شيوع قصائد الألم والغربة والأسى‮ ‬- نصوص – ‮ ‬ياسر جاسم قاسم‮ ‬

دراسة نقدية في مجموعة الشاعر علي الإمارة    (2-2)

شيوع قصائد الألم والغربة والأسى – نصوص –  ياسر جاسم قاسم

وفي قصيدة حبل نجد الشاعر يركز على المفردات التالية (الهموم ، السموم،  المنايا ، المغول، الانين) وكلها كلمات تصف حالة المدينة بعد استباحتها من عصابات داعش الارهابية ويركز على مفهوم مهم جدا وهو يعبر عن الاستكانة والضعف عندما يدب في المجتمعات المنكسرة وهو تعبير غاية في نقد الذات:

ايعقل ان نحتفي بالهموم

ونملا انخابنا بالسموم

وتصبح عادتنا

جلد ذات..

فجلد الذات تستخدمه الشعوب والمجتمعات المهزومة وهذا ما حصل في المدينة وما حذر منه الشاعر

اما من يفرط بالزمان والمكان فهذا هو قمة السوء الذي يصل اليه انسان ما ، وهذا ما تناوله الشاعر في قصيدة (شجر) ..

ارى شجرا يعاني ما اعاني

  وازعم اننا متباعدان

واهرب منه وهو دمي ودمعي

    لعلي لا اراه ولا يراني

وهنا ارى ان لغة الشاعر قد اختصرت المشابهات والتعارضات وكل التناقضات على راي (كوهن) في بنية اللغة الشعرية ، ت : محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال للنشر، المغرب، 1986م) لتصبح هذه اللغة سرا من اسرار الشاعر ورؤياه ،فسعى الشاعر الى وضع هذا الكلام وخلخلة التركيب اللغوي المألوف لايجاد بنى تعبيرية جديدة وخلق حالة من الحركة في داخل السكون وهنا تكمن قدرة الشاعر لخلق قصيدة ذات لغة خاصة معبرة ليس عن تجربة الشاعر وحسب وانما عن تجربة من ينتمي اليهم تاريخيا واجتماعيا .

ولكن هذا الانتماء ضيعه المنتمون قسرا الى مدينة فاق تاريخها الخيال  وكنت له زمانا او مكانا

 ففرط بالمكان وبالزمان

واللغة التي افصح عنها الشاعر واصفا ما دهى المدينة هي لغة ، كما اسلفنا خاصة ذات تجربة تعتمد التاريخ والانتماء الاجتماعي فلننظر الى لغة الشاعر التي تزاوج بين اناه وانا الاخر :

الا يا صاحبي خيبت ظني

واحرقت الحقائق بالتمني

اعد لي جنتي ودروب عشقي

 وكنتك عاشقا يوما فكني

تعود الي مهما اشتط بعد

 لانك انت يا محبوب اني

وهنا تفاعلت ذات الشعر (اني) مع الموضووع(الحقائق) فاكتسبت اللغة التي انتجها كل سماتها الحيوية وتبعث في ذات الوقت دلالاتها التي تتجاوز السمات الوصفية للغة فتؤسس كيانها كما تؤسس كيان الاشياء الجديدة وبمسميات متعددة تمنحها فرصة التكوين المستمر والمتجدد  ، اذ باللغة يظهر الانسان ما هو وبها يتاسس ويتحقق

 ايها العابرون الى الحلم

رفقا بقلبي

فقد صار جسرا

من الحزن والانتظار

فوصف الشاعر نفسه متجسدة بالحزن والانتظار على مصير المدينة التي سقطت شموس الامل في بهائها في اكف الظلام ولكن فسحة الامل موجودة :

ورغم شموسي التي

سقطت في اكف الظلام

فما زلت ابحث

في لهفتي عن نهار

كان قلبي جسرا قديما

وجددته الان

فهو هنا يبحث عن امل في الحياة وعن الوجود بعينه وجددته الان وينتقل الشاعر شيئا فشيئا الى الصفة الثورية في شعره ،فالشعر في ذاته ثوري بوصفه حدثا ابداعيا.

فهو ثورة داخل اللغة من حيث انه يجددها وثورة في الواقع نفسه، من حيث انه يبرهن على وجود رؤية تجديدية ومن انه يغير فهو ثورة في وعي الانسان، عبر اللغة التي هي اداة الشاعر الوحيدة :

ولنرى للحظة الثورة والوعي لدى الشاعر الامارة:

حين سمعت بعودتكم

وازحت الغبار

اعبروا كلكم فوق قلبي

وخذوا ارضكم معكم

انها لحظة الانفجار

ولحظة الانفجار هي لحظة الثورة في وعي الانسان.

وهنا لا بد ان اركز على ان حركية الشكل واستمراريتها في عموم (رسائل الى الموصل) جعلت من الشكل الحداثي خطابا مفتوحا في افق مفتوح ،غير منعزل عالمه زمانيا ومكانياا ، اذ ان ما تشكله لغة الشاعر الامارة له دلالاته المكانية والزمانية باعتبار ان فعل المبدع لا يستقر في ظرف معين وانما هو فعل مزدوج يشكل الزمان والمكان وتباعداتهما معا في بنية ذات دلالة ايحائية غير منتظرة وغير متوقعة في افقه ويفلت الشكل عند الامارة في نهاية المطاف من قيود الزمان والمكان ويعج في حركة لا نهائية معهما يبعث على التامل خارج حده وتشكيله

فخذينا اليك

صباحا يفك القيود

ويرمي الجراح على العابرين

خذينا بما ظل على الارض

في حسنات لنا

قبل

ان نغتدي سيئين

فهنالك رغبة في التغيير وعدم الثبات نجدها في قوله اعلاه من ( خذينا  حتى سيئين) فان هذا السياق في التغيير لا يمكن ان يثبت على حالة واحدة او ان يكرر نفسه لان الحركة التي تشكله ليست على نسق واحد ، فهي لا تكرر نفسها ، وانما تحاول ان تفلت من مركزها ونجد في قصيدة شاعر الافلات من المركزية :

انا شاعر

قادر ان اقول الحقيقة

في لحظة

تكون الحقيقة

اصعب شيء يقال

وفي الابعاد الميتافيزيقية حيث سيشكل الحلم واقعا يعيشه الشاعر فبينما يتساءل كيف له ان يكتب الشعر وكيف يسجل في دفتر الغياب صوت الخوف والارتعاش وهو يخاف الموت دون ان يكمل مسيرته في الخلود وكل هذه التساؤلات يضمنها حلمه حيث البعد الميتافيزيقي الذي يشكل حله للمشكلة التي يعيشها المجتمع ومعالجتها لا يمكن ان تتم الا عبر رؤيا لا تفصح عن نفسها بسهولة اذ انها تعبير عن وعي خاص بالعالم والوجود ، لا يفسره الا البعد الميتافيزيقي الذي تبثه الرؤيا للحلم بغد سعيد.

لذا كانت رؤية الشاعر الامارة ترى ان هذه الابعاد لحل المشكلات هو بمعنى رؤيا لكن هي رؤية متكاملة حول العلاقة بالوطن وحول المصير ، وادونيس يعتبر انه لا يقدر شعرا ليس له بعد ميتافيزيقي ، لان الحياة حسب وجهة نظره لا تقوم بالفعل الا تراجيديا واذا لم يكن هناك من بعد ميتافيزيقي ،فليس هناك  بعد تراجيدي نلذلك احس والكلام لادونيس بان الشعر بدون بعد ميتافيزيقي ثانوي وزخرفي لانه لا يثير اية مشكلة كيانية (التاريخ والرؤيا ، مقابلة مع ادونيس) ولعل تعلق ادونيس وغيره من الحداثيين بهذا البعد يدل على قدرتهم في معالجة القلق الذي كانوا يعيشونه ويعانونه من مشكلة الواقع ، والمباشرة معه، بل الرفض احيانا له.

وكل ما ذكرته نراه في قصيدة ميتافيزقية اسمها ارتعاش وردت ص 60  في مجموعة الشاعر :

وكيف ساكتب للناس شعرا (قلق واضح)

حين يسرق مني اندهاشي

وكيف اسجل في دفتر الغياب

صوت ارتجاف يدي

وارتعاش

انني لا اخاف سوى

ان اموت هنا

دون فعل يخلدني

في فراشي

وكيف سأقنع من كان

او سوف يقرؤني

بعد كل الذي حل في وطني

انني نحو حلمي

ماش

والرؤيا عبر مفردة (الحلم)تجلت بالنظرة الى الشعر ، وتفسيره، وتاويله، اذ اتخذ مفهوم الرؤيا حيزا واسعا في ادبيات النقاد والشعراء في محاولة منهم للوقوف على منابعها أي: الرؤيا وطرق تشكيلها والتعبير عنها اذ يرادف مفردة(حلم) التي يستخدمها الشاعر ” ربما يكون حلم يقظة لكنه يتوسل اليات حلم النوم ، فالمرئيات في الاحلام وكذلك الاصوات تتواصل وتجتمع بشكل غير متجانس وغير منطقي ، كما يحضر الزمان في غير زمانه وينبت المكان في غير مكانه – ” عاطف جودة نصر في كتابه (الخيال مفهوماته ووظائفه) الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984م.

اذن هي الرؤيا الحلمية التي وحدت المتناقضات في قصيدة الشاعر الامارة وجانست المتنافرات ، ويبرز التكرار ظاهرة ملفتة في بعض قصائد الشاعر ومنها ما ورد من استخدامه (الدم والدمع) في قصيدة (شجر)

واهرب منه وهو دمي ودمعي

    لعلي لا اراه ولايراني

ويرجع الى قصيدة حرب ليقول:

دما صار العراق بكل قلب

  ودمعا ليس ينضب في الماقي

وانا ارى ان تكراره للفظتي (الدمع والدم) لوصف حالة العراق مرة اخرى يضعف من السياق العام لمعاني المجموعة .والتكرار يبرز مرة اخرى من نفس القصيدة التي نحن بصددها “حرب”

افاق من السياسة حين تغدو      دهاليززا تقود الى الشقاق

وفي قصيدة” اين” تكاد المعاني كما الالفاظ تتقارب :

اقول لصاحبي اين العراق

ونحن به فما هذا الشقاق

ويقول في قصيدة (اين)

وفي اعماقنا وطن قتيل

 وفي احداقنا زمن مراق

وفي قصيدة انطلاق من المجموعة :

ويبكينا العراق بكل شبر

لان لنا عليه دما يراق

فالزمن مراق والدم يراق ، وهكذا يشكل تكرار كلمة يراق لمعاني متشابهة حضورا عند الشاعر يسهم في اضعاف المعنى العام للقصيدتين المتشاركتين فيه .

اما خطاب الاصلاح فيستمر عبر شعر الامارة مجددا بذلك رفضه كل اشكال التخلف التي سببت ما يعانيه عراق اليوم من رفض الاخر واختلالات لاراضيه بالجملة وسقوط كبير لمدينة الموصل بسبب سياسة شكلت افق خفيض وزمان مريض وجنح البلاد مهيض ، والادهى ان يتمكن منا الحضيض ويصبح في القمة، فاين النهوض المرجو وهذا ما نقرأه في قصيدة (حضيض)

ما لهذي السياسة تأخذنا

نحو افق خفيض

وتطلب منا نفرغ

كل الذي عندنا

وتفيض

وهل نطمئن على برء ايامنا

وسلامة احلامنا

في زمان مريض

وكيف سنعبر هذي المتاهة

والمرتقى كذبة

والدليل غراب

وجنح البلاد مهيض

وكيف سنبلغ قمتنا

لو

تمكن منا الحضيض

ولكن تبقى لسمة الانتظار لدى الشاعر سمة حضور حتى ان المكان تحول  الى (اللامكان) كي يستوعب ما حصل في الموصل من (نزيف وهوان ووباء وذئاب وغيب وخوف واحتمالات) كلها كلمات تؤدي الى ” انتظار الامان” بعد الذي حصل:

المدى نازف

والشوارع موبوءة بالهوان

وعلى كل باب

عيون ذئاب

وفي كل منعطف حجر مستنير

ودرب يؤدي الى …

اللامكان  هنا او هناك

على حافة الغيب ( وهذا هو بعد ميتافيزيقي) اخر يستلهمه الشاعر بالاضافة الى الحلم ، كذلك فان اللامكان يعطي بعدا ميتفيزيقيا اخر يستلهم في هذا الصدد…

اما الحدث فله رؤيا واضحة

ارى الاحداث توشك او تكاد

 والا سوف ياكلنا الجراد

اتدرك ان تاريخا اضعنا

وان حضارة فينا تباد

فالحدث ينبئ بان التاريخ ضاع وان الحضارة تباد اليوم ضمن المناهج التي يستلهمها الشاعر ، والحضارة ابيدت اليوم بفعل ما تمارسه داعش وعصابات التكفير السيئة التي اجتاحت المدينة وفعلت السوء وقد تعود اراضي الموصل ولكن ما انتهك من عرض و حضارة وارث وجمال فهو لن يعود حتما.

ولكن ربما عادت اراض

فان العرض شيء لا يعاد

وهذا فعلا ما تحسبه الايام التي ادت الى انهيار المدينة.

اما في صيدة (ذرى) فنرى التراث حاضرا ايضا حيث حدث الحضارة ..

في ذرى الرافدين

رايت مياها تعود الى نبعها

وكلاما

يعود الشفتين

في ذرى الرافدين

اما الغبار الكثيف الذي نحن بصدده فهو مخيف وهنالك هروب وحواجز وحزن ولكن يصاحبها تاريخ:

رغم كل الحواجز

تاريخ شعب عظيم

ولكنه يفرش الحزن

والكتب المستباحة

فوق قارعة الرصيف

فمن خلال هذا التاريخ يكون الانطلاق المطلوب ،، اما في قصيدة (رئيسة) فنجد القهر مستمراً والاذى والالم فالمدى مقفلاً والقلوب حبيسة والاحلام كذلك، وهو البعد الميتافيزيقي لدى الشاعر فريسة وللحزن وحشة .

لماذا المدى مقفل

والقلوب حبيسة

واحلامنا مثل ايامنا ..لذئاب الزمان فريسة .؟

لماذا تهيمين وحدك

في وحشة الحزن

موغلة في السراب وانت الانيسة؟

ويستمر الحلم لدى الشاعر في قصيدة (نكابر)

لماذا انت يا وطني غريب

    فليس لنا صديق او حبيب

نعيشك مثل حلم ثم نمضي

  وليس لنا من الدنيا نصيب

حيث نعيش ما يمر به الوطن (حلم يقظة) علنا نفيق منه ونرى انه حر ولكن الواقع يقول انه سليب

نكابر ان نقول عليك حر

  فانت اليوم يا وطني سليب

اما التغير فهو نحو الانكسار للاسف وهذا ما نجده في قصيدة (تغير)

وحين نظرت الى وجه دجلة

ووهو يمر عليك كسيرا

ذكرت الهوى والنوى

وبكيت كثيرا

فدجلة اليوم اسير بيد الدواعش والقتلة الذين استباحوا الموصل

فما عاد يوم يسير

ولا عاد طير يطير

هي معركة

دجلة راح فيها اسيرا….

والجميل في قصيدة (متاهة) سؤال ملفت للنظر : هل ننتمي للجمال؟ حينما تكون هنالك معادلة حين تحكم فينا القبيح الجميل ، والسؤال كيف سنحل هذه المتاهة ؟

وهل ننتمي للجمال

حين يحكم فينا القبيح الجميل

وكيف سنعبر هذي المتاهة

دون دم ثائر .. ودليل ؟

فهذه المتاهة هي وصف دقيق لمعاناة امة ومجتمع فما نفع الاجساد وليس فيها دم يغتلي حين ينهب التاريخ ، وهذه هي المعادلة الاساسية التي اثبتها الشاعر في عموم قصائده ، لان التاريخ هو وصف الانسان الحاضر والمستقبل يمر به عبر فضاءات المدن .

وتعتبر البعض من الاماكن اوصافا مهمة للموصل التي حوت هذه الشخوص واصبحت تعرف فيها مثل(منارة الحدباء) وسميت الموصل بالحدباء نسبة لمنارتها وقد تناولها الشاعر كما بينا ومن الاماكن التي اشتهرت بها هذه المدينة (حمام العليل)

بحمام العليل رميت قلبي

  لكي يرتاح من اعباء دربي

وفاض الماء فاض الوقت حبا

 لاني حامل في القلب شعبي

ودلالات حمام العليل والمياه التي حواها مهمة جدا لراحة الشاعر حيث يرمي بعضا من معاناته في هذا الحمام والماء كان دوما رمزا للراحة والجمال والبعد عن العناء فالماء يريح البشر ويمده بالامل والتفاؤل ولكن يبقى الشاعر اسير الاسى لان الظلم الذي حل به كبير جدا:

فما في الارض بعد الهجر

 ماء  يسامر علتي ويريح جنبي

ومرغت الفؤاد به لاني

   طويت الدهر من حرب لحرب

وفي قصيدتين نجد الامل يتلاشى في دنيا الشاعر وهما:

(خرس) و(واد) ففي قصيدة خرس نجد الكلمات (وجوم، جثث، طوفان، حقد، بشاعة، فجوة، تخرس، اخرس) وكل هذه الكلمات تمتد من بداية القصيدة (وجوم)ى ونهايتها (اخرس) فالطوفان جاء لانه وجد فجوة في جدار النفوس استغلها واستباح ، وفيه نقد واضح وجلي لمن سمح لهذه الوحوش الضارية بالدخول والاستباحة .

وجوم

فلا شفة تنبس

سوى جثث بينها تهمس

وجوه بغير ملامح

طوفان حقد يجيء بها

من وراء الزمان

فالبشر الحي قد تحول الى جثث لا حياة فيها خوفا ووجوما من طوفان الحقد الذي جاء من وراء الزمان.

ويبقى المدى (اخرس) لان البشاعة تستأنس وهذه صورة كبيرة جدا .

بكل البشاعة تستأنس

ولكنها وجدت فجوة

في جدار النفوس

وراحت بها

تفرس

فلماذا الضجيج اذن

والمدى اخرس؟

وفي قصيدة(واد) نجد استخدام الشاعر الكلمات التالية :

(خائبة، مقلوبة، الصدا، الردى) وللزمن دور كبير في مداراة القصيدة ففي قصيدة خرس

الطوفان ياتي من وراء الزمان

وفي قصيدة واد

امد يدا

في فضاء الزمان

فترجع خائبة

اما المستقبل فدوغمائي لا نعرف ماذا سيحل غدا فلا امل بغد افضل:

التقاويم مقلوبة

فوق هذي الصدور

التي ساد فيها الصدا

أي واد ترى قد نزلنا

ليس نسمع فيه

لاصواتنا من صدى

كل هذا المدى

ذاهب للردى

فالمدى ذاهب للردى في قصيدة(واد) وفي قصيدة(خرس) (المدى اخرس) وفي كل الحالات المدى ليس فيه غد مشرق.

وتستمر جوانب الظلمة التي يصورها الشاعر وهي تجسد اكبر سوء حل في العراق في العصر الحديث حيث استباحت خفافيش الظلام مدينة لها اهميتها التاريخية الكبيرة ويتساءل عن من كونهم واسس لهم أي هؤلاء الخفافيش:

من ترى هؤلاء

أي وصف يليق بهم

وقد دنسوا كل ما يلمسون

حتى الهواء

والرائع في وصفه انهم ليس لديهم لغة سوى لغة العنف والقتل والالغاء

وليس لهم لغة

غير هذا العواء

وينتقد الشاعر نقدا سياسيا واضحا للدول التي دعمت الارهاب وسمحت للارهابيين بالدخول الى اراض العراق ووفرت لهم ما يحتاجون من اموال ودعم وفي هذا نقد سياسي واضح:

رمتهم على ارضنا

دول مرة

بعد ان صنعت قبحهم

في الخفاء

دول تنتمي لحضيض الخنا

دول ليس فيها سماء….

وفي قصيدة مرايا ينفي الشاعر وجود الوطن فهو ساكن، في فضاء من المحن وهنا يستخدم الشاعر المرايا ليجسد من خلالها واقع مؤلم ،فالمرايا تعكس ذلك الواقع السيء الذي وصل فيه الامر الى ان الاخ يحذر اخاه في كل شيء

ليس عندي وطن

فانا ساكن في فضاء الفتن

فهل وطن حين تحذر فيه

اخا لك في كل شيء

ويسكن بيتك

يسكن قلبك

تسأله

انت من ؟

وهل وطن

ويبقى الحزن سيد الموقف عندما يتقدم الى الشاعر يفلسف سبب حزنه فالفقد للوطن والاهل والاصدقاء، والمشكلة ان يكون الانسان غريباً في بلاده. ولا غرابة ،فالغربة عندما يختفي الحب والسلام والامان والرفق في البلاد

ايهذا المساء

تقدم الي بحزن جليل

يليق بقلبي

فانا فاقد وطنا وكثيرا

من الاهل والاصدقاء

والمشكلة الادهى عندما يحل الظلام الثقيل حيث ان الظلام لوحده يشكل مشكلة كبيرة فكيف اذا كان ثقيلا

حين تغمرني بالظلام الثقيل

فارفق بظلي الاخير

ولا تستغل وقفتي في العراء

غريب انا في بلادي

ويتصرف الشاعر الامارة بلغة بارعة ماازجا بين اساليب قول الشعر وصوره في العامية (الموال) و(الابوذية) ولكنه يقولهما باللغة الفصحى وبطريقة فريدة وجديدة وذات بعد لغوي وفني واضح يسجل فيه براءة اختراعه:

ففي الابوذية تؤدي الكلمات التالية معاني مختلفة  ترى بي فيكررها بثلاثة مواضع وبمعاني مختلفة فمرة يقصد بها تراب ومرة رؤية وهكذا.

نوائب لا ترى بكم ترى بي

فماذا يفعل الاتي ترى بي

خذوا ذهبي واعطوني ترابي

الا ان التراب هو الهوية

واشارته الى الهوية ذات مضامين مهمة فتراب الوطن هو هوية المجتمع ، وهذه نقطة هامة جدا كذلك نفس اللفظ في الموال بكلماته الاخيرة في الشطر الواحد ولكن بمعاني مختلفة (فغدا) اعطت معاني مختلفة حسب سياقات الجملة التي وضعت فيها كذلك استخدامه لكلمة( وهب) مرة اعطت معاني الهبة والعطاء ومرة جاءت بمعنى الهبوب كالعاصفة ، وهكذا المعاني المختلفة تتجسد لاعطاء صور متجمعة ضمن اساليب قول الشعر بالعامية

سألتكم عن حبيب الروح اين غدا

وهل نراه وقد طال البعاد غدا

فهكذا نرى ان كلمة (غدا) مرة دلت على ذهاب ومرة على وقت

هب اننا لم نزل كالاخرين وهب

اطل من جرحنا هذا الحريق وهب

ولكن عندما يصبح للوطن سياج من الخطايا

ارى وطنا تسيج بالخطايا

 وتاريخا تهشم بالمرايا

ويكون حصاد شعبه الالم والاخطاء وتضيع في ذات الوطن ملامح وسجايا تجعل منه وطنا ابيا عند ذاك يكون هذا الوطن مشظى بلا امل

وشعبا يزرع الايام طيبا

 وليس حصاده الا الرزايا

الى ان يقول:

تشظت فيك يا وطني الاماني

  سلاما ايها الوطن الشظايا

وقصيدة عويل تجسد الم ضياع الموصل ففي البستان يسمع عويل الشجر وفي البيت يسمع نواح الحجر وعويل الجدار في الطرقات وبالتالي يجسد الشاعر (عويل الشجر ونواح الحجر، وعويل الجدار) وبالتالي فهو يستنطق الجمادات ولكن لا مفر فكل شيء له صوت ففي ما يسمعه الشاعر وبالتالي هو يسمع صوت روحه الداخلة وصوت بواطن الشعور التي تجعل من الجماد ينطق

امر ببستان اهلي

فاسمع فيه عويل الشجر

واصغي

الى بيت اهلي القديم

فاسمع فيه

نواح الحجر

وعويل البنادق في كل درب

وعويل الجدار

يذكرني

ببقايا الشجر

عويل من الذكريات

يهز كياني

فاين المفر..؟

ان الغالب على قصائد ( رسائل الى الموصل) الاسى والغربة وغياب التفاؤل والامل والان وبعض المواقع في القصائد ولا غرابة فالالم الذي وقع على المدينة كبير والاسى اكبر ، فالحزن والنواح وضياع الجمال والتاريخ والحضارة والعوق الذي منيت به هذه المدينة يجعل من نصوص الشــــــاعر مستنطقة وبالتالي يجب ان اشير الى ظاهرة استنطاق انص التي قال بها الفيلسوف الفرنسي (لوي التوسير) 1918-1990) ) وهو احد الماركسيين الجدد حيث استحدث هذا العالم (استنطاق النص) لوصف الية تتشكل بها الذات البشرية وتشيد بواسطة بنى ونصوص كما استطيع القول ان قصائد الامارة تنطبق عليها ظاهرة الصوريةIMAGISM والتي هي حركة شعرية تبناها شعراء من انكلترا والولايات المتحدة تمردا على الحركة الرومانسية غايتهم هي وضوح التعبير والعبارة باستخدام صور شعرية دقيقة ، ازدهرت الحركة من 1910-1918 وظهر اول ديوان شعر لابرز شعراء الحركة بعنوان(الصوريون) 1914  وبالتالي استخدم الشاعر الامارة صور شعرية دقيقة لوصف الموصل وما ال اليها الوضع ولكن بوضوح تعبير وعبارة.

كما اود الاشارة الى ان بناء الوزن في قصائد الشاعر الامارة لم يحطم من شكل الكلمات او صوتها الطبيعي او معناها ،فهو حافظ على بنية وزن قوية تكفي لكي تؤثر تاثيرا قويا في القارئ.