عالمٌ ينزلق – عبد المنعم الاعسم
حرب غزة، ومضاعفات الصلافة الاسرائيلية التوسعية، جرّت العالم كله الى حافة مواجهة شاملة، وشاءت التداعيات وحالة الاستقطاب العالمية ان تضع العراق، سيادة ومستقبلا، على مشارف هذه المجابهة.
من زاوية مقربة مما يحدث على جبهة غزة امتدادا الى البحر الاحمر وجنوب لبنان وتايوان-الصين واثيوبيا والسودان يبدو ان العالم (بوجيز الكلام) غير آمن، هذا ليس استنتاجا حدثيا طرحته نشرات اخبار الصباح، وليس فقط شعورا بالهلع حيال مشهد الدم والاجساد المتناثرة على عرض الشاشة، إذ يطلق الرصاص في الثكنات المحصنة، حتى ادناه في القارات المنفلتة الى الفوضى والمجاعة والانقلابات حيث تلبس النعرات الدينية والقومية والمذهبية والقبلية خمارات الحرب السوداء لتطلق الرصاص وتجزّ الرؤوس وتفتك بكل من يعترض سبيلها، وليس تحذيرا اخلاقيا مما يحيق بمصير النظام الدولي ما بعد الحرب الباردة، بوجوب العودة الى العقل ولجم تيارات التطرف، وتحقيق التعايش بين الاجناس والديانات والعقائد.
والحق، ان العالم غير آمن بسبب كل تلك الاحداث يضاف لها سباق محموم للتسلح، وهذه المرة لإنتاج معدات خاصة بالحروب الاهلية والانقلابات مما يمكن حمله تحت الملابس وطي مقاعد السيارات وفي حقائب النساء المجندات في اعمال «الجهاد» وكما يرى «مارتين جون» خبير شؤون التسلح في منظمة العفو الدولية فان مصانع السلاح الكبرى تحولت من انتاج الاجيال الجديدة من الغواصات والقنابل الاكثر فتكا، الى طرادات صغيرة واجيال من المسيرات واسلحة تستخدم في تنظيم مذابح اهلية تحقق ما تستهدفه الاسلحة النووية في خلق عالم مضطرب وغير آمن، وتجني الارباح المرجوة.
اقول ايضا، ان العالم غير آمن لسبب اكثر خطورة ويتمثل في ان هوس العنف والارهاب والانقلابات والانشقاقات يضرب الآن عقل الانسان المعاصر في الصميم.. لننظر كيف صوّت البريطانيون المعروفون بالرشد والتماسك على «الاستقلال» عن اوربا، وكيف استيقظوا على انفسهم وهم يمسكون بتلابيب بعضهم، فلاهم راضون عن الاستقلال ولاهم متمسكون بالشراكة، بل وعادوا الى تلك اللغة البغيضة التي كانوا يستخدمونها في حربهم الاهلية قبل 350 سنة واعتذروا عنها في سلسلة من مواقف جلد الذات.
ولننظر الى تلك النيات التي تتسلل من بين سطور الاخبار عن خطط اقل ما يقال عنها بانها تنطلق من الشعور الملوث بان الكثير من البشر الآمنين، ونحن منهم طبعا، فائضون عن الحاجة.