عزيز السيد جاسم.. نبوءة الخلود

عزيز السيد جاسم.. نبوءة الخلود

 

عبد اللطيف الموسوي

 

بغداد

 

“علي سلطة الحق”  لمؤلفه المفكر الشهيد عزيز السيد جاسم واحد من الكتب القلائل التي قرأتها في صغري والتي اتوق لقراءتها من حين لآخر، كما انه واحد من الكتب القليلة التي اثارت جدلاً بين افراد اسرتي حتى انني مازلت اتذكر نقاشاً دار بين اثنين من اشقائي الكبار بشأن الكتاب وشخص مؤلفه ، إذ شكك احدهم في امكانية تجرؤ كاتب عراقي على تأليف مثل هذا الكتاب وبمثل هذا العنوان المثير للجدل، فيما رأى آخر بأن المكانة الكبيرة التي يحظى بها عزيز السيد جاسم منحته مثل هذه الجرأة على تأليف هذا الكتاب.

 

اما انا فقد كنت اصغي بإنتباه شديد الى الجدال الدائر بين اشقائي منتظراً بفارغ الصبر دوري في قراءة الكتاب فقد اعتدنا اذا ما أقتنى احدنا كتاباً نقوم بقراءته  بالترتيب.  كنت ماازال صغير السن ولايمكنني في حينه ابداء رأي بقضية بمثل هذا الحجم، لكنني بعد ان قرأت الكتاب  فاجأت اشقائي برأي لم يتوقعوه، فقد قلت لهم ان هذا الكتاب سيكون له تاريخ ولن يكون مثل أي كتاب آخر وفي احسن الاحوال سيندم النظام على الموافقة على نشره وربما سيسحب  من المكتبات. لكن نبوءتي لم تصل الى درجة ان هذا الكتاب سيكون السبب المباشر لتغييب مؤلفه .

 

لم يكن كتاب”علي سلطة الحق” الكتاب المهم الوحيد في حياة السيد جاسم  كما ليس بوسعي ان احصر عبقرية هذا المفكر الخالد بكتاب واحد كان مؤلفه يدرك ان كتابه انما يحمل نبوءة ما، نبوءة الخلود في ذاكرة الاجيال ، وانما يمكنني ان ازعم بأن هذا الكتاب كان جواز مرور السيد جاسم الى قلوبنا ووجداننا ، فأخذنا نشعر بالحب لهذا المفكر الذي قال كلمة حق بحق علي بن ابي طالب وانصفه عبر كتاب كان هو يدرك اكثر من غيره ان عواقب وخيمة ستكون بانتظاره ولكن السيد جاسم، انما هو حفيد للامام علي ولكون هذا الشبل من ذلك الاسد ، لم يتوان في انصاف جده كما لم تخذله شجاعته في قول كلمة حق امام سلطان جائر . والله اعلم ما الذي دار بينه وبين هذا السلطان الجائر او بينه وبين جلاوزته بعد اعتقاله.

 

“علي سلطة الحق” ليس بكتاب عادي انه من نوع الكتب التي تسمو بمؤلفيها الى الدرجات العليا السامية وتخلدهم، كما انني لا ارى نفسي مغالياً إذا ما قلت انه كتاب اخروي ، كتاب يمنح مؤلفه  مكانة ومجداً اخرويين، انه برأيي الشخصي المتواضع كتاب المرور الى الجنة لأنه باختصار تناول سيرة قسيم الجنة والنار كما لم يتناولها من قبل احد. انه كتاب يتمنى الآخرون لو كانوا هم من قد ألفوه حتى لو كان سبباً في مفارقتهم لهذه الحياة الدنيا.

 

الحديث عن هذا الكتاب يطول ويطول كما ان الحديث عن عزيز السيد جاسم لن تستوعبه هذه العجالة ولكن حسبي القول ان هذا الكتاب يشكل جزءاً من ذاكرة جمعية ، وجزءاً من ذاكرتي فيما كنت لا ازال فتى صغيراً كان مايزال يتلمس اولى خطواته في طريق الفكر والمعرفة ،ليجد هذا الكتاب المتميز في كل شيء ولاسيما في اسلوبه الشيق السهل الممتنع وهو نهج لم نعهده في الكتب الفلسفية والدينية ولذا فاز بقلوبنا فعشنا معه اجواء نورانية لم يعكر صفوها الا عندما اخذنا  نشعر في ما بعد بإنقطاع اخبار السيد عزيز السيد جاسم. وهاهي العبرة تخنقنا من امة  تقتل مفكريها من امثال محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر وموسى الصدر وغيرهم بدلاً من ان ترعاهم وتجلهم ، لا لسبب الا لأنهم اصحاب  فكر لايروق للسلاطين ووعاظهم.