زمن كورونا وزمن الميني جوب – نعيم عبد مهلهل

زمن كورونا وزمن الميني جوب – نعيم عبد مهلهل

صورة لرؤى المقارن بين زمنين تعيش في اطياف الذاكرة عندما اليوم تغسلك دمعة الخوف والقلق من هذا الفايروس اللعين ، فلا تذهب سوى الى اطياف الذكريات حيث سياحة الروح في اشتياق ازمنة كنا لانعرف فيها الامراض التي ترتدي معاطف الاوبئة وتصيب عموم المجتمع بالخوف والقلق والنعوش وهذا التباعد الاجتماعي الحذر حتى بين الرجل وزوجته .

لقد ايقظت محنة هذه الجائحة التي اختفى فيها اللقاح والعلاج وانبوبة الاوكسجين فينا تصورات لرؤى عهد جديد لم يعد فيه ماكان قائما ، ولا ادري كيف نجحت هذه الجائحة وبهذه السرعة المذهلة بخلق تصورات سريعة لنظم جديدة على مستوى الاقتصاد والمجتمع يكون فيها الوهن ظاهرا في القوى المنتجة والخزين المالي وكمية الغذاء ومشهد التخاطب الحضاري حتى على مستوى الابداع والخلق والتأليف والفنون الاخرى.

بين زمنين اضع الرؤيا

    عندما قبل أيام في واحدة من القنوات التلفازية المصرية سمعت شيخ ازهري يقول : لا عودة لزمان الميني جوب وظلمته فهو زمن الملحد جان بول سارتر والشيوعي برجنيف وخليعات السينما الفرنسية …وزمن مايوهات سعاد حسني ونادية لطقي وتحية كاريوكا..!    قلت :يبدو أن الشيخ الازهري متابعاً جيدا لما يطلق عليه زمن الميني جوب ، وحتما هو يقصد زمن سبعينيات القرن الماضي.. وقد اخذت تبريراته تنساق وراء تلك التنورة التي تصل في طولها نزولا الى منتصف الفخذين والتي صارت موديلا للثياب القصيرة في الغرب والشرق على حد سواء ، وحتى في الجنوب الملتزم اجتماعيا كجنوب العراق كنا ونحن صغارا نشاهد الكثير من بنات الثانوية والجامعات ومعلمات المدارس السافرات وقد ارتدين الميني جوب.     لم يكن ما ترديه النساء سوى تقليد لموضة بسبب طبيعة الحياة الاجتماعية في ظل ما كان يطلق عليه زمن الثورات القومية بشكلها اليساري ومحاولة الثقافة العربية الاقتراب كثيرا من الحضارة الاوربية وصرعاتها الثقافية والاجتماعية ومنها الازياء والسينما والسلوك الذي بشرت فيه بعض المذاهب كالوجودية والسريالية والاشتراكية كما في موسيقى البيتلز وتقليعة الشعر الخنافس والحماس اليساري القادم من كراسات هوشي منه وجيفارا وكيم ايل سونغ ولينين وماو وروايات كولن ويلسن وافلام السينما الايطالية الجديدة وافلام يوسف شاهين والأفلام الفرنسية التي كانت تسوق اغراءها المثير من خلال اجساد مارلين مورنو وبرجيت باردو وكاترين دينوف وكلوديا كاردينالي وراكيل وولش ورومي شنايدر وجينا لولو برجيدا وغيرهن.   ومهما يكن فأن قيم زمن الميني جوب لم تكن قيما يسودها عنف فتاوي الموت الغريب ، فتاوي الاجساد الانتحارية وتفجير تماثيل بوذا والاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة وكواتم الصوت والميل الى اقصاء الاخر بصفة المذهب والعقيدة .     لست هنا لأبحث عن سبب اختلاف العقائد وما نتج عنه فلقد أتت العولمة وانتهت ازمنة اليسار الذي ادعى انه المخلص الروحي لأزمنتنا مع المستعمر الانكليزي والفرنسي ولتتحول شعارات تلك الثورات الى عروش للدكتاتوريات ونهب الثروات وصناعة الحروب الطويلة.

    عصر الميني جوب كان عصر رفع الثوب الى ما فوق الفخذ ولكنه كان عصر ثقة مرتدي هذا الثوب بنفسه حتى في اباحية العري فيه . فلقد كانت تلبسه الدكتورة وموظفة البنك واستاذة الصف وطالبة الثانوية حتى وأن غابت فيه الحشمة ولكن المجتمع لم يتجاوز على مرتديه إلا في حدود النقد كونه مخالفا لصورة الزي المحتشم في المجتمعات المسلمة ولقد اختفى هذا الزي بصورة تدريجية في القناعات الجديدة لتغير المجتمعات دون الحاجة الى تهديد وخنجر وعبوة لاصقة وكاتم صوت.

زمن المبني

هذا زمن الميني جوب . ونحن اليوم في زمن الكورونا ، ولا مقارن سوى في امنيات العلمانيين واليساريين ليعود زمن السبعينات بتلك البهجة التي تبعد عنا صفقات الفساد في الدواء وتجهيز الاوكسجين واشياء اخرى معيبة على كل مستويات معالجة تلك الجائحة الملعونة التي عطلت ارزاق الناس واصابت عصب الحياة بالشلل وجعلت مقولة فقد الاحبة مشهدا يوميا مؤلما    بقي زمن الكورونا اليوم واختفى زمن الميني جوب …أختفى وفي قداس المعتقد وتعاليمه لم يعد له ، لا عودة قريبة ولابعيدة فقد تكيف عالمنا الاسلامي على هاجس ردة الفعل من كل اثار العلاقة الحضارية بين الشرق والغرب وصارت النظم السياسية الاسلامية المحافظة والمتطرفة هي من يسيطر على المشهد ليولد في حياتنا الاسلام السياسي الذي نال في نجاحه اللافت للنظر ثمار ما يسمى اليوم الربيع العربي بعد ان سبقتهم ايران في ذلك .

    زمن الميني جوب الذي يحذرنا الشيخ الازهري من العودة اليه عدا فضيحة ما فوق الركبة كان زمنا منتجا في روعة متغيراته الحضارية فهو عصر طه حسين وعبد الباسط عبد الصمد وام كلثوم وسلفادور دالي وبايدر مانهوف وكوفية ياسر عرفات وسباق الصعود الى القمر والتراجم الادبية الرائعة ( هاملت ، كافافيس ، سان جون بيرس ، يولسيس جميس جويس ، وقمر شيراز للبياتي) وأشياء تبدو في روعتها حلما لأطياف ملونة ومنتجة ولا تعرف ما يفكر فيه جنود طلبان اليوم والداعشيون والفاسدون…

بين الميني جوب والكورونا رؤية الحلم والامل ان تعود الى سابق عهدها تفيض بجمال الاحلام وحمامات السلام ومكائن المصانع واراجيح مدن الالعاب ولتذهب الكورونا والمنتــــــفعين منها الى الجحيم.

مشاركة