عشق الهواية يتعارض مع المال – نصوص – ثامر مراد
الهواية هي نشاط منتظم أو اهتمام يمارس في الغالب خلال أوقات الفراغ بقصد المتعة أو الراحة. وهي تشمل هوايات الجمع و الفنون حيث تؤدي إلى اكتساب مهارات و معرفة كبيرة و لا يقصد بها تحقيق الأجر و إنما المتعة. تتطور الهوايات لدى من يمارسها عندما يكون لديه الرغبة في تحسينها و تطويرها ، و يعتمد ذلك أيضا على العوامل التي تسمح بتطوير المهارة أو الهواية ، و هي : تأييد الأهل ، وجود الأماكن و المال الأدوات التي تكفل قيام الشخص بالهواية بكل حرية ، إضافة إلى توفير حصص تدريبية تكفل تطوير الهواية ، فلاعب كرة القدم مثلا يحتاج إلى دروس تدريبية على فترات ليصبح لاعبا موهوبا و متمرسا في هذه الهواية. الكتابة هي هواية من الهوايات و يمكن أن تكون بالتعلم أو يمكن أن تكون موهبة و تـكون في أي شيء مثل كتابة قصة أو رواية أو مقولة أو شعر أو أغنية أو رسالة أو رسم و غالبا ما يكتب الإنسان عن تجربته أو عن تجارب الاخرين. ” هذه المقدمة البسيطة مأخوذة من ويكيبيديا – الموسوعة الحرة. أتفق شخصياً مع كاتبها الى حدٍ ما. من يعشق هواية معينة لايفكر بكمية ألأموال التي ينفقها من تحقيق أو إنجاز تلك الهواية. من المعروف وكما هو مذكور أعلاه أن هناك هوايات متباينة بين فرد وآخر. ربما يمارس شخص ما هواية تُعتبر بالنسبةِ لشخص آخر مقززة وتصيبهُ بالغثيان حينما يشاهد ذلك الفرد وهو يمارس هوايتة. هنا – في هذا البحث الشخصي المتواضع ساحاول أن أتتبع نوعية الهوايات التي عشقتها منذ الصبا والشباب الى المرحلة التي اعيشها في هذا الزمن. عند الصبا كنتُ أعشق قراءة الروايات بشكل لايمكن أن يتصوره إنسان على وجه ألأرض إلا أن – العوز المادي – في السبعينات ونهايات الستينات وقفت حجر عثرة في الحصول على الروايات التي أطمح في الحصول عليها. وتقدم الزمن وتحولتُ الى هواية المراسلة- تبادل الرسائل مع اصدقاء من كافة أنحاء العالم . بدأت تلك الهواية من عام 1975 الى بدايات التسعينات. تعادل هواية المراسلة في الزمن الحديث – ممارسة الجات عن طريق الوسائل المعروفة للجميع في هذا الزمن مع إختلاف أشياء كثيرة. في العصر الحديث يجلس الفرد أمام الحاسوب وفي ضغطة زر يستطيع أن يتحدث مع أي إنسان على كوكب ألأرض . ربما تتخلل عمليات – الجات- أحاديث طارئة وهمية ليس لها علاقة بالواقع الفعلي للحياة. في هواية – المراسلة- كما حدث ذلك معي شخصيا , اشعر أنها أكثر متعة بكثير نتيجة للجهد الجسدي والمادي والفكري الذي كنتُ اشعر فيه عند إرسال أي رسالة الى أي شخص في أي بلد. تبدأ التحضيرات – بأعداد وشراء الظروف وأوراق الرسائل الجميلة المطرزة بالوان زاهية. ومن ثم تحضير مكان مناسب للكتابة المرهقة أحياناً . بعدها ينبغي الذهاب الى دائرة البريد ووضع الرسالة في الصندوق المخصص لأرسال الرسائل . طبعاً تكون هناك نوعان من الرسائل – الرسائل ألأعتيادية والرسائل المضمونة- الرسالة المضمونة تعود الى المرسل في حالة عدم وجود عنوان صحيح للمرسل إليه. أما الرسالة ألأعتيادية فأنها تُهمل في حالة عدم وجود عنوان واضح ويكون ثمن الرسالة المضمونة أعلى بكثير من الرسالة ألأعتيادية. كنتُ أواجه إعتراضات وكلمات إستهزاء من قبل بعض الزملاء وحتى بعض المقربين من العائلة لأنني – حسب إعتقادهم- أمارس هواية كتابية فارغة ليس بها أي منفعة مادية. الجميع يبحث عن المادة ولايلتفت أحد الى سعادة الروح عن طريق تلك الهواية التي كنت أعشقها لدرجة الجنون. ليس للمادة وجود في طريقة ممارسة الهواية – من يحب ممارسة شيء معين كهواية – يُنفق أي شيء يملكه من أجل تحقيق تلك الهواية. كنتُ أجمع – اليومية المخصصة للنقل والطعام- من أجل شراء أوراق الرسائل وثمن إرسالها. لم أهتم لأي كلام نابٍ يصدر من أي شخص لمحاولة إيقاف تصميمي من أجل ألأستمرار . السعادة التي كنتُ أحصل عليها من جراء ممارسة تلك الهواية لاتضاهيها سعادة في الكون. أول رسالة بعثتها كانت الى راديو مونتِ كارلو عام 1974 الى برنامج – تحية وبعد- من تقديم سناء منصور. كان ذلك البرنامج الطريق الوحيد لأيصال صوتي الى العالم وإرسال عنواني الى كل من يستمع الى ذلك البرنامج. أعلنت سناء منصور رغبتي الى كل ألأصدقاء بضرورة ألأتصال بي عن طريق تبادل الرسائل- وهو مايشبة اليوم طلب الصداقة-. لم أكتب عنوان البيت ليكون عنوان تبادل الرسائل مع ألأصدقاء لأن بيتنا الطيني كان في قرية ليس لها وجود على خارطة الزمن ولاتوجد أرقام منازل . مجرد بيوت مبعثرة هنا وهناك كأننا ننتمي الى قبيلة من قبائل العصور القديمة. كان اخي الكبير يعمل في وزارة الخارجية آنذاك في بغداد – لهذا السبب جعلت عنوان عمله هو عنواني كي أشعر آلآخرين بأهمية الشخص الذي يراسلونة- كان شقيقي يجلب لي رسائل كل يوم لاتقل عن 20 رسالة ووصلت الى 50 رسالة في اليوم. واجهت صعوبات كثيرة عند الرد على تلك الرسائل. أحتاج الى ساعات طويلة من الجلوس لكتابة تلك الرسائل ..وأحتاج الى نقود أكبر من ميزانيتي اليومية التي خصصتها لي والدتي. إضطررت الى إقناع شقيقي أن يبعثها هو من نقوده الخاصة كلما ذهب الى بغداد صباحا. ساعدني كثيرا. أول رسالة وصلتني من الصديقة – بتول العطاس في الشهر الثالث من عام 1975 وأستمرت الرسائل بيننا الى سنة 2003. من الرسائل ألأخرى التي كانت لها ذكرى خاصة – الرسالة التي بعثتها الى إذاعة إحدى الدول العربية في برنامج إكتب وأكسب- ربحت الجائزة ألأولى في البرنامج وقدره 300 ريال سعودي وكان ذلك عام 1977 . إستلمت الشيك من البنك المركزي وكانت من أسعد لحظات حياتي في تلك اللحظة. المبلغ يعادل 24 ديناراً عراقياً وهذا مبلغ كبير بالنسبة لي.سافرت الى البصرة لمدة يومين وبقي عند مبلغ لاباس به. من ألأذاعات التي كنت اراسلها بأنتظام واستمع إليها كل ليلة – مونت كارلو, إذاعة بلغاريا القسم العربي, إذاعة موسكو, وصوت أمريكا- راسلت كل تلك ألأذاعات وكانت رسائلي تُقرأ كل يوم . تطورت رسائلي من اللغة العربية الى اللغة ألأنكليزية – حينما دخلت كلية ألآداب- قسم اللغة ألأنكليزية- ورحت أراسل ألأصدقاء من بريطانيا وأستراليا وروسيا ودول كثيرة . من الصديقات التي تطورت علاقتي معهن عن طريق المراسلة – مرغريت مورفي- من أستراليا- طلبت مني أن اسافر الى بلدها فورا للزواج إلا أن صعوبة السفر في ذلك الزمن من ألأشياء المستحيلة بالنسبة لي لأسباب كثيرة. وعدتني بأنها ستجعلني أسعد شاب في ذلك العصر لأن والدها غني جدا يسكن الشارع التجاري ولديهم شركات كثيرة. حفظت جميع الرسائل من عام 1975 الى أكثر من 20 سنة. تكونت لدي أطنان من الرسائل لدرجة أنني لم أعد قادراً على مطالعتها جميعاً. من الرسائل الأخرى التي كان لها تأثير كبير في حياتي رسالة الصديقة – منى شحادة – من سوريا- حمص – الخالدية. تطورت العلاقة الى درجة أننا قررنا الزواج وحددنا موعد لقدومها من سوريا إلا أن ظروف خاصة أحالت دون إتمام ذلك الزواج. أول قصة نشرتها في مجلة كل العرب عام 1987 بعنوان – الوهم- . كنتُ في وزارة ألأعلام وأرسلت الرسالة في البريد ألأعتيادي وكان بأمكاني تسليمها باليد الى مالك المجلة – ألأستاذ وليد أبو ظهر- لكنني أردتُ أن أعرف فيما إذا كانت القصة ستنشر أم لا. حينما نُشرت شكرته في المرة القادمة عندما رافقته من المطار الى الفندق. إندهش وقال” لماذا لم تسلمني الرسالىة باليد بدلا من هذه الخطوة الطويلة؟” . كان ألأستاذ هاشم حسن مراسل المجلة في ذلك الزمن وكانت لي معه علاقة طيبة. صلاح المختار – المدير العام لدائرتنا في ذلك الوقت أخبرني أنه بأمكاني النشر في أي مجلة عربية تتعامل مع العراق وأنه سيوفر لي تلك الفرصة لكنني كنت مشغولا لدرجة لاأستطيع كتابة كلمة واحدة. بعد أن مضى قطار العمر سريعاً وجدتُ نفسي أستعيد تلك الهواية الجميلة – هواية الكتابة- وبالذات الى جريدة الزمان. قبل ذلك كنت أكتب الى موقع كتابات وكنت أقضِي وقتاً جميلاً جدا. حينما عرفت أن الكربولي سرق الموقع شعرت بالقرف وتوقفت عن الكتابة الى ذلك الموقع. أحسستُ أن هناك من يحاول إختراق لذة الهواية التي أعشقها حد الجنون. السعادة التي أشعر بها وأنا أكتب الى جريدة الزمان لاتقابلها سعادة في هذا الكون – على ألأقل في الفترة الحالية التي أعيشها- ولكن مع هذا توجد بعض المنغصات التي تحاول إعاقتي من الكتابة. منغصات منزلية عائلية ومنغصات مادية. كلما شاهدتني شريكة حياتي أكتب حتى الفجر تسخر وتقول أنت أنسان ضائع بكل معنى الكلمة. أنت تكتب وكأنك تلتهم روحك بجنون بلا فائدة. ماذا ستعطيك- جريدة الزمان؟- أنت تقتل الوقت هباءأً منثوراً ..إذهب للبحث عن عمل مثمر مفيد يدر علينا ولو شيئاً بسيطاً نقتات به. كل يوم تنهض في السادسة صباحاً وتذهب الى ساحة النصر لتجلب نسخة من هذه الجريدة. تعود مرهقاً وكأنك كنت تزرع قمحاً في أرض ليس بها أي عنصر من عنصار الخير. تنفق كل يوم 5 آلاف دينار ذهابا وإيابا من أجل لاشيء. راتبك التقاعدي لايكفي لنا أبداً وأنت تبذرهُ هكذا..يالكَ من إنسان ليس له وجود. ” …أنظر إليها وكأنني أنظر الى إنسانٍ جاء من وراء المجهول ..من خلف أزمنة الضياع. هي لاتعرف أنني أحلق في فضاءٍ من سعادة ليس له قرار. كلما خرجت في السادسة صباحاً وأنا أرتديِ أحلى ملابسي لأجلب نسخة من تلك الجريدة أشعر أنني ذاهبٌ الى حفلة عرس يشترك فيها كل جزء من أجزاء جسدي. ليس للمادة أو المال وجود في هذا العرس الجميل. الجميع يفكر في المال ..كيف يحصلون علية؟ أما أنا فلا أفكر إلا في توفير لحظة سعادة لاتنتهي …لحظة كتابة أي شيء في جريدة الزمان. خذوا كل أموال النفط وزيادات المتقاعدين المهدورة…خذوا كل الحصص التموينية ..خذوا كل شيء ودعوني أرسم لوحدي سعادة بسيطة عن طريق رسم موضوع معين خيالي أو واقعي….كرهت المال الحرام والحلال…دعوني أرسم لحظات عشقٍ لاتقدر بثمن…فعشق الهواية يتعارض مع عشق المال.



















