شوق لقاء
لم تعطْ الاقدار فرصة تحديد موعد لقاء جديد لكن رب فرصة خيرٌ من الف ميعاد.. ذلك ما كان يُردده على مسامعها دائماً.. قد انتابهما الاحساس بعد اول لقاء كان بينهما كأنه أول لقاء حقيقي يشاركه الخجل والجرأة معاً.. تجالسا حيناً من الوقت عكس حياة ايام بداخلهم نطقت الارواح وصمتت الشفاه صريعة الارادة..
بدا وداعاً عادياً لم يتوقعا ما نتائجه حينذاك.. يلوذ باله بالفرار ويطرب ساعات يومه بتذكرها على ساحات ضياع روحه القاحلة .. متشردة فيها زهور حياته .. يفتقد لتربة يغرس فيها بذور الحنين لطالما تشوق لمحاكاته في ليالي العتمة الوحيدة.
اتصلت: هناك موعد عمل جديد, هل ترغب بالحضور, “لم يكن العمل سبب اللقاء بل حجة للقاء وهي معلقة بسحابات اوهامها من ردود فعله اتجاهها”.
رد عليها بجفاء: جعلها مصدومة ان تقع في نيران الحيرة بين الصدق والشك ..(على ارض الواقع).. انتهى الحديث وتوقف امل وجود لقاء جديد نبضاته.. صدفة لم يتوقعا الاثنين قبل ساعات من وصولها مكان الحدث الذي ذهبت اليه رغماً عنها وتفاؤلها لرؤيته وتيقنها لانشغاله بالعمل بتعذره عن المجيء لكن؛ رن هاتفها, متعجبة ومتفاجئة !! تراود الى فكرها ميل من التساؤلات: ربما يريد ان يتأكد من ذهابي أو وصولي الى هناك .. هل هذا خوف واهتمام ام ما تدعيه!!.. قطعت كل الشكوك بفتح خط الهاتف الذي رن باتساق خفقات قلبها واجابته: نعم, بخيبة امل.. صباح الخير.. قال: صباح النور, هل انت بالطريق الى هناك, اجابت نعم, لماذا؟ فلم تصدق ما قاله, لكنها لم تخبره ان يردد ما قال لتتأكد أنه بانتظارها عند البوابة, اقشعر بدنها بين شهقة ولهفة ايقظت بها كل حواسها.
لم تكن ثاني صدفة او لقاء جميل وكأنها بعد الكثير من المرات التي تحاورت بها تلك العيون والهمسات…
لقد اختارا ان يتحاورا بالأنفاس ليرسما طريقهم بهدوء وحذر.. تتأرجح نيران الشوق منذ أول حرف يدور بينهما.. لا يجدوا نفسيهما سوى في نزهة في خيال التعبير تتسابق في رمي فرش الرسم على اللوحات الممزوجة ببعض الكلمات..
أصبح موعد العمل حجة التواصل واستمرار أنفاس ما يدور بينهما, بعثت له برسالة كي لا تحرج نفسها أمامه بانها تفكر بالعمل فقط.. هناك موعد عمل جديد هل ترغب بالحضور وارسم حروفك في قائمة الحضور؟.. لم يصلها رد!!
بعد ساعات من موعد عودته المعتادة للبيت, بعث لها برسالة مساءً, تلألأ لها عيناها حين يذكرها أو يراها من خلال الكلمات : أنت متعبة !!
فحاولت أن تظهر له برودة اعصابها قائلة: أنا الان مشغولة بكتابك الذي اهديتني اياه في أول لقاء رغم تعذيبه لي بانتهائه, رد مازحاً: لا اريد ان اشغلك اتركك تكمليه, فردت مرتبكة قبل ان تفقد الاتصال ما سبب كآبتها وكأنها تتمسك بجذور ستخرج من حياتها : لم اخبرك ان تذهب لكن مستاءة من عدم ردك على رسالتي , أجاب: لم يصلني… اطمأنت بانه لم يتصرف ببرود اعصاب وبررت عذراً لتصرفه حمّلها بالارتياح… استمرت المحادثة بلهيب مخفي.. هل أستوقدك لهفة ما قرأته حتى الان؟ أجابت بذكاء: أتقصد الخفايا التي تتعلق بك مكتوبة بين السطور, أقصد ما كنت تقرأه ووضعت تحته خطاً… ردّ ضاحكاً لكن بدا خجلاً: كلا, انها خفايا الرواية, أغاضها بكلمات يشتت صفحات تأملها بالحديث: رأيت من بين الكثيرات يرتدين الاسود ليس مثل لفت انتباهي لامرأة .. ردت خجلاً: لربما الاسود يختار ساداته.. قال: لانه لون جميل…عندها انتبها انهما كتبا رواية من تقارب ارواحهما.
سناء الحيدري – بغداد