شقيقتان سوريتان ترويان بموسيقاهما معاناة الأكراد

أربيل‭ (‬العراق‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬في‭ ‬إربيل،‭ ‬تعزف‭ ‬شابتان‭ ‬سوريتان‭ ‬كرديتان‭ ‬ألحانا‭ ‬حزينة‭ ‬من‭ ‬فولكلور‭ ‬كردي‭ ‬تعشقانه،‭ ‬وترغبان‭ ‬بالحفاظ‭ ‬عليه،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أنه‭ ‬يشكّل‭ ‬صدى‭ ‬لمعاناتهما‭ ‬من‭ ‬التهجير‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬كوباني‭ ‬الى‭ ‬تركيا،‭ ‬وصولا‭ ‬الى‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭.‬

تقدم‭ ‬نورشين‭ ‬وبروين‭ ‬صالح‭ ‬عروضا‭ ‬موسيقية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسب‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬لكنهما‭ ‬في‭ ‬الصميم‭ ‬تعشقان‭ ‬الموسيقى،‭ ‬وتسعيان‭ ‬الى‭ ‬احترافها‭.‬

وتقول‭ ‬بروين‭ (‬20‭ ‬عاما‭) ‬التي‭ ‬تجيد‭ ‬العزف‭ ‬على‭ ‬السنطور‭ ‬والدف‭ ‬والدودوك،‭ ‬أي‭ ‬المزمار‭ ‬الأرمني،‮ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس،‭ ‬وقد‭ ‬أسدلت‭ ‬شعرها‭ ‬الأسود‭ ‬الطويل‭ ‬على‭ ‬كتفيها،‭ “‬أكثر‭ ‬شيء‭ ‬نعشقه‭ ‬هو‭ ‬الموسيقى‭ ‬الفولكلورية‭ ‬الكردية‭ ‬لأنها‭ ‬حقيقية‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬تحكي‭ ‬كلمات‭ ‬أغانيها‭ ‬عن‭ ‬المعاناة‭ ‬والأحداث‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬بها‭ ‬الأكراد‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬ومآس‭ ‬وتشريد‭ ‬وتهجير‭ ‬وقتل‭”.‬

الى‭ ‬جانبها،‭ ‬تؤدي‭ ‬نورشين‭ ‬أغنية‭ “‬أز‭ ‬غريبم‭” (“‬أنا‭ ‬غريبة‭”) ‬الحزينة،‭ ‬بينما‭ ‬تعزف‭ ‬على‭ ‬الغيتار‭ ‬وترافقها‭ ‬شقيقتها‭ ‬على‭ ‬السنطور‭. “‬أنا‭ ‬غريبة،‭ ‬بدونك‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬أنا‭ ‬مكسورة‭ ‬الجناح،‭ ‬في‭ ‬الغربة‭ ‬الدنيا‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬إلى‭ ‬سجن،‭ ‬أنا‭ ‬غريبة‭. ‬يا‭ ‬حبيبي‭ ‬سأموت‭ ‬ولن‭ ‬أراك‭ ‬مجددا‭”.‬

في‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬شهدت‭ ‬مدينة‭ ‬كوباني‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬محافظة‭ ‬حلب‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬سوريا‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬معارك‭ ‬ضارية‭ ‬خاضها‭ ‬مقاتلون‭ ‬أكراد‭ ‬ضد‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الذي‭ ‬تمكنّوا‭ ‬من‭ ‬صدّه‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬عزّ‭ ‬حصار‭ ‬المدينة‭ ‬واشتداد‭ ‬القصف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2014،‭ ‬نصح‭ ‬والدا‭ ‬نورشين‭ ‬وبروين‭ ‬أبناءهم‭ ‬وبناتهم‭ ‬الستة‭ ‬بالمغادرة‭.‬

وتروي‭ ‬نورشين‭ (‬23‭ ‬عاما‭) ‬أنهم‭ ‬خرجوا‭ ‬عبر‭ “‬ممر‭ ‬آمن‭”‬،‭ ‬و‭”‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬كوباني‭”.‬

في‭ ‬مطعم‭ ‬بيروا‭ (‬أحد‭ ‬اسماء‭ ‬مدينة‭ ‬حلب‭ ‬القديمة‭) ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تعزف‭ ‬فيه‭ ‬الأختان‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬عينكاوا‭ ‬في‭ ‬إربيل،‭ ‬تضيف‭ ‬الشابة‭ ‬التي‭ ‬تعشق‭ ‬الموسيقى‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬وتستمع‭ ‬لباخ‭ ‬وتشايكوفسكي‭ ‬وفيفالدي‭ ‬ورحمانينوف‭ ‬وتحلم‭ ‬بأن‭ ‬تصبح‭ ‬عازفة‭ ‬كمان‭ ‬معروفة،‭ “‬لا‭ ‬زال‭ ‬داعش‭ ‬يراودني‭ ‬في‭ ‬أحلامي‭ ‬مثل‭ ‬الكوابيس،‭ ‬إنهم‭ ‬يأتون‭ ‬بملابسهم‭ ‬السوداء‭ ‬ويكسرون‭ ‬آلاتي‭ ‬الموسيقية‭ ‬ويخطفوني‭ ‬وانا‭ ‬أصيح‭ ‬وأبكي‭ ‬وأبحث‭ ‬عن‭ ‬بقايا‭ ‬آلاتي‭”.‬

رغم‭ ‬مرور‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬هجوم‭ ‬الجهاديين‭ ‬على‭ ‬كوباني،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بروين‭ ‬تتذكّر‭ ‬أيضا‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭. ‬وتقول‭ “‬أحتفظ‭ ‬بصورة‭ ‬في‭ ‬رأسي‭ ‬عن‭ ‬داعش‭ ‬تأبى‭ ‬أن‭ ‬تغادرني‭: ‬ملابسهم‭ ‬ورايتهم‭ ‬السوداء‭ ‬وسعيهم‭ ‬لتحويل‭ ‬الحياة‭ ‬الى‭ ‬اللون‭ ‬الأسود،‭ ‬ومنعهم‭ ‬الموسيقى‭ ‬وحرية‭ ‬المرأة‭ ‬والإنسان‭… ‬أنا‭ ‬أخاف‭ ‬من‭ ‬داعش‭”.‬

ويقول‭ ‬رياض‭ ‬عثمان،‭ ‬أحد‭ ‬شركاء‭ ‬المطعم‭ ‬الأربعة‭ ‬الذي‭ ‬تغني‭ ‬فيه‭ ‬الفتاتان،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬قامشلو‭ ‬السورية‭ ‬ويجيد‭ ‬الغناء‭ ‬والعزف‭ ‬هو‭ ‬الآخر،‭ “‬أحاول‭ ‬مساعدة‭ ‬هاتين‭ ‬الفتاتين‭ ‬لأنهما‭ ‬متمكنتان‭ ‬في‭ ‬مجالهما‭ ‬وأمامهما‭ ‬مستقبل‭ ‬واعد‭”. ‬ويضيف‭ “‬لست‭ ‬مستغربا‭ ‬أنهما‭ ‬هنا‭ ‬فحياة‭ ‬الأكراد‭ ‬كلها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬هروب‭ ‬وغربة‭ ‬ومعاناة‭”.‬

في‭ ‬تركيا،‭ ‬مكثت‭ ‬الشقيقتان‭ ‬أولا‭ ‬في‭ ‬اسطنبول‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬ديار‭ ‬بكر‭ ‬حيث‭ ‬درستا‭ ‬الموسيقى‭ ‬والعزف‭ ‬على‭ ‬الآلات‭ ‬الشرقية‭ ‬والغربية‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬كردي‭.‬

في‭ ‬2019،‭ ‬قررتا‭ ‬العودة‭ ‬الى‭ ‬كوباني‭ ‬حيث‭ ‬بقيتا‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬شهدتا‭ ‬خلالها‭ ‬أوضاعا‭ ‬إنسانية‭ ‬واقتصادية‭ ‬صعبة،‭ ‬ثم‭ ‬نزحتا‭ ‬مجددا‭ ‬مع‭ ‬تعرّض‭ ‬المنطقة‭ ‬لهجمات‭ ‬تركية‭.‬

في‭ ‬المرة‭ ‬الثانية،‭ ‬كانت‭ ‬الوجهة‭ ‬كردستان‭ ‬العراق‭ ‬التي‭ ‬وصلتا‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/‬ديسمبر‭ ‬الماضي‭ ‬مع‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أشقائهما‭. ‬وقد‭ ‬استأجروا‭ ‬منزلا‭ ‬مكونا‭ ‬من‭ ‬غرفتين‭ ‬بنحو‭ ‬250‭ ‬دولارا‭ ‬شهريا‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬شعبي‭ ‬في‭ ‬إربيل‭.‬

وتعزف‭ ‬نورشين‭ ‬على‭ ‬آلات‭ ‬الغيتار‭ ‬والكمان‭ ‬والبيانو‭ ‬والكمنجة،‭ ‬وهي‭ ‬آلة‭ ‬وترية‭ ‬إيرانية‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الموسيقى‭ ‬الكردية‭.‬

وتقول‭ “‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬سوريا‭ ‬وإقليم‭ ‬كردستان،‭ ‬طلب‭ ‬جنود‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬أن‭ ‬نعزف‭ ‬لهم‭ ‬كي‭ ‬يسمحوا‭ ‬لنا‭ ‬بالمرور‭ ‬مع‭ ‬آلاتنا‭ ‬الموسيقية‭. (…) ‬عزفنا‭ ‬وكنا‭ ‬نبكي‭”.‬

وتروي‭ ‬الفتاتان‭ ‬أنهما‭ ‬كبرتا‭ ‬مع‭ ‬الموسيقى،‭ ‬وتحلمان‭ ‬باحترافها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

وتقول‭ ‬بروين‭ “‬أخبرتني‭ ‬أمي‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تغني‭ ‬لنا‭ ‬قبل‭ ‬النوم‭ ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬صغارا،‭ ‬وكان‭ ‬أبي‭ ‬يعزف‭ ‬لنا‭ ‬الطنبور‭ ‬ويغني‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭. ‬كبرنا‭ ‬على‭ ‬سماع‭ ‬الأغاني‭ ‬الكردية‭ ‬بصوت‭ ‬أمي‭ ‬وأبي‭”.‬

وتضيف‭ “‬حلمي‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬الى‭ ‬كوباني‭ ‬عندما‭ ‬تستقر‭ ‬الأوضاع‭ ‬كي‭ ‬نستمر‭ ‬بالموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬وأعمل‭ ‬كل‭ ‬ما باستطاعتي‭ ‬كي‭ ‬أساعد‭ ‬مدينتي‭ ‬لتنهض‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فهي‭ ‬تستحق‭ ‬الحياة‭”.‬

وتقول‭ ‬نورشين‭ ‬بدورها‭ “‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬إلى‭ ‬كوباني‭ ‬وأن‭ ‬تنتهي‭ ‬الحرب‭ ‬ونصبح‭ ‬أحرارا‭ ‬كي‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬بيوتنا‭ ‬لنعزف‭ ‬موسيقانا‭ ‬للناس‭ ‬ونعلّم‭ ‬الأطفال‭ ‬الموسيقى‭”.‬

مشاركة