهي يشبه وجهه الا في مواطن بارزة لا يمكن أن تغيبها مساحيق التجميل، وقد هجرتها مؤخرا،بــل بت على عـــداء معهــا، كذلك هجرت المرايا، مبتعدة عن رؤيته في مأذونية غير محدودة الى الدرجة العاشرة،يتبعني صوتـــــــها، يجيء محملا بأوزار فجيعته،، محاكيا صوت أنوار.
3 ــ وكانت أتمت، بعد وقفة طالت خلف مرآة أمـي المشروخة، زينتها، ولم يقرع، بعد، ســالم الباب بكفه المشوهة، وقد أشارت عقارب الساعة الى الواحــدة ظهــراً، وقعـــدت في مكانها، وهــي ترجو لقاء الرجل في أبهى حلة لديها.وامي قالت ان صديقتها الحميمة ايناس، ستمكث أسبوعا في بيتنا، وهاء مضت تسعة أيام وهي لا زالــت غائبة؛ صرخت عصر أمس، وكان ســــالم أمامي، في سورة طائشة محملة بالغضب، والغيض أيها الخنزير، أين ولت وجهها؟ ولم أسمع له صوتا، ثم رأيته، في المرآة المشروخة، واقفا خلفي، بدا وحشا ، أو ضبعــا قذرا ، يرسل أنفاسا ثقيلة، لم ألتفت، وكان يهرش شعـر راسـه الغزير، بأنامل قذرة، ولما أدبر هتفت به أين ولّت ؟. تنحنح، ملتفتا الى ناحيتي، وقال ببرود، ووجهــــه حزين، وهو يبسط كفه لا أدري .
حينما تجرأ سامي، وأطل من فوق الجدار، خيل لي انه يهم بالقفز من فوقه، الا انـــــــــه همس، وعيناه تتوسلان مالذي جعل عيناك تتوسلان ما الذي جعل فؤادك يقســو ؟ التقطــت حجرا ، وقذفته،الا اني أخطأت هدفي، وقد اختـــــفى حالا ، ولما استدرت رأيت ســعيــــــدا يراقب ما يجري، حذرتــه أغرب أنت ألآخـــر .
سألت ايناس، في اليوم ألأول،من اقامتها في بيتنا، وكأنها تعاتبني متى تتزوجين ياسـت
رباب؟. أطرقت، بينما انشغلت في وضع قرط ذهبي ثمين في أذنهــا، قالت ضحـــــى ألأمس ألأول، انــــه الذكرى ألأثيرة المتبقيـــة لها من زوجها، وكأن عينيها تعيــــدان السؤال قلت فـي استخفاف غير ملحوظ في القريب العاجل، سألت،مرة أخرى ممن؟ اجبتها، بعد آهة قويـةمؤلمة من الشيطان. أطرقت متنهدة، ثم قالت بنبرة غالبها شعور بالمرارة لقد رحـل رياض في وقت مبكر . سألتها، بعد أنّة أقتله الغزاة أيضاً؟. لم تهتم لسؤالي، وأكملت، بأنفـــــاس منبهرة كان زوجاً مخلصاً . واعتصمتُ بالصمت، وهي تشكو تركني للعذاب، ومضى لــم أتعاطف معها، وكانت عكفت تعالج دموعها، وتموهها ببنان مرتعشة.
أيقضني صوت ضحكات خلفي، التفت، على اكراه، رأيت فتى بعود ضامر يرفع رأســــه الصغير،ويمسد قذالـه، كان يشبه طائر الهدهد، أبطأت خطواتي، وداخلي يغلي حنقاً، ولمـــا أصبح الى جواري نهرته تنق نقيق ضفدعة قذرة أي سام ِ . رد متلعثماً ألا ترين لا زالت بي لك رغبـــة، ومنفعـة ؟ بصقت، وهتفــــت به تباً لمثل تلك المنافع. وتلكأ في مشيتهِ ممسداً جبهته أسىً، ثم رأيته يتقهقـر. .
الدرجة العاشرة تكرهني على ألأنسحاب نزولاً،أو ارتقاءً لا جدوى منه،تلامس قدمي موطئاً ناعماً تحتها كثيراً ما زلتّ عنه ألأقدام، أو ألأحذية الملساء الى ألأسفل..أواه..انها الدرجــــــة الحادية عشرة اذن وفي ألأسفل لازال صوت ايناس عذباً وهي تغني، وكأني أتحـت لها نهـزة لتتمتع باطلاق عقيرتها تنفيساً لما تعانيه من مرارةهذه ألأيام، يتبعني صوتها ببحته المحبوبــة متهدجــاً، مرةسمعته كهديل باك يشكوبلوعة عذاب فرقة،وكأن فيه دعوة ملحّـة أجدني أتقهقرالى الدرجة السادسة المنحوتة الحافة ، أقف، بلا حراك فوقها ؛ أسبر غـور هزائمنا المــــــرة التي أقامتها قوى قاهرة ضدنا، اصغي الى رقـّة جرس الصوت بوية..عيوني.. ظلت الروح تلوج يساعدها ألله ..والقلب مالوم، يا وليفي ما لـــــوم… أيه أموّه دمعة، وروحي لازالـــت تشهق بالحنين آه بابا ولا زال الصوت ينساب ثراً مع الحروف المنقوعة بمزيج مــن التعاطف
، والذهول ليتصدع على جـدر ألأنثيالات، وألأنشطارات القاهــــرة، ثم يتيبس فوق الشفاه التي جزعت القبل المتملقة.
يرتعش بدني بقوامه المهيب، كأن الكتاب، تواً، سقط من يد نورس أرضاً،وكأني، أيضاً، أسمعها تقول، بعد أن تأملتني في دهشة،وأنا أقف على مقربة منها أنضي ملابسي ما أبدعه من قوام..فينوس أشرت لها بحركة بطيئة الى وجهي، فقالت لست ِ دميمة الى الحــــد الذي يجعلك حزينـة، وهو يشفع كثيراً في السريــر، ودمك محبوب ؛ فعلام الشجى، والغم؟ وهنـــاسترت عريي، وكبت آهــة ملأت جوارحي قيحــــاً.
همس ســـــعيد، في لهجة متملقة، مغالطة في أذني ما بك سوءة..انــي أعشقك أطلقت ضحكـة خلت من مشـاعر ألأتشراح أف..أف يابن المداهن ولكنه وكد، فــي لهجة، لم تظفر في تغييب وجـه الحقيـقة المؤلم بل قلت الحقيقة. رفسته بقدمي، وانا أشجـب نفاقـه ما أنت الا كـــــــذاب ومنافق، ولا تختلف عن الآخرين. ابتسم غير مبال بمرارة النقد الجــارح، وكنت أبتسم متعالية عليه، وعلى جراحي التي أمســـت كثيرة، الا انـــــي وجدت نفسي، بعــد بضعة دقائق فوق جناح سحابة بيضاء، يغيبنــي، عمـا حولي ضباب كثيـــف، تحملني السحابــة ألى أعالٍ ســـــــحيقة، حجبت ناراً حارقة عن جسـدي، ووقتنــــي عن لهب مهـلك، ثم لم أدر كيف هتفت بــه، وقد رأيتني أسقط من عالٍ الى مستنقع آســن، وموحـل تفه..أي سعيد أي خنزيـر قـذر ؟. وأبصق الى جواري مستهجنة زيف هذا ألأطراء، والتعويض المجـّرد من الأنصاف .
و..قبل ذلك كان السرير فارهاً، معطراً بشذى جذاب، عبق مغتصب من رياحين حلم لا يؤول، أنتقي من مزاجه رشفات نزيرة نادرة أواه زالم كان استنجاداً مسحوراً تحت مساقط ضوء وردي، وأنا أنزوي خلف الكـواليس، او الفاصل الصفيحي، وقد بدا كجدار هزائمي، أو الدثار المهلهل، وغرفتــــي المجتزأة صغيرة، ومهجورة، الهث لهاث جرو ضاميء، مصغية الى عزيف هزيمتي المتكابر، يأزني الضبح المتواصـل،والتأوهـات المترنحة، في فورة أشتباك مسعــور، وغنة الصوت الناعم، المتوسل، وكان قدرياً ينساب من بين تلافيف الضوع، منبهراً تحت شلالات النور،وحبات العرق البلورية فوق جبهتها،والجيد،مترنماً على أنغام نكستي اواه زالم..زا..زا..زال..أي ابن زناة أنت، زان ٍ، ووقح دائماً، ولك الغلبة بن الكلبة المتوحشة .
و..أسقط متهالكة، تمنعني قوة من الهروب الى دهليز السلم، لألتصق بجداره التصاق عنكبوت مخيف، ليحتك ظهري بالجدار، لآعانـق ذلك القروي الجا ف، وأنفس عن الآهات المحتقنة في صدري، وحيث أعلن افلاسي في حمــق لا رادع لـه، بينما المأفون سالم يلفضها لفظ نــواة من الثمرة، وبدت أشبه بدودة حقيرةملتمّة على نفسها بوجه ممتقع، مفتقرة، تماماً،الى قـــــوى تسترد بها أرباحها الفاشيّــة، ولكنها ذهبت أدراج الريـــــاح، وهو الى جوارها يلعق جراحة، ووجهه يشهر بيارق قوم همج، أوسمات شبق قردي .
قال سعيد، وكان يقعي لا هثاًٍ ككلب لحقــــه جـرب عــلام تضحكين، بصقت عليه، سقط البصاق فوق ذقنه، وكنت منحته ظهري علام ياخرع..يانصف رجيل، كانك جندي هرب من ساحة معركــة ضارية . هتف يروم انصافا ، ولو لمرة واحدة ومن رأيته اقتحم أسوا ر عكا
يا ست؟ تأوهت،ولم يسعني الا أن أغمغم أواه،أيها أل parsit أيها المنتن . وهنـــا أطرق أمام أقسى هزيمة لحقت به، وقبيل ذلك، رأيته ككلب سائب، طاو ينهش فريسة غزتها أمـواج ريح زمهرير عاتية، ويدي تتشنجان، تأزني رغبة حمقاء لكتم أنفاسه المتلاحقة، وخنقـه، ثم حمله، ليلقى من فوق سور سطح الدار الى قمة تعترض الزقاق جثة هامدة .
الدرجة السادسة المنحوتة الظهر، الموطوءة على عجلة، تشدني اليها،الا أن رغبة طارئــة
خذلتني، لأجدني مرتكزة فوق السطح المتقعر للدرجة الخامسة، ولهنيهة أذرها الى الدرجــــة الرابعة،أنتصب فوق سطحها المنكفء الى جهة الشمال، يستقر أحد القدمين فوقها، وظهــري يلتصق، هذه المرة بعذوبة، في الجدار،وكان دافئاً دفء جسـد معافى،منتظم ألأنفاس،وايناس
كفت عن الغناء، ونادت من مكان قريب أي ست رباب، وجاء صوتهـــا في رقته الصبيانية، أنثويا في عذوبته، ضاجاً في غنجه، معلناً عن دلال مخذول ؛ لم أستـــجب لنداءهـا، وكأن يداً قاسية تأخذ بخناقي، وجاء صوتها، مرة أخرى متعرشـا على حبـــــال الرجاء،متحامـلاً على أساه، وغربته..مجرجـــراً أذيال خسارة لا يمكن أن تعوض في زمن ما بقــــــي من العمـــــر
آه..بويـــه.. عيونـــي آه يا لمشه، ولا قال
مودعكم اللـــــــــه..والقلــــــب ما لــــــــــوم
تتبوأ الشكــوى جوارحي، يتقاسمني ألمان، يندفع أحدهما في حنين مـجتمع القوى ليتشتت في سورة من ألآهات، والتنهدات، والزفرات، أضــغط ظهري الى الجدار، يلتصق بــــه بحميمية، خشية أن أهوى آه..بويــــه .
منذ أعــــوام غاب،..توارى، ولم يلمح له ظل،، أويبقي لي منه رائحة، هجــر مدينتنا الشمطاء، اختفــــى عن أحلامي الصغيرة، ولم أرَ له ظلآً، أيضاً، في المرايا ؛ وقد انشطرت ألأقاويل انشطاراً فاســداً، فقد قالوا أقام في البصرة،..في السماوة.. وفـي الكوت، بينما وكّد نفــر آخـر انهــم عرفوه يقطن حياً من أحياء الفقراء فــــــــي مدينة الرميثة، وحكي انه اقترن بزنجية، وعا ش سعيداً معها، بلا مناكدات، وأصبـــــح أبــــاً، نسينا، ونسي غرام الغيــــرة وغرور أمـــي بجمالها، وتباهيها بنفسها عليه، مثلما نسى منغصات الأيام في مدينته الشطـرة، واصفـــــاً اياها بمدينة الفقر، والنفاق، وألأعراب.ولأيام طويلة امتد ت معي الى اليوم الذي هجرت فيه المرايا، خيل لي انني لا زلت أراه فيها، حتى نشأت في البلعوم غصــة، هربت منها الى مساحيق الزينـــــــــــة، الا اني وجدتني أشوه وجــه أبي، وكان هجر المرايا، وتخلى عن الحضــور من خللهـا، الا ان ذكراه لم تمح من الذاكرة الطفولية، وكان مكث في شبابه، وسيما ، لا تقترب منه شيخوخــة.
لا زلت أحتفظ له بصورة غائمة، أو كأنها تكمن خلف تيارات من الضباب، وحدها أذنـــي احتفظت بحرص بجرس صوته الهادىء، لم أنس كيف نهرها جزعاً اغربي عن وجهي،وهي
قبالته، متحصنة بكبرياءها، وغطرستها الجوفاء، متعالية عليه بجمالهــا، والذي قادها دون أن تنتبه الى الهوان، وقد اعتمل الغيظ في صدره، فصاح جزعاً لأغربن عن وجهـــــك اذن، مادمت لا تغربين . وغاب، لم يوصد الباب خلفه مثلما كان يفعل،ولم أدرك،الا في وقت متأخر معنى هتاف أمي خلفه شهــّـــم ، قالت ذلك في لهجة غاضبة، وكأنها تشتمه.
لم تحزن لغيابه، وشرعت تغيب عن المنزل، ودخل ســالم ، ليس بعد فتــرة متأخرة عن غيابه الى منزلنا ، قالت بلهجة صارمة انه زوجي، اعتصمت بالصبر، والصمت خجــلاً
كان سالم تحسين هذا سائق سبارة فولغا قديمة، نال البلى، والصدأ منها منالاً شرساً، فـي خلوة، مع نفسي، قارنتها بحياتنا، دهمتني سحب ألأحزان، شهقت ألمــاً وا أبتــاه.. أتدري، لقد دخل ألأغراب، الزناة، الى دارك . ثم سألت ببلاهة كيف ستسير ألأمـــور بعدك أبتاه؟.
أرتقي الى الدرجة المنحوتة، وأدنو من عتمة الظلال القابعة في جلابيب الأيام ألأولـــــــى، والصوت العذب الحزين يمخــرغياهب الماضي، وبطاح الضياع، يطاردني حزيناً في جبلتـــــه
، مؤلمـاً في مناكداته، يدفع بي، بلا كلل، الى ألآفاق ألأولــى، أشعـر بحنين غير منقطع الــى وجه نورس، فأ تـشمم روائح أيام دار المعلمات، ومساءاتها النديــة، تتوه نظراتي في آفــــاق مموهة، لا معنى لكل ما حولي هذا اليـــــوم..آه.. .
وقع ألأقدام عابث، ومنفر، يلا حقني باصرار، يجاريه صدى ضحكات ماجنــة، تطلـــق بلا حكمة، أو ورع، ثم يصدمني الصوت متغزلاً
هيفاء مقبلــة، عجزاء مدبــرة
يكمل صوت آخــر ساخراً
لا يشتكي قصـر منها ولا طـول
حذائي يقرع بلاطات متصدعة، متكسرة في مواطن، أندفع موزعة البال بين التزام الحــذر
من التعثر، وبين كراهية الغزل الزهيــد، المستعار5 ثـم كيف يتخلى ألأحمقان عن رغبتهمـا، ولا زالت خطواتهما تتعقبني، كأنها خطوات ثعالب ماكــرة، وبعــد اجتياز البلاطات المهشمة ، أصبح أحدهما الى جواري، وقع خطواته يؤلبنّي لأستنفار قواي العضلية، الا أن هذا الفتــــى هـزّ رأسـه أســفاً، وغمغم هـه..دميــمة .، بعدئذ شيعتني ضحكات ماجنــة، أدمـت، بسفود قاس قلبي، ومهجتــي، وتركتني أغالب غصــة الحقيـــقـة المرّة من جديـد، علـــى وقع النكــأ المتناوب .
قدمي الشما ل تتململ فوق السـطح ألأملـس، أراوح، كاني أقف في رمضاء بوادِ قفـروكانت ايناس كفت عن الغناء خيفة منها على صوتها الجريح،انــه يتحمــل عبـأ ألأحزان وحيـــــــداًً،
وهنا،كأن نورس تباغتني باطلالتها البريئة، تهمس بأسى لم يلا حقك الشعــور بأنك دميمة؟،
قلت، لأني دميمــة، أطرقت وهي توكد لي، بصوت حزين في وجهك ملاحة، ورقــّة،وعفّــّـة
توشحمها كبرياء. ,رأيتها تكشف عن ساقيـــن نحيليـــن ا كأنهما عصوان جافان , ودعتني الى تأملهما، تأوهت، وأمرتها بستـر نفسهـا.
صوت ايناس يعلو، متواطئاً مع الصمت، والسكينة المستتبة في المنزل، لم يخرقه سوى مــواء قطــة، وهنا شكت بلهجة برمــة أواه.. أين ذهبت يا ست رباب ؟وساد الصمــــت من جديد، وتناهى وقع خفيها يتجـه الى الحمــام، ومن هناك رفعت صوتها، فقطع طريقــــــه الى أذني شجياً، يشكــو وحشة، وغلباً لماذا تأخرت يا سالـم؟. أجاب بصوت متعب كنت أبحث عنها. واختلفا الى الحجرة، وسمع الباب يرسل صريراً شاكياً.
أنامل سعيـد عبد سيد تدرك طريقها الملتوي، تجيء في شبق قردي متوارث، تجيء، تنسحب في حركة، بشطحات جنونية، نزقة، وصوته يعاني مرارة الحرمان أميرة . وتنزلق كفه ِالى رحاب ضمأى،تغمرني، في غفلة،بوادر نشوة سرعان ما تنطفأ، يهمس في
أذني لأنقب عن كنوز لم يعثر عليها بعد أطلق آهــة، أذره يعبث في تلال نافرة، وذهنــــــي منصرف الى أهــدافه الفاسـدة ُ لم أدر كيف أصغيت الى صهيل خيول، تضج في فلوات مزهرة، وتضبح في أرض بكــر منسّية، أثارت حوافرها غبار الأيام الراكدة، متحــد ية، انبري قائلة لنفسي لتذهبن سعدة الى جحيم، وكان يلهث لهاثا مسعوراً أبتسم، وأقول ساخرة هـــلا تزوجتني أيها الديوث المشرد ؟ يلهث، ويلتقط أنفاسه ليجيب آه..لو لم تكن ســـــعاد أمك .
أرفسه بقدمي الشمال تفه يا بن المداهن، بياع السمن المغشوش .
وجهها محتقن بالدماء، ويده التي شوهتها الحرب تزيل حبــــات العــرق عن جبينهــا المشرق،تحدثه هامســة، ويدها تداعب شعـر صـدره الكث، غمغمت مع نفـسي، في سـورة
شعور بدوران متعـدد العلل عاهرة يومــا عاهــرة كل يـوم 6 ينبهنـــي صوتها الغنج سنفترق الى حين من الوقت، وبعد ثوان قال لا تنسنا، ضحكت، وكان الســــرير يصـّرتحـت
ثقل جسديهما،وهي تهمس كيف ينسى المــرء أصدقائـــــــه ــ ثم سمعت ضحكة متوحدة في الصمت المطبق .
صوت ألأقدام ينبهني الى قدومها، أفتح الباب أجدها أمامــي،تسأل في لهجة مستنكرة
ــ ماذا تفعلين ؟.
ــ أقــرأ.
احتجت ببرود
ــ فوق السطـح..ما تقرأين ؟.
قلت بصوت حازم، وشديد
ــ نعـــم؟.
أشارت، وقد جعلت الكتاب بيننا
ــ أخبري سالماً انني لن أعــود مبكـــراً.
استدارت، وهبطت عبر درجات السلم الضيق بحذر العّجل، القلـــق، وهي تشتـم البناء الذي شيد السلم قبل مـا ينيف على الثلاثين عاماً مضت، مبقية شيئاً من عطـرهـا مروحاً في المــكان، ورأيتني أتبعها، وكانت بين الدرجة الخامسة، والرابعة .
أتململ فوق الدرجة الثالثــة، ثم أعافها الى الدرجة ذات السطح المنحرف،أقف لاهثة،وقميصي
يلتصق بظهري المعروق، أتكأ الى الجــــدار، كاني أشعـــر بدوران، ثــم أنفصــل عنـه، كانت ملامسته مقززة، أصغي الى صوت الماء المهمي من صنبور الماء فوق جسـد ايناس الطليــق في الحمام الضيق، أشعـر، كأني أختنق، ألآن،بين جدرانه، ورائحته القديمة،المنفـرة، تلك المنبعثة من مسامات حجارته ألتي تحتفظ برائحة ألأجساد عبر ممر تأريخ المنزل القـديم هــذا.
وأرفع قدمـي الى الدرجــة المثلومة، يمر نظـري، باستسلام، على أسماء، وذكريات قديمـة، خطت بحروف سوداء رديئة المشق، أشعر بي معلقـة بانشوطـة في قبـو نصف مضـــــــــــاء، وجسدي تعصف بـفخامتــه طيوف ألأمس، في موجات حمى، ودوار، تشويــــه رياح، مثـلما تشوي الريح السموم حجارة الحقول صيفا ، بل أشعرني أتقد بين يدي رجل رأيته مرة واحـدة في حياتي، وهو يقطع الطريق مهموماً، كأن ألمــاً يعتصر قلبــه، ووجدانه، رجلاً،خيل لـــــي، انه القادر الوحيد على احتوائي، وحمايتي، وكنت أحترق، أتحول جمراًً متوهـــــجاً في أتون مثلث ألأتقــاد، أيه..لكني لا زلت أرتعش، كذبالة فانوس أمام الريـــــــــــح، اهتز فوق الدرجـة ذات الشــــــق الطولــي ، ويوقظني هاجـس ما من ذهولــــي، وكنت أشعرني حبة من مسبحـة ثمينة انفرطت،وسقطت في غور مظلــم، أيه، بل هو صوت اينا س،يتحصن مغلوبــاً
بوشائج ألأستلاب،وهو يحضر كمويجات نهرالمشرح أيــام زمان، مترقرقاً بدلال، يصـدحً ، من خلل قطرات الماء المنهمــر
بويــه..عيـــــوني..آه يا المشـــــه، ولا قال..؟
ما بغت منه، ماترغب في قوله، ويندرج سفود الوجع بين الترائب كخنجـر مسموم، أشهق، اشهق، ومابين الشهقة، والشهقة خطوة واحدة سترميني بين يدي حتفي
أمودعكـــم الله..والقلــب مالــوم
سالــم تحسين يسعل، صوت سعاله كريه يتحشرج في السكون الخجول، وصوتها، ينســأب
من خلل الوشائج البالية، متسللاً، عبر توهجاته، الى ألق مفقود، أوكوكب مطفــأ.وأهــــرب
الى البلاطــة الناعمة، أوصـد الباب بالمزلاج،وأتعلق في حرارة الهواء المحبوس كعنكبوت بدأ
يحتضــر.
أين انت..في حجر أي خنزير قذر ؟.. وصوتها يتحايل على مواراة فريتها، لا زال يخرم أذني، ويغشى روحــي با لحمـــى
ــ أيه..خا..لــ..تي .. من هذه المرأة الوهــم، أليس كنت بلا عم، ولا خالة؟..أيه أمــاه
كم عمـة لك يا… وخالة 000فدعـاء قد حلبت علي عشاريا 9 .
أراني، ألآن، فوق قمة هـرم، أقرقف مجاهـــدة في ألأحتفاظ على نقطة ارتكازي.. تختلــج ثقتي بالصمود الى وقت تال، أأراني أهـــوى، أو أنزلق الـــى ألأسفل، انزلاقاً يأتي على جميع اللعنات، ومشاعر ألأنقباض، واللارضى، والتهورات البربريـــــة، مقاربة الشعور بالخـلاص مضرمة نارا في ألأفك المتفشي في روح أمي الشريرة، دون أن تطاردني لعنـــتها المستفحلة00 لا أدري . الا ان صوت ايناس كأنــه يرسل الى غياهب روحي حبل مسـد من رجاء، يبعث دفء الحنين، يحّييني غرامـه، صوته الهادىء، تحرسني عيناه، ونظارته الحانية، وكفـــــه، انه لا زال يمسد شعر رأسي،ويربت ظهري، صوتها المعاني حـرارة الأشواق يتيح لي نهزة للتفكير في أهمية السؤال، السؤال ألأهم ما يمنعــي من الذهاب الى مدينة الرميثة، والبحــث عنه في أحياء الفقراء ؟ وحضــر صوتها يوقظني من غفوة، أوسكرة مميتــة، و على أوجـّــه بويــه..عيوني . ثـم في اصرار آه يالمشه، ولا قال ؟ أطرقت ؛ وكان قلبــي شرع يقول، مسترداً شجاعتــه
ــ ولكنك قلت أبتــاه.. وقالت عيناك أيضاً .
أستثقلُ عنفَ اطراقتي، بينمــا يـدي تمتــدُ الــــى مزلاج الباب بقوة.
1 أخطبوط هيغــو رواية عمال البحر فكتور هيجو.
2 زالـــم أي سـالــم.
3 أنــوار الفنانة أنوار عبد الوهاب.
4 ظلت مكثت.
5 الغزل الزهيد الأستعانة بشعر ألآخرين.
6 عاهرة يوماً وليم فوكنر الصخب والعنف .
7 مثلث ألأتقاد شروط حصول ألأشتعال أوكسجين ـ درجة الحرارة ـ المادة التي ستشتعل .
8 نهر المشرح نهر يتفرع عن نهر دجلة شمال مدينة العمارة.
9 من شعر الفرزدق يهجو به جريرا.
لا فرق عندي ان مت بين نهد ولحد.
AZP09

مشاركة