قراءة في مجموعة جابر محمد جابر
دوائر مربعة بين مخيالية الدال و شعرية السرد
حيدر عبد الرضا
البصرة
تتعدد مراكز الوعي الشعري في كتابة القصيدة بتعدد حقول إجرائية حوارية الأصوات التصديرية في حدود شبه حاسمة و شبه استيعابية و شبه اقناعية في توزيعات ملامح اللقاء و التفاعل ما بين جهة محورية الملفوظات و جهة أفق الخطاب و جهة المعنى المزامن لجدلية منطقة الذات الشعرية، و لدرجة أنبثاق اللاعلاقة في مظاهر أحتمالات الدوران التقاطبي حول الدليل والملائمة التوصيفية في شعرية مظاهرات تشكيلات الانفتاح النصي الموجه الى منطقة المرسل أليه و المسكوت عنه..
و نحن نسجل هذه المقدمة الدراسية من زمن مقالنا لقصائد مجموعة (دوائر مربعة) للشاعر العزيز جابر محمد جابر، أثرنا ان لا يفوتنا تدوين حالات انطباعية قراءتنا لقصائد الشاعر الجديدة، لاسيما كونها نابعة من فضاءات تعددية الوعي المركزي المنصب في سياق مخيالية مؤشرات راسخة في الدليل الأيقوني المخالف لدليل مراوغات اللغة المجازية وخصوصية قنوات ظاهرية الكلام المحدد في شفرات النص الشعري، لذا فأننا سوف نعاين حينا مجليات تلك الأبعاد وحينا قابلية معاينة الكشف المعياري في أفصاحات تلك الأنساق الحضورية في بنية المسكوت النصي المؤجل :
أيتها الملكة
حين سقط النوم عن جفنيك
كانت كفي
تغازل النجوم
دمي يعزف لحن الوطن
لم أكترث لبقايا أسلاك شائكة
تركها الغزاة.
في هذه المقاطع الشعرية من القصيدة نجد ثمة حوارية تعدد ملتبسة بأفق تعددية التجليات الدوالية المنسكبة في صحيفة منطوق شعرية الدال، وفي أصوات استمرارية تفاعل مستويات مناحي الشكل في مادة إضاءة خلفيات مزاوجة مناصات التحويل القارة في معاكسات تعاقدية مكاشفة الوعي النصي، فعلى سبيل المثال، نلاحظ بأن موضوعة النص قد حلت على هيئة تعامل تداولي في مستوى آخر من حركية تسمية الأشياء، و في مستوى جديد من لغة الجسد الدلالي الضمني، لذا فأننا نجد دال جملة (أيتها الملكة)، عبارة عن اجتماع تركيبي شاخص في صلة محور اتصالية مدلول
(سقط النوم / حين) ففي أي رسالة خطابية يتضح لنا هذا الشكل من تعددية اتصالية التماثل ما بين علاقة الأشياء العضوية في النص، حيث أحيانا لا تتيح لنا النصوص مرأى لحظة الاستعاضة الكشفية، ألا في حدود إيحائية أخرى من زمن الشفرات الاستبدالية القائمة ما بين بنيوية مجال دلالة الموجه القرائي وبين سيميائية الآخر العضوي.. (كانت كفي / تغازل النجوم) من هنا لعلنا نشعر بأن العلاقة الخطابية في الشكل التصوري صارت عرضة لأمتداد دوال المقاطع المركزية في النص و تحديدا في العنونة العامة، حيث قد أضحت لنا حالة من حالات المواضعة و التراتيبية النسقية في مؤديات (الفضاء / المحمول / الصوت) وصولا الى مجال المؤسطر في قيمة مساحات آلية دال محور
(الوطن / يعزف / دمي). ثم بعد ذلك تظهر لنا محطة التحفيز الاعتبارية في منعطفات حالات الأحالة االايقونية في واقعة جملة الدخول المتنية في النص (لم أكترث / لبقايا أسلاك). و كل هذه التصديرات الدوالية بدورها، نجدها تدخل في تعريف يافطة (مخيالية الدال) و في فضاء يافطة العنونة الأحتوائية المنجدلة في ظاهرة موسومات دال جملة اللاحق (تركها الغزاة).
(إغواء النص و انفتاح زمن الفضاء العلامي)
بوسعنا أيضا ان نتعرف من خلال حلقات مقالنا الدراسية هذه، على خلاصة الطاقة الإغوائية في مشهد الداخلي و الخارجي من قصيدة الشاعر، و لاسيما في حدود مشروع هذا المنجز، و في حدود محطة بؤرة (زمن الفضاء العلامي) و حراك دال (إغواء / النص). و القارئ لهذه الملامح السيميائية من زمن دراسة هذا المبحث من مقالنا، لعله سوف يتوهم بأن شعرية المراوغة ما هي ألا دليل وجود ثمة صورية قصوى في حالات جهة التنصت لزمن دلالات كاميرا حجاب المخاتلة القولية في الخطاب الشعري. ألا أنه في الحقيقة كل هذا ليس له وجود في عضوية علاقة الخطاب و النص و الشكل والسياق، إذ أننا كل ما نعنيه هنا، من وظيفة(إغواء النص) أي بمعنى أن هناك حالة من حالات جدل اللغة الشعرية التي تكون منفتحة عادة على مدى طويل من أمكانية التضاعف و التغييب في مقولات مستور آلية دلالة صوت الأشياء في ضربات شكل المشهد الشعري في منفاي الضوئي
وعند محراب كهولتي
كان المساء المشتعل
يطفىء.
شموس دمي،
بمصابيح فاجرة..
حاولت أن أخبىء..
كهولتي
من طوفان الألوان
حتى لسعني الضوء.
في مقاطع هذا النص، نجد أن ضمير المتكلم يأتي ضميرا سرديا فاعلا، وثبات الضمير السردي هنا، ما لبث أن صار يلوح الى حركية تحولات كبير في حلقات مفصلية تعددية الكتل العلائقية الراصدة لعلاقة الأنتقال الشيئي و علاقة صوت ذاتية حضور الضمير..(في منفاي الضوئي / و عند محراب كهولتي) أن هذا النسق الصوري المترابط مع السياق التنصيصي مقصديا وشفرويا، لربما سوف يحملنا الى المضي نحو زمن خطاب الكشف عن حالات عتبة الفاعل الإغوائي الكامن في (ضمير / محرك / غرض / اتفاق / غاية) و هذا التوجه من النص بدوره، سوف يمنحنا، تلمس حركة (إغواء + صلة = متكلم = معنى = علامة).
بمصابيح فاجرة..
حاولت أن أخبئ..
بوسعنا هنا أن نتعرف على شكل حركية هذه الوثوقية المدلولية المتشاكلة ضمنا ما بين دال الحركة الاحتوائية الأولى و بين استرسالية نواة الأضافة الصورية
(في منفاي + كهولتي = المشتعل = المساء) ثم بالتالي نلاحظ بأن المعادلة الإغوائية أضحت لنا انقلابا مضمونيا في أقصى حالات المراهنة التعويضية في حركة المعاكسة والاتفاق التوليدية في الشكل الافصاحي من علاقة الاشياء
(حاولت أن أخبئ) إذ نلاحظ استحداث صورة الإغواء هنا بموجب نسقية مكاشفة دال الحضور (كهولتي / طوفان / الألوان) ثم ما تلبث الأشياء بعد هذه الحالة الإغوائية الى جهة خطاب الأستحداث الخروجي ما بين اللقطات في دوائر مراوية و بين فعالية الإداء التغييبي الكامنة في منطقة مثول معنى الأسلبة الإغوائية في مرايا صوت المحور المركزي
(حتى لسعني الضوء) هكذا تبرز لنا القيمة الاغوائية في منجزات انفلاق دلالات زمن فضاء المحاور و الصفات و الأفعال، وصولا الى سياق احتشاد الدوال الى جهة مضامين التواصل، ومن أجل بلوغ المكانية في دلالات المثول في ملكية التوكيد المكتسب في حساسية الصورة الشعرية في القصيدة.
(تماهي الأشياء في محور دلالة التقابل)
لا يفتأ الشاعر جابر محمد في مجموعة (دوائر مربعة) وفي مستهل كل قصيدة بأنه لا يسمي الأشياء وفقا لمفهوم التماهي ما بين الشيء والزمن و الحالة، غير أننا و نحن نطالع بعض من نماذجه الشعرية، شاهدنا بأن النص الشعري، يبدو أحيانا كأمتلاك لحظة أولية في علاقة الأشياء المحايثة إزاء محاور القصد و الأنتماء الى جهة تصدير (خطاب/ دليل) أن هدف الفاعلية ما بين تماهي الأشياء في محاورات دلالة التقابل القصدي كما يرى بارت سواء كانت انعكاسية أو قصدية، فهي تعيد بناء لغة محاورة موجودة بطريقة تبرز قواعد الاداء الوظائفي لهذا الشيء الموجود الذي هو بالنتيجة يؤدي الى إبراز شيء ما و جلائه، سواء بقي هذا الشيء مرئيا أو غير مرئي، و إذا فضل الشاعر ذلك، صارت لديه كل معاني ظهور الأشياء في زمن التعالق الأمتدادي ما بين علاقة تواصل و بين زمن قصدي ممتد لا يكتفي بلحظة الحاضر فحسب.
قررت
أن أخلع هم العمر..
أن أخلع خوفي
و اعلقه على مشجب أحلامي
لم تعد رغبتي قائمة
في أن أرتق
ثوب أسمال ذاكرتي
و لن أرتدي،
بعد الآن
معطف النسيان.
ان هذه الرؤية الانتقادية التهكمية التفارقية في مقاطع هذه الاجرائية الشعرية التوصيفية، لا تتسلح بخطاب الاستبدال المخالف لفحوى دلائلية الأشياء، أنما هي تشكل أمكانية مكاشفة لفاعلية علامة النسيان، بل أنها أيضا جاءتنا اداة لتمرير نسيان أشياء الشاعر في عالم الأضطرابات النفسانية، كتصور رمزي تضميني لمجريات خطوط حالات توقعية الرؤيا في مشروع اقنعة الأمساك بخيوط دلالة المسكوت عنه في زمن الاقرار الدوالي : (قررت / أن أخلع خوفي) تفصح هذه المسآءلة عن كيفية تحولات سببية الأشياء و التحكم في مصادرها المسارية، فالشاعر هنا موغلا في حدود شفرات الحلم و الفنتازية الشعرية و هو يعقب الاستجابة في ضمير متوالية الواقع كعلامة رمزية اقتنائية لمرحلة شعرية ناضجة فالشاعر هنا أيضا يحاول خلق كينونة شعرية تحيا في قلب زمن الجاعل و المجعول و الغوائية البعدية، كبعد ميتافيزيقي يتغير تبعا لحالات تأويلية ساكنة في زاوية لعبة الدوال الغائبة:
(و أعلقه على مشجب أحلامي / لم تعد رغبتي قائمة / في أن أرتق ثوب أسمال ذاكرتي). هنا يشرع الشاعر في مسآءلة سراديب الأشياء في القصيدة و فيه، بيد أنه لا يسائلها كلحظة زمانية وعاطفية مغلقة، بل يسائلها و يكاشفها كلغة و اشارات يملك مفاتيحها و حده، بالتالي فهو يعيد تشكيل رموز الفضاء اللحظوي لديه، كتصدير ذا بصيرة نفاذة يدرك من خلالها المسمى كشيء ليس في ذاته، ليعلن لنا تجليات تعددية دلائل كاشفة لا تقف عند حدود معنى سطحي و عابر قسرا :
(و لن أرتدي / بعد الآن / معطف النسيان) ففي كل دال شعري هنا نلتمس مفتاح نقيضه، فإذا كانت الهموم لدى الشاعر تدل على ظلال الفعل و الاهواء و الهستيريا، و إذا كان الخوف دالا على انغلاق أبواب الشجاعة النفسانية، و انسداد الأفق، فإن شعرية الأشياء عند الشاعر في القصيدة، ما هي ألا بصيرة تخترق جملة الابعاد الظاهرية في الخطاب الشعري، ويفتح لها الشاعر في القصيدة ثمة رؤية مفتوحة على مدى المضامين الشاسعة :
كنت أرقب السماء
بعينين مالحتين
ثمة غيمة تلمع
و طيور تمارس عزلتها..
بحرية مستفزة
كنت أقف أحيانا
عند حدود الذاكرة
أتصفح أوراق المستقبل
يا للعار.. ؟
ماله ذلك الماضي يذوب
أمامي في مستنقع الزمن
لقد تركت خيالي
يسبح بصمت مكفن..
بعار الخيبة.
و أمام هذه المشهدية الكاشفة التي تحيل جملة تصورات الشاعر للزمن، كفكرة عابرة لفضاء فاعلية صورة الخطاب النصي المتشاكل، كما وتجسد لذاتها دفة قيادة أحتواء فاعلية المخالفة و المغايرة في ميزان مثالية زمن الترقب و الألتباس والقلق إزاء إشكالية صراخ تأملات الذات الشعرية، و هي تكشف دلالات القول الشعري و على نحو يترآى لنا مشهد عمق بؤرة العين الواصفة لسيناريو موصوفات التفكير التأملي الحالم المتحول الى ميدان هوية القول الشعري الجاد.. و في الأخير أقول بأن تجربة اللغة الشعرية في مجموعة(دوائر مربعة) للمبدع جابر محمد جابر، جاءتنا مكتنزة في لحظة مباغتة و خاطفة، تتكشف من خلالها حوارية الدوال أكتنازا خصبا لتنفتح على فضاءات معادلة شعرية ثرية، تتوازن فيها المكونات و الأشياء من أجل خلق صورة تعبيرية شعرية لا حدود لها، تنهض في أعلى درجات تجليها وتثميرها و أبداعها النوعي المضاد لشعرية و مقولات التقليدية في زمن دلالات القصيدة العراقية.



















