خيال علمي للخلاص من سطوة رقيب السلطة والتقاليد

أعشقني سناء شعلان

خيال علمي للخلاص من سطوة رقيب السلطة والتقاليد

فيصل عبد الحسن

العقل العربي لا يزال يبدع الكثير، ويعد بالكثير بالرغم من الخراب الذي يحيط بنا من كل جانب، رواية ” سناء شعلان ” ــ اعشقني ــ التي هي خليط من الخيال العلمي، والواقع العجائبي في طبعتها الأولى، التي صدرت قبل سنتين والطبعة الجديدة التي صدرت قبل أيام قليلة في عمان تثبت هذه المقولة عن حيوية العقل العربي وقدرته على الأبتكار.

ولا يستطيع القارىء ان يقول أن رواية “اعشقني” هي من الخيال العلمي لأن التقنيات المستخدمة فيها هي غطاء للحديث بحرية عن واقعنا العربي المريض من دون مساءلة قانونية أو سلطوية أو اعتراض من قبل خفافيش الظلام، والباحثين بين الجمل والعبارات عما يدين الكاتب وصاحب الرأي.

 الرواية التي جاءت بثمانية فصول حكت بشكل صوفي عن الحب والعلاقة بين الرجل والمرأة في عالم سيتشكل في عام 3010 م، وهذه الطفرة الزمنية الألفية وفرت للكاتبة حرية التحدث عن الحب بشكل صوفي مغرق في الخيال، فالكاتبة في متنها الروائي كانت باحثة في أدق العواطف الإنسانية، وشارحة لها بلغة أدبية ثرة وفرت متعة حقيقية للقارىء لتذوق اللغة العربية، وكلماتها التي تغور في النفس البشرية لتحكي عن الحب والبغض والإيثار والدناءة.

الذات الإنسانية

 لقد وفرت قراءات الكاتبة سناء شعلان للقرآن الكريم لغة ثرية، وظفتها في عملها الروائي، فجاء متنها معبراً عن المشاعر والمخاوف، التي تنمو داخل النفس البشرية، وتصير مادة للخيال الخصب ومدعاة لرسم الصور الشعرية المرهفة.

  فهي على سبيل المثال تقول على لسان امرأة عاشقة في مجرة درب التبانة نقلاً عن يومياتها:  ” وحدهم اصحاب القلوب العاشقة من يدركون حقيقة وجود بعد خامس ينتظم هذا الكون العملاق، أنا لست ضد أبعاد الطول والعرض والارتفاع والزمان، ولست معنية بتفكيك نظرية إنشتاين التي يدركها، ويفهمها جيداً حتى اكثر الطلبة تواضعاً في الذكاء والاجتهاد في أي مدرسة من مدارس هذا الكوكب الصغير، ولكنني اعلم علم اليقين والمؤمنين والعالمين والعارفين والدّارين وورثة المتصوفة والعشاق المنقرضين منذ آلاف السنين أن الحب هو البعد الخامس الأهم في تشكيل معالم وجودنا، وحده الحب هو الكفيل بإحياء هذا الموات، وبعث الجمال في هذا الخراب الإلكتروني البشع. “ص9

  المتن الروائي للكاتبة سناء الشعلان ينطلق من الذات الإنسانية كذات مفردة معرضة لأنواع العذابات والأستلاب ولكنها تكون أيضاً الوسيلة لإعادة صنع الحياة، فجسد الأنثى المسجي أمام الإجهزة المتطورة لنقل دماغ شاب لجسدها ليعيش فيه، فهي جسد صالح بلا مخ صالح، وهو مخ صالح بلا جسد صالح.

 يقول الرجل” فاتني أن اسأل عن اسمها الآن ؟  فقط هي رغبة الحياة والفرار من الموت من تهصر لحظاتي بيديها الجبارتين المنفلتتين في العدم. ” ص14

 والروائية تختار نموذجها النسائي من بين مناضلات قضت تحت التعذيب” يقولون إنها زعيمة وطنية مرموقة في حزب الحياة الممنوع والمعارض، وكاتبة مشهورة، وأشياء أخرى ما عاد ذهني المشوش بفوضى الألم يتذكرها في هذه اللحظة ” ص15 .

باسل المهري

 فنحن ازاء تقنية تحمي الكاتبة عن المساءلات المألوفة” أين ؟  ومتى ؟ ومن ؟  ” وهي تنقلنا إلى إجابات محايدة عن سؤال محدد يبدأ بكيف ؟  فقط، وهذه ذروة البراعة، فالنص نص واقعي بتقنيات الخيال العلمي، للتخلص من اسئلة تبحث في هوية المتسببين، وتخلص إلى التسليم بما توفره الإجابة عن الحالة بسؤال ” كيف حدث هذا ؟  “.

 في الفصول الثمانية التي تعددت فيها تقنيات الكتابة بين السرد المباشر والوصف والحواريات واليوميات يستطيع القارىء أن يرسم صورة بانورامية لعالم بشع بالرغم من تطوره التكنلوجي والمعرفي إلا أنه لا يزال بذات الوحشية التي بدأت فيها المجتمعات تكوين دولها ومكوناتها المدينية.

 فالمخابرات هي المسيطرة على سائر الحياة في الكوكب ولغة التخويف والترهيب هي السائدة، وكل ذلك تنقله الروائية من خلال كاتبة ماتت سريرياً تحت وسائل تعذيب المخابرات، وبقي جسدها حياً ليتم استخدامه من قبل الدولة لأنقاذ ” باسل المهري” الذي هو من القيادات العسكرية، ويصاب جسده في إحدى المهمات ويعطل تماماً إلا ما تبقى له في الجسد..  دماغه السليم.

 باسل المهري يبحث عن سيرة المرأة التي اعطوه جسدها فيجدها في خزانة الدولة الالكترونية للأفراد، ويبدأ قراءة يومياتها، التي اغلبها معنونة إلى شخص تحبه تلك المرأة اسمه “خالد ” وهي متزوجة من شخص آخر، وهناك مفارقة تنقلنا لها الكاتبة، وهي أن الجسد الأنثوي كان حاملاً بجنين حين توفيت المرأة سريرياً، تدعوه في يومياتها ب ” بورد ” لذلك فالجنين ينمو مع الشخص الجديد، ويبدأ بالحراك في داخل رحم ” باسل المهري”.

فطرة الإنسان

 الرواية في جانبها السيري ينقل لنا حكاية حقيقة حدثت لإمرأة اسمها هدى الفاتح، ص175، تسميها الروائية ” فخر النساء” وهذه المرأة أحبت رجلاً بعد زواجها، لكنها لم تخن زوجها، وبقيت وفية للحبيب والزوج في وقت واحد، لكنها وصلت إلى حالة من اليأس والحرمان اضطرتها للأنتحار، وضمنت الكاتبة نصوصاً لمبدعة أردنية هي د. سهى فتحي توفيت، ونقلت الروائية جزءاً من وصيتها لزوجها وأبنها أيضاً ص188.

 أن تفاصيل حياة الناس في يومنا الحالي وبعد ألف سنة كما جاء في الرواية، وبالرغم من اختلاف وسائل الإنتاج واختلاف القيم، وأتمتة الحياة إلا أن الطغيان والتسلط ورفض الآخر المختلف هو السائد، والروائية تقف مع فطرة الإنسان التي فطرها الله تعالى عليها، في الحب والزواج والوقوف مع الحق مهما كلف ذلك الوقوف من ضريبة يدفعها الإنسان الحر وصاحب المبدأ.

 فوسائل الأنجاب الحديثة لدى بطلتها والتي تعتمد على بنوك الجينات، وعلى الجنس المعلب بعبوات دوائية خاصة، مرفوضة فهي تستخدم الاتصال الطبيعي مع الرجل، الذي تدعوه في يومياتها ” خالد ” ليعطيها الطفلة ” ورد “، وفي اليوميات رسائل حب رومانسية كتبتها الروائية في غاية الرقة والشفافية، والحساسية، وحين تمتلكها المفردة المعبرة ويقف النثر حائراً عند لحظة الشحن العاطفي تستخدم الكاتبة الشعر، لأكمال الصورة الشعرية في الخطاب المُرسل.

 الروائية كذلك استخدمت المنللوج والدايلوج ورسمت صوراً من تيار الوعي واعتمدت على الوصف التصويري في الكثير من فصول الرواية الثمانية، واستطاعت أن تقول كثيراً عن قضايا المرأة في مجتمعنا الشرقي وطرحت مشاكلها النفسية والعاطفية، ونقلت لنا نموذج المرأة المحبوبة لدى أكثر من الرجل، فهي في النص كالوردة التي يتبارى الجميع لأقتطافها من دون أن يفكر أحد بماذا تحيا هذه الوردة ومن تهوى؟

 عالم من الثراء الروحي تقرأه في رواية ” اعشقني ” للدكتورة سناء شعلان، وتشعره فيما يطرحه السرد من معالجات نفسية واجتماعية، خصوصاً والكاتبة تتناول المرأة من جانبها الإنساني كأنثى وأم وحبيبة وزوجة، والروائية تدين المجتمع الشرقي بين ثنايا سطور روايتها، وذلك من خلال كتابة رواية من الخيال العلمي، للخلاص من سطوة رقيب السلطة والتقاليد الاجتماعية المتعارف عليها في مجتمع شرقي محافظ.

* صدرت في العاصمة الأردنية عمان رواية ” اعشقني ” للعام 2014 للأديبة الأردنية سناء الشعلان في طبعة جديدة منقّحة فيها الكثير من التّعديلات في متنها الرّوائيّ، وحصلت الطّبعة الأولى منها العام 2012على جائزة دبي الثّقافية للإبداع في دورتها السّابعة في حقل الرواية، والرّواية تقع في 223 صفحة من القطع الصّغير .

{ كاتب مقيم في المغرب