مع اشراقة الصباح ستأتي السيارات التي تحمل مواد البناء و كالعادة يفرغ فرج السيارات ويقوم ببناء اجزاء من البيت بالتتابع ، حليمة شعرت بوغزات آلام شديدة ويبدو ان انتفاخات بطنها ستصغر ، فاليوم موعد ولادتها , ذهبت والدتها معها الى المستشفى وبعدما خرجا تحمل بين ذراعيها الطفلين.
ام حليمة : ماذا ستطلقين عليهما من أسماء ؟
حليمة : رامي وداليا
ام حليمة : يا أبنتي ماهذه الاسماء لا استطيع لفظها
حليمة : أمي على الموظة لا يمكن ان نكون اشخاص قديمين يجب ان نسعى نحو التطور هل تريدين ان اسميهما كأسمي الذي لا افتخر فيه ابداً
ام حليمة : لا يا أبنتي اسمكٍ مشتق من الحلم
حليمة : أمي أرجوكِ اتركِي النقاش
عادتا الى البيت الذي لم يكتمل بناءه بعد وفي ألغرفة الوحيدة الذي تم بناؤها بشكل جيد جلست حليمة بين طفليها وذهبت والدتها إلى منزلها.
دخل فرج وهو محمل بالخضر والفواكه وعلى الرغم من تعبه الشديد والعرق المتصبب من اعلى جبينه الا ان السعادة تغمره .
فرج : كل الخير من عملي ، اليوم كسبت مبلغ اضافي من صاحب المنزل الذي اقوم ببنائه وحسب الاتفاق وصلت سيارات مواد البناء إلى بيتنا ولم يبق ايام واباشر ببناء الغرفة الثانية وأكمل المطبخ
حليمة : جاء اولادنا وجاء رزقهم معهم
فرج : هذه التفاتة من الله علينا
تطرق الباب وينادي رجل بصوت فرج فرج افتح الباب ،يفتح الباب ويجد المقاول سعيد وقد عرض عليه عرضاً مغر في ان يبني ويصبغ ومعه عمال البناء عمارة ويعطيه المقاولة بأكملها .
فرج ماشياً بين باب البيت والى داخل المنزل ينظر الى مواد البناء تارة وتارة يتحدث بصوت منخفض مع نفسه
فرج : اذا بنيت من الاساس لن احتاج سبعة عمال سأضيق العدد والعامل الاضافي أخذ أجرته اما الطوابق – وهو يضع السبابة على صدغه ينزل بيده على ذقنه – حديد التسليح الذي يفرق منه أكمل به الطابق الثاني . هي فرصتي على اية حال لا تأتي الا مرة واحدة _ (ويضرب بقبضةو يده اليمنى يده اليسرى المفتوحة).
وفي اليوم التالي بدأ العمل الساعة الخامسة صباحاً جاء المقاول سعيد ومعه سائقه عـلاء
سعيد : أخي انت معك عدد قليل من العمال المطلوب على الاقل عشرين
فرج : أنت تريد بناء مضبوط وأساس مضبوط ما ألذي يهمك أن كانوا عشرة أو عشرين
سعيد : وقت العمل يهمني كثيرا
فرج : في الوقت المناسب ستسلم العمل
سعيد : أنا مسافر إلى لبنان ومعي العائلة وسيتابع العمل السائق علاء جميع التفاصيل الصغيرة والكبيرة اسمعها منه .
فرج : أدعو لي زيارة لبنان
سعيد : دعوتي مستجابة
ضحك بصوت عال وذهب سعيد ويتحدث قائلاً لـ عـلاء ابن اللعينة سجلت (ثلاثون) عامل وأخبرني أنه سيحضر (عشرون) عامل والعدد (أثنا عشر) .
عـلاء : عمي المهم أن ألعمل بوقته وربحنا مضمون سواء تم العمل أم لم يتم .
عاد فرج و الفرحة لا تسعه وينادي زوجته ويقول :
فرج : اليوم كل شيء سينجز بأتم وجه حليمة : (بحماس) اخذ حقك وأكمل بناء بيتنا قبل العمارة .
فرج : العمارة ليست ذات أهمية لدي لأن سعيد سافر إلى لبنان والتمويل موجود
دخلت أم حليمة وسمعت بأطراف حديثهما ووقفت في باب الغرفة وقالت :
أم حليمة : ابني تقول الأمثال (ألذي يعيش في الحيلة يموت في الفقر)
ثم تخرج تحاول حليمة أن تحاكيها وهي جالسه في مكانها وتنادي :-
حليمة : (أمي .. أمي) فـلا ترد الأم عليها وتتأوه حليمة وتضرب بأستخفاف وجهها وتقول : خرجت أمي زعلانة – وتبتسم –
فرج : وماذا علي أن أفعل ؟
حليمة : تعتذر
فرج : غدآ حينما أعود
حليمة : وتحمل معك النقود (ويضحكان) عاد فرج من العمل مرهقاً بالكاد تحمله قدميه استلقى على الفراش من دون أن يغير ملابس العمل
حليمة : أصبح الفراش قذر
فرج : أنا تعبان جداً
حليمة : تناول الغداء وتذهب للاعتذار من أمي
فرج : لا أستطيع
حليمة : لقد وعدتني
فرج : سوف تحضر أمك في أية ساعة لأنها تحب الأولاد كثيراً
حليمة : تحبهما أكثر مما تحبني وتدللهما ولا تريد أن تناديهما بأسميهما فرج : ماذا تناديهما ؟
حليمة : دلال وجلال لا أعرف بالضبط
في هذه الاثناء تدخل أم حليمة ومن دون أن تسلم
أم حليمة : لا تتصوران أني أريد أن أرى وجوهكم لكن هؤلاء الصغار يشغلون فكري وتربيتهم ضرورية بالنسبة الي , ولا أريدهما أن يكبرا مثلكما ويكونان نسخة منكما .
فرج : نحن لسنا فاشلين , لم نتقدم بالعمر كثيراً وهذا كل الخير
أم حليمة : خيركم مخلوط
حليمة : (تحاول أن لا تخرج أمور النقاش إلى حدة) مخلوط بالبيض يا أمي (وتبتسم)
أم حليمة : لن تتمكنوا من بناء بيتكم الصغير هذا أبدا
(تقبل الطفلين وتأخذهما معها إلى البيت وتعيدهما في المساء مثل كل يوم ومضى على عمل فرج عامين لم يكمل العمارة ولم يكمل البيت)
حليمة : بصوت عالي لو أنا التي أعمل لأكملت البيت وبدأت بعمارة ثانية .
فرج : (منهك القوى) هات لي الطعام
حليمة : تفضل , – وتستأنف الكلام – صدقني
فرج : هذا كلام نساء لا أهتم له
حليمة : في التلفاز يقولون (المرأة نصف المجتمع)
فرج : صح يا حبيبتي لكن اعرفي بالضبط في أي نصف تكوني
حليمة : اظنك تقرأ صحفاً ومجلات
فرج : لا ابداً لكن هناك امرأة عابرة سبيل ومثقفة قالتها لشاب في سيارة النقل العام ونزلت
رن الهاتف الخلوي ورد فرج وقلبت الوان وجهه اذ اتصل به سعيد وأخبره أن عليه أن يسلم العمارة خلال يومين وألا سوف يأخذ جميع مادفع أليه (ضريبة) لتأخر العمل , وقبل أن تشرق الشمس فرج في موقع العمل ويتحدث ويأمر بصوت عالي بقية العمال ومن شدة غضبه لا يرى موضع قدمه ويهوي ساقطاً ارضاً وقد كسرت ساقه وينادي بأعلى صوت ساقي .. ساقـي ويصمت ويشعر بصمت داخلي ويجتمع حوله العمال ويأخذ إلى المستشفى وقد اجريت له الفحوصات الطبية وها هو الان في ألمنزل يتكأ على عكازته في حديقة المنزل .
فرج : لعلي كنت ابحث عن فرج قريب لكني لم أجد
أم حليمة : لقد خنت الأمانة يا ولدي
حليمة : لا هذا قدر وسيعود الى العمل ، – وتلتفت على فرج- توخة الحذر وعد الى فراشك – ينصرف فرج الى الغرفة –
ام حليمة : انك دائما لا توافقيني الرأي ، زوجك قد شفي تماما انا رأيته ولكنه يتمارض بسبب الديون ويستعطف سعيد ومالك العمارة في ذلك .
حليمة – بتفاخر- انا سأذهب الى العمل غدا واعوض ما فات من فرج
ام حليمة : أي عمل تقصدين
حليمة : عمل جديد لكنه بعيد عن دارنا
ام حليمة : لا داعي الى ذلك فرج قد شفي وعليك الاعتناء بأولادك وان اردتي العمل فاعملي بمكان قريب .
حليمة : انك دائما لست متفائلة
ام حليمة : انا اتكلم من واقع مجتمعنا ولا تعصيني انا امك وعصياني مر العواقب
حليمة : انا لا اعصيك لكن يجب ان نجاري المودة هذه ام زياد تعمل في الصباح بمكان وفي الليل بمكان اخر
ام حليمة : وما كان نتائج عملها خسرت زوجها
حليمة : زوجها لا يستحقها
ام حليمة : انا لا ارفض العمل هذه نضال مات زوجها وعملت وكدحت حتى اصبح اولادها يضرب بهم الامثال حليمة : لن تقنعيني ابدا
في اليوم التالي خرجت حليمة الى العمل , وبقى فرج في المنزل تارة يمشي من دون عكاز واخرى يمشي بها وعلى الرغم انه شفي تماما , الا انه يرفض الشفاء , وفي وقت الظهيرة عادت حليمة تحمل انواع مختلفة من الطعام وتفوح رائحة زكية من المشويات والمقليات والفواكه ، يبدو فرج برضاً تاماً على زوجته ، ودخل السرور على هذه الجلسة العائلية ، لكن حليمة تشعر بتعب .
حليمة : انا اشعر بالتعب الشديد لكن صاحب العمل قال ان بقيت ساعة اضافية سيزيد من اجري الضعف
فرج : (من دون تفكير) هذا جيد ومفرح للغاية .
حل المساء وزارت ام حليمة ابنتها وتحاول اقناعها ان لا تزيد من عدد ساعات العمل لكن محاولاتها باءت بالفشل ، ويوم بعد يوم ازداد وقت العمل ساعة تلو ساعة ، استاء الوضع العائلي من ساعات العمل الاضافية ، وزادت ساعات نوم فرج الطويلة التي عادة ما يكون نائما ووجهه قبالة الحائط لا يتقلب في نومه الا نادراً وكأن جسده تعلم على ان ينام على جهة واحدة من دون ان يشعر بآلالم فلا يحاول الانقلاب على جهة اخرى او حتى يحاول النهوض ، بات فرج اشبه باهل الكهف في نومه الطويل الذي لا نهوض منه ، اما اطفال حليمة فيلعبون في الشارع من دون رقيب او ناصح ، على الرغم من محاولات الجدة اليائسة ان تساعد هذه العائلة في تنظيم امورها ، لقد تعبت الجدة ام حليمة واصيبت ببعض الامراض العضوية التي تحول من مجيئها ، مازال فرج يتمارض وظلت حليمة تعود في اوقات متأخرة من الليل ، وبقى الاطفال يلعبون في الشارع ، وفي ليلة من ليالي الشتاء الممطرة حضرت الجدة وطرقت الباب بعنف على الرغم من ان قواها ما عادت تناسب هذا الطرق العنيف ، اذ وجدت اولاد حليمة في الشارع المقابل يلعبون وقد خشيت عليهم وحوش الليل ونادت حليمة وفرج لكن حليمة لم تعد الى البيت وفرج نائم قبالة الحائط ، فادخلت الاولاد واطعمتهم ، وخاطبت فرج بان ينهي هذه المهزلة ويهتم لامراولاده وزوجته لكنه لم يحرك ساكناً ،وخرجت ام حليمة في تلك الليلة وفي الجو الماطر قاصدة دارها للراحة ، تجر الخطى بين الازقة المتجاورة فمرة تضمر قدمها في الطين واخرى ترفعها ، وانتظر الاولاد عودت امهم حليمة في تلك الليلة الحالكة السواد علها تعود وتمنعهم من اللعب في الشارع وترعاهم كما ترعى الامهات اولادهم ، وشعر الاولاد بالنعاس وناما نوماً عميق على ارض الغرفة ، لكن حليمة لم تعد الى منزلها ابدا وبقى فرج نائما قبالة الحائط ، وفي اليوم التالي بقى الجو غائما ينذر بالمطر الا ان الاطفال خرجوا يلعبون في كل زقاق وحي ، ولم تعد الجدة لهم ، وبقى المنزل على ما هو عليه لم يكتمل بناؤه ولم تنصب ابوابه . دائما نريد ان نقول شيئاً
ورود ناجي العارضي – بغداد