خطة ترامب لغزة .. الوصاية الدولية وتعريف القضية الفلسطينية – محمد علي الحيدري
ليست الخطة التي كشف عنها البيت الأبيض مجرد مبادرة لوقف الحرب، بل مشروع يعيد رسم صورة غزة وموقعها في المعادلة الإقليمية. فالرهان الأميركي يتجاوز منطق الوساطة التقليدية إلى محاولة فرض واقع جديد: إقصاء حماس من المعادلة العسكرية والسياسية، وإحلال إدارة دولية انتقالية برعاية مباشرة من واشنطن، يتصدرها دونالد ترامب شخصياً.
هذا التصور ينطوي على بعد رمزي عميق: الولايات المتحدة لا تعرض صفقة تسوية، بل تقدم نفسها كسلطة وصاية قادرة على إعادة تشكيل المشهد. وهو ما يفتح الباب أمام أسئلة كبرى: هل يمكن إعادة هندسة غزة بهذا الشكل في مجتمع يتنفس المقاومة ويعتبرها جزءاً من هويته؟ وهل يمكن أن تتحول لجنة تقنية أو مجلس دولي إلى بديل مقبول عن القيادة الوطنية؟
الجانب الإسرائيلي يكشف تناقضات لا تقل خطورة. فإذا كان نتنياهو يرى في الخطة مخرجاً يتيح استعادة الرهائن وإنهاء حرب استنزاف، فإن اليمين المتشدد يعتبرها استسلاماً مغلفاً، لأنها تعني انسحاباً فعلياً من غزة وتخلياً عن السيطرة المباشرة. وهو ما ينذر بمعركة داخلية قد تفجر الائتلاف الحاكم قبل أن تُختبر الخطة ميدانياً.
أما فلسطينياً، فالمعضلة أشد وضوحاً: السلطة ترفض أي صيغة تتجاوز حقوقها، وحماس ترى في الخطة مشروع إلغاء سياسي، بينما الشارع الفلسطيني يقرأ فيها محاولة جديدة لانتزاع قراره الوطني وتسليمه إلى وصاية خارجية. وفي ظل غياب توافق داخلي، يصبح أي حديث عن إدارة انتقالية محكوم عليه بالاصطدام بواقع اجتماعي وسياسي لا يمكن تذويبه بقرارات دولية.
معضلة شرعية
على المستوى العربي، المشاركة في قوة استقرار أو في إعادة الإعمار تحمل إغراءات دبلوماسية، لكنها في الوقت ذاته مخاطرة سياسية، إذ قد تُفسَّر كغطاء لتكريس واقع لا يحقق طموحات الفلسطينيين. وهنا تبرز معضلة الشرعية: من يملك حق التوقيع باسم غزة والفلسطينيين، ومن يمنح الغطاء العربي لمشروع قد يتحول إلى نسخة جديدة من “الإدارة المدنية” بواجهة دولية؟ استراتيجياً، الخطة تكشف أن الولايات المتحدة تسعى لاستعادة زمام المبادرة في الشرق الأوسط عبر ملف غزة، بعد أن فقدت كثيراً من نفوذها في العقد الأخير لصالح قوى إقليمية ودولية. لكن هذا الطموح يصطدم بواقع معقد: فلا إسرائيل قادرة على الانسحاب بسهولة، ولا الفلسطينيون مستعدون للتخلي عن هويتهم المقاومة، ولا القوى الإقليمية ستقبل بدور أميركي مطلق يختزل كل المعادلة.
لذلك، فإن الخطة ليست وصفة جاهزة لإنهاء الحرب بقدر ما هي اختبار لقدرة واشنطن على فرض وصاية سياسية في واحدة من أعقد الساحات وأكثرها حساسية. نجاحها مرهون بمعجزة توافق بين أطراف متنافرة، أما فشلها فسيعني أن غزة ستدخل مرحلة أشد اضطراباً، حيث الخيبات تولّد دوماً جولات أعنف من الصراع.