شهقتان على طلل ـ معد الجبوري

شهقتان على طلل ـ معد الجبوري
1
تحتَ الأقواس وحيدا
بينَ زوايا غائِرَةٍ في أعماقي،
شرفاتٌ دون فوانيسَ،
وأعشاشُ طيورٍ،
ٍ دونَ طيورْ..
وبِعَينَيَّ،
وَميضُ وجوهٍ غابَتْ عَن عَينَيَّ،
وفي أُذنَيَّ،
رَنينُ جَلاجِلِ أطفالٍ رحلوا،
وخلاخيلِ صبايا،
ما عُدْنَ صبايا..
هل يسندُ منزلُ جَدِّي،
بعمودِ رُخامٍ لَمْ يَتَصَدَّعْ،
قلبي المُتَصَدِّعَ،
والمنسيَّ كبيتٍ مهجورْ ؟
ها هو منزلُ جَدِّي،
يترقَّبُ أنْ أملأهُ ثانيَةً،
فبماذا أملؤهُ ؟
هلْ أملأُ صدرَ الإيوانِ،
بسجَّادٍ ووسائِدَ،
دونَ رجالٍ وأحاديثَ تدورْ ؟
والغُرَفُ الشرقيَّةُ،
هل أملؤُها،
برفوفٍ ومرايا،
وملاءاتٍ وشراشفَ،
دونَ نساءٍ مُنشغلاتٍ؟
وفناءُ المنزلِ،
هلْ أملؤهُ بِدُمى وأراجيحَ،
بلا ضجَّةِ أطفالٍ؟
أتُرى تصحو دُورُ الجيرانِ،
على خطواتي،
بعد رحيلِ الماضي
عن تلكَ الدُّورْ..
أم يتنزَّلُ هذا الصمتُ،
على روحي،
برداً وسلاماً،
وهيَ تفورْ ؟..
ها أنَذا،
أقعد تحتَ الأقواسِ وحيداً،
والدنيا تتصَدَّعُ في عينَيَّ،
وفي صدري،
نايٌ مكسورْ

2
كأس الزوال
لا تَسلْ،
بعدَ أن غادرتْكَ البساتينُ،
عَنْ شجَرِ الفستقِ المُوصليِّ،
وأطفِئْ لهُ شمعَةً،
معَ ما رُحتَ تُطفِئُهُ من شموعْ..
شجَرُ الفستقِ ابتلَعَتْهُ العماراتُ،
مُنذُ زمانٍ،
وغادرَ دونَ رجوعْ..
لَوْ تَهُزُّ، مِنَ الحسَراتِ إلى الحسَراتِ،
بما قد تَبقَّى بصدرِكَ منهُ،
فلَنْ تتساقطَ غيرُ الدموعْ..
وانظرِ الآنَ،
لَمْ يَبْقَ في عينِ كبريتَ
مَنْ يستَحِمُّ سوى الصمت،
لَمْ تَبْقَ إلاَّ الحِجارةُ صافِنةً،
وعليها تنثُّ الرمالْ..
سكتَ الماءُ،
لا السيِّداتُ اللواتي هنا كُنَّ،
مِن حولِها يزدحِمْنَ،
وفي حوضِها يبتَرِدْنَ،
يجئنَ إليها،
ولا فتيَةٌ يلعبون على بُعْدِ شبرينِ،
يلتفتونَ لها
لا رجالْ..
يدلكونَ بكبريتِها بعضَ أجسادِهِمْ،
رحلَتْ عينُ كبريت أمسِ،
وأنتَ تصيحُ
تعالي،
ولا صوتَ منها يصيحُ
تعالْ..

وانظرِ الآنَ،
كلُّ بيوتِ المَحلَّةِ
أسطحَها وسراديبَها،
ودشاديشَها والعباءاتِ،
أطيارَها والروازين،
أشجارَها والسنادين،
أبوابَها والقناطر،َ
أقواسَها والستائرَ
تخفتُ شيئاً .. فشيئاً،
وعَنْكَ تَشدُّ الرِّحَالْ..
وانظر الآن،
كيف تجعَّدَ حتى الزَّمانُ
وأنت تُخَضِّبُ شيبَكَ ما زلتَ،
هلاَّ نظرتَ إليكْ؟
عودةُ القمحِ صوبَ سنابلِهِ
بعد أن طَحَنَتْه الليالي،
مُحالْ..
وادِّعاؤكَ أنَّ لديكْ
مِنْ شبابِ فؤادِكَ،
كأساً دهاقا
خيالٌ .. خيالْ..
طفحَتْ بالمَرارةِ كأسُكَ،
في زمنٍ،
كلُّ شيءٍ بهِ مِن يديكَ يفرُّ،
وينأى،
لقد قُضِيَ الأمرُ،
لا بُدَّ أن تتجرَّعَ
كأسَ الزوالْ..
AZP09

مشاركة