رواية قصيرة
بغداد
عبدالواحد محمد
استيقظت مبكرا بعدما أديت صلاة الفجر في غرفتي القدرية وكل دعاء لأمي الراحلة بتجاوز الله كل اخطأ لم تقصدها وكل البشر !
ثم تصفحت جريدتي المفضلة مع نسمات الصباح , وفنجان قهوتي السادة لزوم الرجيم القاسي , كعادتي استوقفني بعض عبارتها الرشيقة بصورة تتصدر تلك الكلمات واسفل الصورة بغداد بدمها ولحمها ومعالمها التي تغلغلت في الوجدان العربي بل في الوجدان الإنساني !
وتنفسنا منها رائحة دجلة والفرات التي لا تقاوم لا تتغير بفعل شروخ الزمن !
تنهدت بكلمات ميساء وطردت شهيقا وزفيرا بكل نشوة من وقع في هوي امرأة ليست فاتنة الملامح وذات انوثة طاغية فقط , بل امرأة عفوية في كل مشاعرها النبيلة
اه
اه
هي بغداد التي جعلت من كل معاني الحكمة وطن .
هي بغداد بكل لوحاتها التشكيلية التي منحتنا نبوءة زمن
نبوءة حمورابي وحكمة نبوخذ نصر وعشتارية الألف حكاية
هي ورب السماء بغداد
بيت الحكمة حديث وتاريخ لا يعرف انكسار مهما مرت السحب الداكنة والاقدام المريضة تعبث بكل ايقونات زمن !
دروب زمن !
آثار زمن !
مازالت بغداد قنديل الزيت الزيتوني الأخضر النقي , رغم كل الوعيد بها وبكل دروبها العتيقة
باب المعظم
باب الشيخ
الباب الشرقي
الباب الوسطاني
باب الأغا
وكل دروبها العتيقة في الكاظمية التي هي شجن وسر من اسرار كل تاريخ !
لم تكتشف بعد لكونها اعمق رواية عربية !
اعمق من كل روايات من قالوا إنها عالمية !
لم اغلق بعد جريدة الزمان الدولية جريدتي المفضلة رغم أنني اسكن القاهرة لكنها نداء يكتب كل معاني الذات التي فيها صورة تلك المرأة البغدادية التي ترتدي عباءة جدتي العربية من المحيط إلي الخليج وترتشف من استكانة الشاي بالهيل الذي لا تقاوم رائحته ومذاق السمك المسكوفي الذي هو الآخر فلسفة رجل بغدادي لم يسكن شارع ابو نواس بل سكن في كل القلوب العربية وغير العربية بكرمه الطائي وحكمته التي استمدها من رجال نعتز بهم ابو جعفر المنصور والمبدع هارون الرشيد وكل من صنعوا تاريخ بغداد الملهمة عبر كل عصورها بكل الالحان الشجية بغير فاتورة باهظة التكاليف بل كانت المعني الذي مازال هو الشباب !
بغداد
بغداد
بغداد
تنفست الصعداء وانا ما زلت ثمل من قراءة كل معالم تلك المدينة الفاتنة بغداد في ذاكرتي التي مازالت شابة وهي تبتسم بكل تواضع وكبرياء النبيلة العظيمة !
أميرة كل القلوب !
شقيقة كل من استأنس بحسنها ورجاحة عقلها !
وتبتسم الذاكرة مثل وجوهنا مثل قلوبنا مثل عيوننا مثل تلك الفاتنة التي زادها الله حسنا وحكمة !
اه
اه
اه
أنها بغداد بكل عطرها الفواح بكل دروبها التي فتنت بها منذ زمن وأزمان وانا في غياهب قرون طويلة بعيدة عن تاريخ مولدي بألف عام !
حتي خرجت من أرحام أمي التي كانت بغدادية الهوي. رغم أنها لم تطأ بقدميها تلك الأرض الحالمة عفوية المشاعر والحكمة فكانت تؤمن أمي أن بغداد عطر كل تاريخ !
سيدة كل سيدات الطهر والعفاف والثوب العربي الأصيل !
بغداد
بغداد
بغداد
وعبرت تلقائيا من زاوية جريدتي المفضلة بل عرجت إلي دروبها العتيقة وانا ارسم لها صورة قبل سفري إليها الذي تحدد منذ أيام قليلة وترحمت علي أمي وقرأت لها فاتحة الكتاب وكل إيمان إنها سند لشخصي المتواضع حتي في موتها !!
تنهدت بعزف بغدادي كعادتي وقلت سبحان الله فلسفة الحكمة دوما ودائما بغداد والتاريخ !
وفي ثواني معدودات وجدتني امر بين دروبها التي فتنت بها شارع الرشيد الذي فيه الألف رواية من حكايات بغداد التي هي أعذب واشهي امرأة نقية لم تعرف غير الفضيلة في كل المحن مازالت هي العفيفة رغم ما مر بها من جراح والذين قالوا عنها أنها لن تلتئم ؟!
ظنوا أنها سقطت من الطابق الالف ولا امل في نجاتها بعد عقود من آلم ومحنة زمن !
اه
اه
بغداد عزف دائم وملهم فيها كل أجدادي الذين عبرت معهم إلي شارع السعدون الذي فيه جاذبية تلك المرأة البغدادية التي كتبت علي كل جدرانه أنها قصة خلق أنها حفيدة سمير اميس التي مازالت تتحدث العربية بلكنة بغدادية !
شاكو ماكو حبيبي زين كل الزين حبيبي !
وهي نتجاذب الحديث بجواري مع ابو الشاي الرجل السبعيني الذي يبتسم لكل من حوله ويقدم لهم الشاي ابو الهيل بكل كرم ودعة أبناء آل البيت في بوح بل عزف من قال أنه جاء من رحم سمير اميس التي هي ام كل بغدادي كما حواء ام كل البشر !
اغمضت عيناي وانا ثمل من نشوة تعبر بي إلي دروب بغدادية لها فلسفة تلك المرأة التي قاومت بكل يقين ووطن !
غدر وقسوة وغلظة من حاولوا التحرش بها يوما ما بل اغتصابها تحت حكايات وهمية !!
عبث من لا يعرفون غير نهب كل من كتبوا تاريخ العفيفة بغداد الغالية أم النداءات بغداد مع الاعتذار للشاعر الكبير أبن رام الله محمود درويش ابن فلسطين التي دوما قدسية كل الأديان !
اه
اه
وبين دروبها العتيقة مازالت امتطي جواد عربي أصيل وانا أشاهد جامع ابو حنيفة النعمان اسطورة العمارة البغدادية وكل مساجدها العامرة برائحة جدتي البابلية التي سكنت بغداد ودروبها الساحرة بنكهة كل شعراءها أبو الطيب المتنبي وعبدالرازق عبدالواحد والبياتي والجواهري وكل من صنعوا قصيدة كبري وعبرت إلي تلك الدروب التي هي بغدادية مائة في المائة
لا خيال ولا اوهام وخزعبلات امرأة عارية من كل القيم والاخلاق التي قالت عنها انها مهزلة ويتم فكري في مجونها اليومي بعيدا عن حدائق بغدادية !
وخطت قدماي بين تلك الدروب القدرية غير مكترث بما تفوهت به تلك المرأة الشيطانية التي لا اسم لها غير شاردة وصافحتهم بكل الحب وصافحوني بكل الزين
الأعظمية
الكرادة
الرصافة
الكرخ
المنصور
الجادرية
لاريب تنهدت بنشوة من قرأ بعض من سطور بغدادية في صباح صيفي رطب مثل تمرها وتمورها الدجلاوية !
مازال يحمل تلك النكهة التي فيها عطر تلك المرأة البغدادية التي تخطت عامها الستين بكثير وهي مازالت فتية تؤمن إن ليل بغداد مثل نهارها لا يعرف غروب !
ولن يعرف غروب !
وقبل أن اغادر ركن غرفتي المودرن جدا غرفتي القدرية اغلقت جريدتي المفضلة الزمان الدولية وهي تقترب مني وتطبع قبلة حياة علي جبيني الذي زاده الشباب وتبدلت كل جراحه التي خيل أنها لن تلتئم !
وفي عقلي تلك البوابات البغدادية التي تناديني بفلسفة زمن ساعة بغداد ساعة الاعظمية ساعة القشلة برج المأمون برج الزوراء وكوبري المسيب الذي هو الآخر حكاية من حكايات روايتنا العربية حكاية غناء مازالت تطربنا مع الفنان ناظم الغزالي والشاعر كريم العراقي الذي تغني بكلماته قيصر الاغنية العربية وبلبها كاظم الساهر وبين تلك الدروب قرأت بعض من رسائل كنت سطرتها من زمن لتكون مشروع روايتي القادمة عن بغداد التي فيها رمزية كل من احببتهم امينة الرحال أديبة طه الشيخ سلمي الجبوري نهي النجار رباب الكاظمي بلقيس وكل بلقيس صنعت الصمون والكبة والتشريب والدولمة بعطر تلك الفاتنة التي لا تقاوم مهما كانت حرارة صيف وبرودة شتاء قارص مثل الموت فلك حب جارف سيدتي القدرية قنديل الزيت الأخضر شاكو ماكو حبيبتي !
كل الزين حبيبتي !
عظيم الاحترام لك ولكل من يكتبون اليوم رسالة سلام ووطن !
انها ام البشر بغداد انه ابو البشر الرجل البغدادي القديم الذي قال الحكمة ومازالت هي سند لكل ضمير وعقل راجح !
أنها كل دروب وطن !
بغداد الحبيبة
بغداد
شاكو
بغداد
ماكو
بغداد
كل الزين
حبيبتي
عبدالواحد محمد
روائي عربي